الأوجام: الأمة في مواجهة الفتن الطائفية

مكتب الشيخ حسن الصفار الأوجام ـ وجدي مبارك

تساءل سماحة الشيخ حسن الصفار عن السبب الذي يجعل الفتنة الطائفية تطل برأسها كلما بدأت الأمة بالنهوض والإتحاد في مقاومة المشروع الغربي في المنطقة، وكأن من يتعمد إثارتها يقصد حماية المصالح الغربية المهددة.

كان ذلك خلال حديث سماحته مساء يوم الخميس 12/9/1427هـ في حسينية المرحوم الحاج عبدالرحيم الناصر بالأوجام وكان عنوانها (الأمة في مواجهة الفتن الطائفية).

وقد استهلت الندوة بمقدمة للسيد موسى حميد الهاشم تحدث فيها عن التنوع والاختلاف البشري في كثير من الأمور لاسيما في التنوع الديني حتى على مستوى الشرائع والأديان، وكيف وصل هذا الاختلاف في الأمة الإسلامية وهو تنوع أقرّ به الإسلام والقرآن الكريم ثم تطرق إلى دور الأمة ودور المجتمعات الإسلامية في مواجهة التحديات والأخطار المحدقة بها وخاصة ما يحدث في العراق وترديد البعض لمصطلح الفتنة الطائفية ، وهل يمكن حدوثها؟ وكيف يمكن محاصرتها والقضاء عليها؟ وكيف يمكن في مثل هذه الظروف أن نحافظ على ثوابتنا وأن نعزز من وحدتنا وانتمائنا إلى وطننا  دون المساس بوحدته؟، وكيف يمكننا أن نوقف ونحد من العبارات الطائفية التي تؤدي إلى الاحتراب الطائفي؟

هذا وقد استهل سماحة الشيخ كلمته بالآية ( 65) في سورة الأنعام ﴿قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ.

ثم قسم سماحته كلمته إلى عدة محاور بدأها بالحديث عن نوعية الكوارث والمشاكل التي تتعرض لها الأمم، وصنفها إلى نوعين:

ـ الكوارث الطبيعية والتي تحدث بسبب ظواهر طبيعية كالفيضانات والبراكين والأعاصير وهي كوارث لا يستطيع البشر أن يمنعوا حدوثها لكن مع تقدم العلم استطاعت البشرية أن تتنبأ بها وحاولت الحد من آثارها وأخطارها.

ثم قارن سماحته اختلاف الأضرار الناتجة عن ظاهرة الزلازل بنفس القوة والدرجة في بلد متقدم مثل اليابان وبلد من العالم الثالث كإيران، فنجد أن اليابان أقل ضرراً من إيران كونها بلد استطاع بتقدمه العلمي أن يتنبأ بحدوثها قبل وقوعها، واستخدام الوسائل التي تتلاءم معها كنوعية المنازل مثلاً.

ثم بين سماحته النوع الآخر من الكوارث وهو:

ـ الكوارث الاجتماعية  وهي من قبيل الاحتراب الداخلي بين أطراف المجتمع وهي نوع من أنواع النزاع وهي كارثة تحدق بالمجتمعات، وأوضح أن النزاع حالة طبيعة تفرزها الحياة البشرية وتحدث في جميع المجتمعات ولا تختص بمجتمع دون آخر أو بطائفة أو ديانة أو مذهب معين.

وبيّن سماحته أن السبب في حدوث حالة الاحتراب في المجتمعات المتنوعة في انتمائهم وتوجهاتهم يعود إلى عدم وجود علاقة سليمة وخلل واضح بين هذه الأطراف التي يتكون منها هذا المجتمع، ويكون سبباً في حدوث حالة الاحتراب.

وأضاف سماحته «إن كثيراً من المجتمعات الأوربية عاشت حالة من الحروب والنزاعات وذلك  لعهد قريب كالحرب العالمية الأولى والثانية ومما يدل على أن ظاهرة النزاع والاحتراب يمكن حدوثها في أي مجتمع بغض النظر عن انتمائهم ودياناتهم».

أما المحور الثاني فتطرق فيه سماحة الشيخ إلى الأسباب والظروف المساعدة في التقليل من ظاهرة النزاع والاحتراب في المجتمعات.

إن ضوابط مستوى ترشيد التنافس والاختلاف ما بين فئات المجتمع يؤدي إلى تقليل حالة النزاع والاحتراب  بينما إذا قل مستوى الضمانات والصيانة والاحتراز الأمني في تلك المجتمعات فإن مستوى حالة الاحتراب والنزاع يمكن أن ترتفع  داخل هذه المجتمعات.

