لو أرادوا الصيام لأعدوا له

الذين يريدون مظهر الصيام وشكلياته من الجوع والعطش فقط، بدأوا من الآن يعدون عدة هذا النوع من الصيام، وبدأت محال بيع المواد الغذائية تستعد لهذا النوع من الصائمين، وسنلحظ كما في الأعوام السابقة كيف ستزدحم محال ومراكز بيع المواد الغذائية واللحوم - وكأننا مقبلون على حرب يتمون الناس لها قبل اندلاعها - إلى الدرجة التي ترسم في أذهاننا سؤالا متحفزا: هل هذا حال من يريدون الصيام؟

لست أقصد التعميم لكل من يجهّز قوته وقوت عياله لأيام الصيام، فربما فعل ذلك ليتفرغ في أيام الشهر الكريم للعبادة والتقرب إلى الله، بيد أن هذا السؤال تكرر عندي حينما كان مجموعة من الأصدقاء يتحدثون عن الأجواء الهاتفية - بين بناتهم - وهن يسامرن بعضهن عن المسلسلات الرمضانية أوقاتها وقنواتها وبرامج إعادتها كي يتمكنّ من مشاهدة القسم الأكبر من هذه المسلسلات.

تفرض العروض واقعها بقوة تكاد تجبر الناس على السير وفق إعلاناتها بفعل التأثير الجاذب والجارف لها، فتذهل وتسكر وتجر الناس لاتجاهات قد تختلف تماما في أهدافها عن الأهداف التي رسمها الله ـ سبحانه وتعالى ـ لعباده في شهر رمضان المبارك.

بيننا وبين شهر الله المبارك أربعة أيام تكفينا في أن نعدّ فيها عدّتنا لاستقبال ضيفنا الكريم، وأول العدة أن نعرف عظمته ومقامه ومائزه عن بقية الشهور، لقد جاءت الروايات متواترة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم) وهو يحدث المسلمين «إذا كان أول ليلة من رمضان فتحت أبواب الجنان فلم يغلق منها باب، وغلقت أبواب النار فلم يفتح منها باب، وصفدت مردة الشياطين» .. ومثل ذلك أحاديث أخرى تظهر رحمة الله بعباده في هذا الشهر «إن لله عتقاء من النار وذلك كل ليلة من رمضان».

أحاديث كثيرة ذات دلالات معنوية مهمة وعظيمة، بعيدة كل البعد عن محسوسات البشر ومشاهداتهم.

إنها تتحدث عن الهم الأكبر الذي يغفله الإنسان عادة، وعن الهدف الحقيقي والرئيس الذي يتناساه، لتتحرك هذه الأحاديث نحو هدف استراتيجي وهو انتشال الإنسان من هوس التسلي وضياع العمر، إلى استثمار لحظاته وأنفاسه لاغتنام عروض شهر رمضان الإلهية، وهداياه الثمينة، وذلك حين يفكر الإنسان في المسار الذي يعتقه من النار ويوصله إلى الجنة.

إن علينا أن نجهز أنفسنا بأمرين لاستقبال شهر رمضان، أن نعيش حالة اللهفة والترقب لحلوله فرحين مطمئنين سعداء به وبمقدمه وذلك بالدعاء والابتهال إلى الله أن يتيح لنا فرصة بلوغه، وأن يرزقنا الصحة والعافية لصيامه وقيامه، وقد وردت الأدعية كثيرة في ذلك كقول الرسول الأكرم: «اللهم سلمنا لشهر رمضان وتسلمه منا وسلمنا فيه حتى ينقضي عنا شهر رمضان وقد عفوت عنا وغفرت لنا».

والأمر الثاني أن نجعل ضيفنا يرانا صائمين كما يحب، تقول عائشة زوج الرسول : ( وما رأيته صلى الله عليه وسلم أكثر صياماً منه في شعبان)، ولذلك أعتبر شهر شعبان شهر رسول الله لكثرة عبادته فيه ودأبه في صيامه وقيامه في لياليه وأيامه، لقد كان الكثير من السلف الصالح يجتهدون في صيام شعبان ليلتقوا بشهر رمضان وهم في حالة من المران والعبادة والصيام فيحل عليهم ولسان حالهم الجاهزية والاستعداد والانتظار لمقدمه.

ولعل الإعداد لمجموعة من البرامج الروحية والتربوية والتهذيبية للنفس والإصرار على تنفيذها خلال شهر رمضان هو خير وسيلة تعيننا على استنقاذ رقابنا من النار.

إن الكثير ممن يأنسون بمسلسلات التلفاز وبرامج المحطات الفضائية ويستمتعون بها بديلا عن الدعاء والعبادة والتفكر في أيام شهر رمضان ولياليه عدا عن أنهم يضائلون فرصهم في عتق رقابهم من النار، فإنهم يعيشون عقابا دنيويا لا يشعرون به.

الطاعة شرف وحرمان الإنسان من التشوق لها عقاب ومسكين من لا يلتفت لهذا العقاب في حين يضعف تفاعله مع العبادات والطاعات والبرامج الروحية، إنه نوع من الاستدراج الخطير على آخرة الإنسان ودنياه، يقول تعالى : ﴿سنستدرجهم من حيث لا يعلمون.

لو أردنا صيام الفوز والربح في إعتاق رقابنا من النار فعلينا أن نعد العدة لذلك الصيام ليتحول شهر رمضان إلى فرصة تساوي حياة الخلود في الآخرة، أما إذا أردنا مجرد أداء واجب الإمساك عن الطعام والشراب من الفجر حتى الغروب فيمكننا أن نطيل النوم بين الفجر والغروب، وأن نسعى وراء التسلية بكل ما يتاح لنا من ملهيات، والقرار في نهاية المطاف بأيدينا.

msaffar45@hotmail.com

السبت 26/8/1428هـ الموافق 8/9/2007م - العدد 12503