المؤتمر الدولي العشرون للوحدة الإسلامية

مكتب الشيخ حسن الصفار
الشيخ الصفار في قاعة المؤتمر

بدعوة من المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية شارك سماحة الشيخ حسن الصفار في المؤتمر الدولي العشرين للوحدة الإسلامية الذي انعقد في العاصمة الإيرانية طهران بتاريخ 17-19 ربيع الأول 1428هـ الموافق6-8 أبريل 2007م بحضور عدد كبير من المنظمات الإسلامية ومن العلماء والمفكرين من 46 دولة.

وقد خصص المؤتمر لدراسة «الظواهر العامة لسنة الرسول الأكرم وسيرته» وافتتح المؤتمر بكلمة سماحة الشيخ الهاشمي الرفسنجاني، وحظي المشاركون بلقاء قائد الثورة الإسلامية السيد علي الخامنئي. واستمرت جلسات المؤتمر ثلاثة أيام.

وقد شارك في المؤتمر إلى جانب سماحة الشيخ الصفار عدد من الشخصيات من المملكة العربية السعودية منهم الدكتور الشيخ محمد بن عبدالله الخرعان الأستاذ في جامعة الإمام محمد بن سعود في الرياض، والشيخ احمد بن عابر العنزي إمام وخطيب جامع الأسواق بالنسيم في الرياض، ورجل الأعمال الأستاذ واصف كابلي راعي منتدى الروضة في جدة ، والشيخ فوزي آل سيف والشيخ زكي الميلاد، والمهندس حسين البيات من القطيف، والسيد هاشم السلمان والشيخ  حسين العايش والسيد علي باقر الموسى والشيخ جواد الخليفة والسيد هاشم الشخص من الأحساء، ورجل الأعمال علي طاهر الجنوبي والسيد مهدي السيد أحمد الطاهر والأستاذ طالب المطاوعة من الدمام.

وعلى هامش المؤتمر انعقد اجتماع الجمعية العمومية للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية برئاسة الشيخ الدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة أمين عام مجمع الفقه الإسلامي الدولي بجدة، وشارك سماحة الشيخ الصفار في الاجتماع باعتباره عضواً في الجمعية.

كما اغتنم سماحة الشيخ فرصة المؤتمر للقاء بأكبر عدد من الشخصيات المشاركة وتبادل الرأي معها حول شؤون الأمة وقضايا الفكر الإسلامي.

وكانت الورقة التي قدمها سماحة الشيخ حسن الصفار للمؤتمر بعنوان «رؤية حول التعايش المذهبي» وزعت على المشاركين بين أبحاث المؤتمر ونشرتها جريدة كيهان العربي الصادرة من طهران في عددها رقم 6738 بتاريخ 18 ربيع الأول 1428هـ الموافق 7 نيسان 2007م.

وفي موعد إلقاء الكلمة مساء اليوم الثاني من المؤتمر يوم السبت 18 ربيع الأول/7 نيسان، ألقى سماحته كلمة ارتجالية غير الكلمة المطبوعة وفيما يلي نص كلمته:

نص الكلمة

﴿بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وآله الطاهرين.

إذا أردنا أن نناقش، ونعالج مشاكلنا الداخلية، فغالباً ما نلقي باللائمة على العنصر الخارجي، وعلى مؤامرات الأعداء، وخطط الاستكبار والاستعمار، ولا شك في ذلك، وفي أن الأعداء يتربصون بنا الدوائر، ولكن المشكلة الأساس تكمن في وجود الأرضية الخصبة التي تتقبل تلك البذور السيئة، والتي تمنحهم الفرصة لتحقيق مبتغاهم، وكما يقول تعالى: ﴿ ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة، وفيكم سمّاعون لهم.

ما لم يكن هناك استعداد داخلي فإن المؤامرات والخطط تفشل، لذا علينا أن نركّز على المشاكل الداخلية، وأن نكون على قدر كاف من الاستعداد لما يمكن أن نواجهه من فتن ومؤامرات تحاك ضدنا.

وأشير هنا إلى مشكلتين:

المشكلة الأولى: المشكلة السياسية:

إذا قام النظام السياسي في العالم الإسلامي على أساس المساواة بين الرعية، وعلى أساس تحقيق مفهوم المواطنة بينهم، لاغياً كل ما يميز بينهم على أساس قومياتهم أو مذاهبهم، فإنه بلا شك يسد الثغرات أمام المؤامرات والفتن الداخلية.

أما وجود التمييز بين المواطنين فإن ذلك يعطي فرصة كبرى للأعداء ليستفيدوا من تلك الحالة ما دامت هناك فئة غالبة، وأخرى مضطهدة.

والمطلوب لتحقيق مفهوم الوحدة، هو تحقيق مفهوم المواطنة في البلدان والأوطان الإسلامية حتى يعيش المواطنون على قدم المساواة في الحقوق والواجبات.

المشكلة الثانية: الثقافة الدينية السائدة:

ثقافتنا الدينية السائدة مشبعة في طرحها المذهبي بما يدعو إلى التباعد والتنافر بين أتباع المذاهب الإسلامية.

وهنا يجب أن نعترف بأننا نواجه صعوبة في النقد الذاتي لثقافتنا المذهبية.

