الشيخ الصفار يتحدث عن: معطيات الإيمان بالإمام المهدي (ع)

مكتب الشيخ حسن الصفار

بدعوة من القائمين على مأتم بن زبر (المنامة/ البحرين) شارك سماحة الشيخ حسن الصفار في الاحتفال المقام بمناسبة ميلاد الإمام الثاني عشر من أئمة أهل البيت الإمام المهدي .

وقد أقيم الحفل الذي شارك فيه بالإضافة لسماحة الشيخ الصفار كل من السيد أحمد الماجد، والشاعر الأستاذ/ عدنان الحلواجي، ليلة الخميس 51/8/1428هـ الموافق 29/8/2007م.

وقد التقى سماحت الشيخ على هامش الحفل بمجموعة من العلماء منهم الدكتور حميد النجدي.

هذا وقد تحدث سماحة الشيخ الصفار عن المعطيات التي نستفيدها من إيماننا بقضية الإمام المهدي ، والواجبات التي يجب أن نتحملها.

وهذا مختصر الكلمة التي ألقاها سماحته:

ورد عن رسول الله ص انه قال : لو لم يبق من الدهر إلا يوم، بعث الله رجلا من أهل بيتي يملؤها عدلا كما ملئت جورا[1] .

الإمام المهدي قضية إسلامية لا يستطيع أن يتنكر لها أي مسلم يرى نفسه ملزما بقول رسول الله ص لان الأحاديث الواردة عنه ص لا تقبل الإنكار ولا تقبل التأويل في هذا المجال، ولذلك اجمع علماء الأمة إلا من شذ منهم على التأكيد على هذا الموضوع وأن الله يبعث في آخر الزمان من يصلح أمر الدين والأمة وينشر العدل والحق في العالم كل العلماء المسلمين في مختلف مذاهبهم ومدارسهم حتى المدرسة السلفية قرر رموزها هذه الحقيقة قال الشيخ ابن تيمية: (إن الأحاديث التي يحتج بها على خروج المهدي أحاديث صحيحة رواها أبو داود والترمذي واحمد وغيرهم)[2] .

وتحت عنوان: (خروج المهدي حقيقة عند العلماء) ذكر المحدث السلفي المعاصر الشيخ محمد ناصر الدين الألباني أسماء ستة عشر عالماً من كبار أئمة الحديث قد صححوا أحاديث خروج المهدي[3] .

ونشرت مجلة البحوث الإسلامية الصادرة عن رئاسة إدارة البحوث العلمية والإفتاء – الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية بحثاً للشيخ يوسف البرقاوي تحت عنوان (عقيدة الأمة في المهدي المنتظر) جاء فيه:

 (إن موضوع المهدي من علامات الساعة الكبرى واشراطها العظمى التي اخبر عنها رسول الله ، فأشراط الساعة الكبرى من الأمور الغيبية التي كلف الله عباده بالتصديق بها، والإيمان بمدلولها، وعقيدتنا تملي علينا وجوب الإيمان بذلك).

ونقل عن السفاريني الحنبلي قوله:

(من اشراط الساعة التي وردت فيها الأخبار وتواترت في مضمونها الآثار من العلامات العظمى وهي أولها أن يظهر الإمام المهدي المقتدى بأقواله وأفعاله الخاتم للائمة فلا إمام بعده، كما أن النبي هو الخاتم للنبوة والرسالة فلا نبي ولا رسول بعده) [4] .

وقد جمع الشيخ لطف الله الصافي في كتابه (منتخب الأثر في الإمام الثاني عشر) الأحاديث الواردة حول الإمام المهدي من كتب الفريقين السنة والشيعة فبلغت (6277) حديثاً[5] .

إذا فالقضية ثابتة لسنا بحاجة لمناقشتها، هناك نقاش في التفاصيل على مستوى النقاش الوارد في مختلف المسائل العقائدية من كتاب التوحيد إلى الكتب الفقهية في أحكام الصلاة والوضوء.

ولكن لماذا التأكيد على الإيمان بهذه القضية والدعوة للتمسك بها؟

هناك معطيات كبيرة وعظيمة للإيمان بقضية الإمام المهدي سنتحدث عن أهم أربعة:

1/ إحياء روح الأمل في نفس الإنسان المسلم وفي الأمة المسلمة التي تتعرض في مسيرتها للنكسات والمصاعب والعقبات والاعتداءات.