وكأنموذج ذكر سماحته واقع أمتنا الإسلامية عبر تاريخها الطويل وكيف أن بعض الحروب والنزاعات نشأت بشكل مؤسف بين جيل تربى ونشأ على يد رسول الله مستعرضاً عدة شواهد منها معركة صفين والجمل والنهروان والحروب في الدولة الأموية والعباسية والنزاع الذي وقع بين الأمين والمأمون.

ثم أوضح سماحته «أن هذه الأحداث والنزاعات حدثت ضمن عناوين مختلفة فكان بعضها يظهر تحت عنوان سياسي والبعض تحت عنوان ديني ولكن يمكن أن نستنتج أن بعض هذه  النزاعات أخذت عناوين دينية وهي مجرد شعارات ولكنها في الحقيقة نزاعات وخلافات سياسية».

وتحدث سماحة الشيخ في المحور الثالث  عن واقعنا المعاصر وكيف أن هذا الجيل الحالي عاصر كثير من النزاعات والحروب بين هذه الدولة وتلك، وبين هذا الطرف وذاك، كحرب اليمن، والحرب العراقية الإيرانية، واحتلال الكويت، والصومال، والحرب الأهلية في لبنان.

وقال سماحته: «إننا نتمنى أن تتجاوز أمتنا ومجتمعاتنا العربية حالة الاحتراب والنزاع بشتى أنواعها لاسيما أننا نعيش حالة الفوضى في عدد من الدول كالعراق والصومال وضمن شعارات ومضامين سياسية مختلفة».

ثم تساءل: «كيف نتجاوز هذه الحالة؟ وكيف يمكن أن نبعد عن حالة الاحتراب والنزاع داخل مجتمعاتنا؟ وكيف نصل لحالة من الاستقرار السياسي والاجتماعي؟...».

وأجاب على ذلك «إن الحل يكمن في أمرين أساسيين، أولهما : تطور وارتقاء الأنظمة السياسية في الأوطان العربية والإسلامية بحيث يعيش الناس نظام مواطنة موحد يتساوى فيها المواطنون في حقوقهم وواجباتهم بغض النظر عن أديانهم ومذاهبهم وتوجهاتهم السياسية، كما هو الحال في كثير من الدول الغربية.

أما الأمر الثاني فهو: سيادة ثقافة الاحترام والاعتراف بالطرف الآخر، وهي في كثير من الأحيان مشكلة نفسية ثقافية تبدأ بفرض الوصاية والاستعلاء سواء على مستوى الدين أو المذهب وهو خلاف ما جاء به القرآن الكريم  ﴿لكم دينكم ولي دين.

وكيف أن هناك توجهات حتى على مستوى التيار أو المذهب الواحد لفرض وصايته وهو أيضاً يؤدي في مجمله لحدوث حالة من الاحتراب والنزاع الداخلي».

ثم أعرب سماحته عن تفاؤله من عدم حدوث نزاعات طائفية لأن الأمة وصلت لمستوى وعي كبير بين أوساطها، وكذلك وجود المخلصين من مختلف المذاهب في التقريب بين مذاهبهم ونشر ثقافة التسامح ووحدة الأمة الإسلامية، بالرغم من وجود فئات تعصبية محدودة في الأمة وهي قليلة التأثير.

وقال سماحته: «إن فاجأ الجميع أن خروج ظواهر لإحياء النزعة الطائفية يقترن مع صدام في المصالح الإسلامية الغربية واستدل لذلك بانتصار الثورة الإسلامية في إيران وكيف صب هؤلاء الطائفيون جام غضبهم في تحرك ضد الشيعة عبر وسائل المختلفة، وكذلك الحال بعد سقوط نظام صدام وكيف استغل لإثارة نزعة طائفية في العراق».

وأضاف «إن ما يثير الاهتمام كيف أن انتصار المقاومة الإسلامية في لبنان في الحرب الأخيرة  ضد الكيان الصهيوني والذي لا يوجد خلاف بين الأمة في صدها ومحاربتها، فسمعنا للأسف أصوات ناشزة أثارت نزاعات طائفية، بدل أن نؤكد في هذا الوقت على توحدنا!».

ويرى سماحته أن كل هذا يأتي عبر وجود مصالح أجنبية لإثارة هذه النزاعات، لأنهم رأوا أن الأمة بدأت تتوحد وتقاوم فلا بد من إشغالها بنزاعات وخلافات طائفية داخلية.