ليس هناك مشكلة في أن ينتقد أعلام وأتباع كل مذهب ثقافة المذهب الآخر، بل إن من يقوم بذلك يعتبر بطلاً، ومدافعاً عن الدين!

فالعالم أو المفكر السني حينما ينتقد شيئاً في الثقافة الشيعية، فإن أتباعه وجمهوره يمجدونه، وكذلك بالنسبة للعالم الشيعي عند انتقاده للفكر السني فإن جمهوره يعتبرونه بطلاً، ومدافعاً عن مذهبهم.

ولكن المشكلة في الاقتراب من خط النقد الذاتي، مع أنه لا يستطيع أتباع أي مذهب من المذاهب أن يبرئوا تراثهم وثقافتهم من وجود الشوائب، ومن وجود نقاط الضعف والثغرات.

إلا أن النقد الذاتي يكاد أن يكون خطاً أحمر في الغالب عند أتباع المذاهب، وفي الثقافات المذهبية!

أذكر هنا مثالين، أحدهما لعالم سني، وآخر لعالم شيعي.

العالم السني: هو المرحوم الشيخ أبو الأعلى المودودي رحمه الله هو عالم كبير وجليل، من علماء باكستان، وهو مؤسس الجماعة الإسلامية فيها، والجميع يعلم فضله، ويشهد له بالعلم والمكانة، حتى أن أكبر الجماعات الإسلامية في البلاد العربية وهم الأخوان المسلمون، استفادوا من ثقافته ومن كتابته الأولى.

هذا الرجل حينما ألف كتابه ( الخلافة والملك) والذي فرّق فيه بين فترة حكم الخلفاء الراشدين، وبين الحكم الأموي والعباسي، والذي تناوله بموضوعية، وعلم واستدلال، إلا أن ضجة كبيرة ثارت ضده، واتهم بالنيل من الصحابة والسلف الصالح!

حتى رد على تلك الضجة ببحث أردفه في الكتاب في طبعته الثانية. وهذا الكتاب على أهميته إلا أن هناك تعتيماً عليه، فلا يكاد ينشر، أو أن انتشاره ضعيف في العالم الإسلامي.

العالم الشيعي: هو الإمام السيد محسن الأمين العاملي، من علماء لبنان، وهو عالم مجتهد، حين كتب نقده لبعض الممارسات الشعائرية عند الشيعة، في رسالته ( التنزيه لأعمال الشبيه)، أيضاً ثارت عليه ضجة كبيرة في الوسط الشيعي، واتهم بمختلف الاتهامات.

وهكذا كثير من العلماء يواجهون هذه الضجة والتشكيك عندما يقتربون من خط النقد الذاتي.

إننا بحاجة إلى هذا النقد في ثقافتنا المذهبية، وخاصة بما يرتبط بمسألة التحريض على الآخر والعلاقة معه. وأشير هنا إلى بعض النقاط:

التركيز على قضايا الخلاف:

مع أن مساحات اللقاء والوفاق بين المذاهب الإسلامية، وباعتراف الجميع هي الأوسع، لكن خطابتنا وحديثنا مع الجمهور في الغالب إنما يركز على النقاط التي نختلف فيها مع الآخر، ونتناسى كل نقاط الاتفاق!

التشكيك في دين الآخر:

وهذا ما نلحظه في إصدار الفتاوى التي تتهم الآخر بالكفر، والشرك، والبدعة، والضلال، وما أشبه ذلك، حتى لو كان الاختلاف في مسألة جانبية كالاحتفاء بالمولد النبوي الشريف.

نجد كثيراً من المسلمين يتجوز التسعين بالمائة منهم يحتفلون بذكرى المولد النبوي الشريف، غير أن هناك مدرسة في داخل الأمة ترى أن ذلك لا يجوز، ولهم رأيهم واجتهادهم، ولكن كيف يصح اتهام أكثرية المسلمين بمختلف التهم لاتفاقهم على رأي آخر؟!

التشكيك في دين الآخر لا يجوز، وعلينا أن نتجاوزه، وليكن الاختلاف بيننا اجتهاداً يسعه ما ورد عن رسول الله : «المجتهد إذا أصاب فله أجران، وإن أخطأ فله أجر واحد». وعلينا أن ننقل مسائل الخلاف من دائرة الإيمان والكفر، والحق والباطل، إلى دائرة الصواب والخطأ.

النظرة الخاطئة للآخر:

بناء على فهم الحديث الوارد (تفترق أمتي ... وأنها كلها فرق هالكة، إلا فرقة واحدة) فإن كل طرف ينظر إلى أتباع المذهب الآخر بأنهم معاندون، وأنهم مستحقون للنار!

هذه النظرة الدونية، والتي تعودنا أن نعبأ الجمهور على أن ينظر للآخر بها، مشكلة خطيرة في ثقافتنا المذهبية السائدة.

الآخر ليس معانداً، وإنما عاش في بيئة وجو، وجد نفسه مقتنعاً بهذا المذهب، وهذا الرأي، ولو ولدت أنا مكانه لوجدت نفسي في هذا السياق.

ولا ننسى بأن رحمة الله تعالى تتسع للجميع، وتتسع لمن مات على الشهادتين ( لا إله إلا الله، محمد رسول الله).

نسأل الله أن ينفعنا بتوحيده، وأن يحشرنا جميعاً تحت راية رسول الله وأن يدخلنا الجنة بشفاعته.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.