وأي اعتداء على الأمة إنما يهدف في الأصل ثقتها في نفسها، العدو يريد أن يوقع الهزيمة النفسية ببث اليأس والقنوط في نفوس أبناء الأمة وإذا ما سيطر اليأس والإحباط على النفوس فإن الأمة لا تستطيع المواجهة والمقاومة لذلك لابد من وجود جذوة الأمل في النفوس ، الإيمان بالإمام المهدي هو الذي يجعل جذوة الأمل متقدة دائما في نفوس المؤمنين الذين.

مع كل ما يصيبهم من عقبات ومصاعب يثقون بنصر الله تعالى  وأن العاقبة للمتقين وأن الباطل إلى زوال وانتهاء وأن الحق سيظهر وينتصر.

قضية الأمل من القضايا المهمة التي تحتاجها الأمة اليوم فقد عانت من بث روح الهزيمة واليأس في النفوس، وبالخصوص بعد أن صنعت القوى الكبرى هذا الكيان الصهيوني المحتل لأرضنا في فلسطين وأمدوهم بالسلاح وحاول إعلامهم أن يقنعنا أن الصهاينة قوة لا تقهر وأن المسلمين لا يستطيعون مقاومتها ولا محاربتها، فمن أجل ذلك لا تستطيع الأمة إلا الركوب في قطار السلام المصطنع والتفاوض معها.

وبالفعل فقدَ الكثير من أبناء الأمة الأمل وتسلل اليأس في نفوسهم وصاروا يرددون: ليس لنا قدرة على حرب إسرائيل، الخيار الوحيد أن نستجيب للسلام، إسرائيل قدر لا بد أن نستسلم له، وعقدوا مؤتمرات سموها مؤتمرات سلام وهي في الواقع مؤتمرات استسلام، ولكن ثبت أن ذلك لم يكن إلا إشاعات يريدون منها تخدير الأمة وتضليها لتنتزع ثقة الأمة في نفسها.

وهنا يأتي دور العقيدة بالإمام المهدي التي توقد في النفوس الأمل وقد ثبت أن إسرائيل قوة مزيفة، وأنها تقهر.

المقاومة الإسلامية في جنوب لبنان التي كانت تحمل قلوبا عامرة بالأمل وتتطلع لصاحب العصر والزمان واثقة بهذا النصر العظيم هي التي وقفت في وجه الغطرسة الإسرائيلية وتوضح الحقائق بجلاء.

إنهم يعيشون الآن الرعب والخوف منا بعد أن زرعوا في نفوسنا الخوف منهم عقودا من الزمن، ذكرت بعض الصحف أن إسرائيل الآن تريد أن تصنع لحكومتها خنادق في جبال القدس لا تخترقها الصواريخ استعدادا لمواجهة قادمة لا محالة ، إنهم الآن يعيشون الذعر و الخوف ويصنعون المخابئ لقياداتهم، ونحن يجب أن نعيش الأمل والثبات ونتمسك به.

ثانيا:  التطلع للعدل

قد تكون للظلم جولة وقد يسيطر الجور على بعض الجهات لكن مهما كانت قدرة الظلم وقوة الجور  لابد للإنسان أن يتطلع للعدل ليوم يتخلص فيه من هذه الآفات المكبلة لحريته وإنسانيته، نحن نتطلع إلى إمام يملئ الأرض قسطا وعدلا، وهذا يستلزم أن نكون نحن أولا مجسدين لحقيقة العدل في علاقاتنا مع زوجاتنا وأبنائنا مع إخواننا، وأقرباءنا وكذلك مع الآخرين من جيران وزملاء عمل وما شابه، وأن يرفض الظلم أينما كان وممن كان وعلى من وقع، مهما كانت قوته، ومهما كان بطشه، وأن يكون في المعسكر المتطلع للعدل فالإيمان بالإمام المهدي يجب أن يعمر قلوبنا بالتطلع للعدل والتخندق في معسكره.

 

ثالثا: الرؤية العالمية:

إذا خرج الإمام المهدي فما هو دوره؟ هل سينتصر لجماعته وطائفته أم أن له دورا أكبر من ذلك؟

النصوص الواردة توضح وتؤكد أن للإمام دورا اكبر من المذهب والطائفة والجماعة والأمة، فهو المصلح الأكبر وإصلاحه سيشمل البشرية جمعاء، فهو المنقذ للعالم كله، ﴿وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5) سورة القصص إذا الإمام عندما يأتي سيأتي بخطة إنقاذ عالمية، وهذا يعني أن المؤمنين به يجب أن يتحملوا هذه المسئولية وينطلقون من هذه الرؤى ويعملون على هذا المستوى.