في نهاية كلمته قال سماحته مؤكداً: «إننا لا نريد النزاعات الطائفية ولكن في بعض الأحيان لا نستطيع أن نكبح أنفسنا كون البعض يحكّم عاطفته قبل عقله،  وكيف أن هذه النزعة تأتي من تصرف فردي أو مجموعة معينة يشعل فتيل تلك الفتنة، ولكن يجب على الواعين أن يدركوا خطورة الانجراف إليها, وأن يتحملوا مسئوليتهم ولا يخضعوا لضغط الشارع وإن الانزلاق فيها يحقق مراد الأعداء في تمزيق شمل الأمة».

وفي نهاية الندوة أجاب سماحته على مداخلات وأسئلة الحضور الكريم ومنها:

ما هو رأي سماحتكم في السيمفونية التي ترددها بعض وسائل الأعلام كون أن أتباع مذهب أهل البيت لا يملكون حساً وطنياً سواء في مجتمعنا أو في مجتمعات عربية أخرى بالرغم من أن كثير من المواقف أثبتت عكس ذلك؟

إن مثل هذه الدعايات هي في الأصل تهريج إعلامي ويجب تعريف ما هو الحس الوطني، فإذا كان الحس الوطني هو الدفاع عن الوطن فإن موقف المقاومة الإسلامية في لبنان أسمى صورة تعكس هذا الحس والانتماء فليست أرض لبنان مختصة بالشيعة بل للبنانين بمختلف قومياتهم وانتماءاتهم، وكذلك سعيهم لتحرير جميع الأسرى اللبنانيين بالرغم أنهم ليسوا شيعة بل ينظرون لهم بمنظور وطني، وكذلك موقف الشيعة في الكويت في تحرير الكويت، لكن جوهر القضية هي دعوة لإثارة الفتنة في المجتمعات.

وتساءل سماحته «إذا كان لدى بعض الشيعة في بلد ما رأي يعترض على حالة، أو رأي سياسي يخالف النظام السياسي، فهل هذا يتعارض مع الانتماء الوطني؟  وكيف أن كثير من البلدان توجد بها معارضة من غير الشيعة فلماذا لا يتهمون بأنهم خارج الوطن، ويشكك في وطنيتهم؟ ويجب علينا في هذا المقام التفريق بين الوطن كأرض ونظام وشعب، وبين ممارسات سياسية يمكن الاعتراض عليها أو نقدها».

هل ممكن أن نقلل من مظاهرنا الدينية في منطقتنا للحفاظ على وحدتنا وعدم إثارة النزعة الطائفية؟

إني أرى الاعتراف بحق أي فئة من فئات المجتمع أن تمارس شعائرها الدينية دون قيد أو تضييق، وإن الوحدة الوطنية ليست على حساب الحرية الدينية والعبادية لفئة من الفئات، ولكن هناك عادات وممارسات داخلة وليست ثابتة ومناسبة في المذهب يمكننا التحفظ عليها، ليس لأنها تخالف الوحدة أو تثير هذا الطرف أو ذاك بل لكي نقومها وإعطاء نظرة فاحصة عنها، أما الممارسات الدينية الثابتة في مذهبنا فهي ممارسات يجب الحرص على ممارستها وتفعيلها وتطويرها لغرس القيم الدينية في الأجيال والنشء الجديد.

لماذا لا تنقح الكتب الموروثة لدينا والتي تثير النزاع الطائفي؟

يحتاج التراث سواء في المذهب الشيعي أو السني إلى غربلة من جديد لوجود موضوعات واجتهادات تمثل أفراد وبيئة معينة أو تمثل ظرفها التاريخي، ونحن نؤمن بضرورة مراجعة هذا التراث، وأرى أن بعض ما يثير الخلاف بين أتباع مذهب أهل البيت والمذاهب الأخرى ليس ناتج من أصول المذهب إنما ناتج من ممارسات واجتهادات حصلت في عصور معينة قد لا تكون صحيحة السند، لأن مذهب ومنهج أهل البيت هو الحفاظ على الوحدة واحترام الآخرين، ولم يكن ديدن أهل البيت الشتم والسب  لأن منهجهم الإسلام (إِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً الفرقان72 ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً الفرقان63.

وأن مفهوم الولاء والتبري، مفهوم واسع يتفق عليه المسلمون، وأن مفهوم الولاء الفكري أن تأخذ بفكر أهل البيت وتتبرأ من الفكر الآخر،  ولا يمكن أن نأخذ بحدية مفهوم الولاء والتبري في تبرير السب والشتم وهذا ما يخالف منهج أهل البيت وتعاملهم مع المواقف المختلفة كموقف الإمام علي مع  أتباع معاوية والجمل والنهروان.

حضور:

مع الشيخ شاكر الناصرحضور في ندوة الأوجامحضور في ندوة الأوجامحضور في ندوة الأوجام