إخواني: من المؤسف أن تبقى بين المسلمين وبين هذه الرؤى هذه المسافة الكبيرة، فالرؤية العالمية ما زالت محدودة في مجتمعاتنا وفي أفكارنا، تسيطر علينا الرؤية المحلية والذاتية، لا يشغلنا ما يحدث من حولنا حتى للأقربين منا،  بينما نجد المجتمعات الغربية قد تجاوزت المسألة المحلية وانطلقت للعالمية، حاملة مسؤوليات عالمية، ففي الغرب اليوم مؤسسات تعمل على مستوى البشرية كهيئات الأمم المتحدة وأطباء بلا حدود التي تهتم بالمناطق المنكوبة المصابة بالكوارث وتبعث الأطباء للعلاج فيه ، ومنظمة العفو الدولية التي تدافع عن المعتقلين في أي مكان بغض النظر عن أعراقهم وجنسياتهم وأديانهم، يجب علينا كمسلمين أن نخجل من أنفسنا ونحن نرَ جمعيات ومؤسسات من اليابان وأمريكا وأوربا تعمل على مستوى كوني، ونحن منشغلون بالحاجات الشخصية الضيقة بل بالكاد نتحمل مسئولية قريتنا.

يجب أن نرتقي باهتماماتنا وتطلعاتنا فنحن نؤمن بمصلح عالمي سيملئ الأرض عدلا وقسطا.

رابعا: التوجه لأهل البيت

لقد قام كيان الإسلام علي يد رسول الله وكان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب إلى جواره، وستعود هذه القوة الإسلامية وهذه النهضة على يد رجل من عترة رسول الله، وهذا ما تقوله الروايات الواردة والأحاديث.

لقد مرت قرون على الأمة عاشت في مجملها تجاهلا وإغفالا وإبعادا لأهل البيت وإقصاء لمدرستهم،  أما الآن فالكون كله يتحدث عن أهل البيت والفضاء يزدهر بأسمائهم وقضاياهم والحديث عن الملايين التي تزحف إلى كربلاء بمناسبة الخامس عشر من شعبان.

حاول الأعداء أن يجعلوا ذكر أهل البيت خاملا، بالوقوف أمام نوره ومحاولة حجبه لسنين ولأجيال لكن ﴿يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (32) سورة التوبة، بل لقد رأينا حتى من كان جافيا لهم اضطر اليوم لذكرهم وبيان أنه يحبهم ويحترمهم ولا ينكر فضلهم، وهذا يعني أن أهل البيت أصبحوا حقيقة ساطعة لا مجال لإنكارها، وسيكون ظهور الإسلام والحق على يد فرد من أفراد هذه الشجرة الطيبة، جاء في الحديث عن رسول الله : المهدي من عترتي من ولد فاطمة[6] .

أخيرا أيها المؤمنون: علنيا في مثل هذه المناسبة أن نجدد العهد مع الإمام المهدي ومع أهل البيت على أن نلتزم بنهجهم، ونتمسك بطريقهم، فالمسألة ليست ادعاء بل هي التزام .

نسأل الله أن يوفقنا للتمسك بنهجهم والسير على دربهم.

صور من الاحتفال:

مع الدكتور حميد النجديمع السيد احمد الماجدجانب من الجمهور

[1] سنن أبي داوود حديث4283.

[2] ابن تيمية الحراني: شيخ الإسلام احمد/ منهاج السنة ج4 ص211 الطبعة الأولى/ المطبعة الكبرى الأميرية – مصر1322هـ.

[3] الألباني: محمد ناصر الدين/ سلسلة الأحاديث الصحيحة ج4 ص38 حديث رقم1529 الطبعة الأولى: الدار السلفية- الكويت/ المكتبة الإسلامية – الاردن1983م.

[4] البرقاوي: يوسف بن عبد الرحمن/ عقيدة الأمة في المهدي المنتظر/ مجلة البحوث الإسلامية عدد49 ص304-305.

[5] الصافي: لطف الله/ منتخب الأثر/ الطبعة الثانية 1385هـ مركز الكتاب/ طهران – إيران.

[6] مسند ابي داوود حديث 4284.