الشيخ الصفار مؤبنا الشاعر خزام: إننا نحتفي برجل كان يمارس حقه في التعبير عن رأيه وعن مشاعره، مستعدا لدفع ثمن ذلك

مكتب الشيخ حسن الصفار

شارك سماحة الشيخ حسن الصفار في حفل (باقة وفاء) الذي أقيم لتكريم الشاعر الفقيد عباس مهدي خزام (1352- 5 جمادي الآخرة 1428هـ) بكلمة تحدث فيها عن وجوب السماح للإنسان بإبداء آرائه ومشاعره لما لذلك من ايجابيات كبيرة يستفيد منها الفرد نفسه والمجتمع، كما أبان سماحته أن من أهم صفات الراحل أنه كان (يمارس حقه في التعبير عن رأيه وعن مشاعره، مستعدا لدفع ثمن ذلك).

جدير بالذكر أن فقرات الحفل الذي أقيم في 8/8/1428هـ الموافق 21/8/2007م في مجلس الشيخ محمد صالح المبارك بالقطيف كانت كالتالي:

- كلمات: لسماحة الشيخ حسن الصفار والشاعر السيد عدنان العوامي و الإعلامي خليل الفزيع.

- قصائد: للشاعر محمد علي الناصر ومحمد الحمادي وحيدر الرمضان.

- مداخلات: لسعود الفرج ونجيب الخنيزي وعلي حسن الزاير.

 وهذا مختصر كلمة سماحة الشيخ:

الرأي ما أنتجه فكر الانسان وعقله والمشاعر ما تنتجه عواطف الانسان وأحاسيسه وهناك مرحلتان الأولى يتم فيها صناعة الرأي والشعور والثانية هي مرحة التعبير عنهما.

صناعة الرأي تعني: أن يتجه الإنسان بفكره وعقله نحو أمر ما لكي يكوّن رأيا أو يصنع موقفا فكريا حوله، والناس يتفاوتون في الإمتداد بآرائهم في الآفاق، فمنهم من يقمع فكره وعقله ولا يسمح له بالانطلاق إلا في مساحة محددة ويرى أن باقي المناطق والمساحات محضور عليه أن يعمل فكره وعقله فيها، لذلك يتفاوت الناس في صنع الرأي، فهناك من لا يتجرأ على أن يبلور له رأيا حول قضية ما أو تقويم شخصية مثلا، وهناك من يطلق العنان لعقله وفكره ويفكر في كل شيء يريد التفكير فيه ويسعى أن يكون حوله رأيا والأصل أن يكون الإنسان كذلك فإن الله تعالى قد منحه العقل لكي يفكر به وأطلق أمامه العنان لكي يفكر في كل شيء، فليس هناك أمر يحضر على الإنسان أن يفكر فيه وأن يكون حوله رايا، بل إن أهم وأخطر قضية وهي وجود الخالق سبحانه وتعالى فإن الله تعالى يدعو الإنسان لكي يكون رأيا وعقيدة تعتمد على الدليل والبرهان يعني أن يفكر فتكون عقيدته ناتجة عن تفكير ودليل وبرهان، القرآن الكريم يخاطبنا ويطالبنا أن نتفكر في في الآفاق وفي خلق الإنسان وفي أنفسنا، يقول تعالى في وصف المؤمنين﴿الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191) سورة آل عمران وهذه دعوة للتفكير في كل شيء، مع لحاظ امتلاك أدوات التفكير وصناعة الرأي.

ومثله صنع المشاعر، فقد يتصور بعض الناس أن صنع المشاعر والأحاسيس هي إفراز عفوي طبيعي لا تحتاج إلى عناية وتوجه لصنعها وبلورتها، فالإنسان يحزن في مكان الحزن ويفرح في مكان الفرح، يحب ويكره، يتألم

ويألم، وبالتالي فلا تحتاج المسألة للحديث عن صناعة المشاعر والأحاسيس، لكن وبعد التأمل يتضح أن الناس يتفاوتون في بلورة مشاعرهم وأحاسيسهم، لأن الحالة العفوية قد تخبوا سريعا وقد لا تصل إلى درجة من النضج تنعكس من خلالها الحالة التي يعيشها الإنسان في عواطفه ومشاعره، وقد يتجه الإنسان لأي حالة من الحالات التي تمر عليه فيسمح لمشاعره وأحاسيسه أن تتبلور وأن تنموا وأن تنضج فيصنع منها صورا رائعة لنفسه وللآخرين، إذا فالناس يتفاوتون في صناعة الرأي والشعور، وهذه مرحلة تأتي بعدها مرحلة التعبير عن الرأي والشعور وهذه أيضا يتفاوت الناس فيها، فقد يصنع الإنسان رأيا وقد تكون له مشاعر وأحاسيس لكن هل يعبر عن رأيه؟ هل يبوح بمشاعره وأحاسيسه؟ وهنا يتفاوت الناس وتتفاوت أوضاع  المجتمعات من حيث توفير أجواء التعبير عن الرأي والشعور.

قسم كبير من الناس في مجتمعاتنا يقمع رأيه فلا يعبر عنه ولا يتحدث عن مشاعره أمام الآخرين، بل قد يضطر في بعض الأحيان أن يظهر خلافها، وهذا يرتبط بأمرين:

الأول: ثقة الإنسان بنفسه وشجاعته، فلا يترد بالتعبير عن آرائه ومشاعره، وعكسه من يسيطر عليه الخوف والشعور بالضعف فلا يتحدث عن مشاعره وآرائه، والعامل الأقوى في كل ذلك هي الأجواء المحيطة بالإنسان ومدى صلاحيتها، فهناك أجواء تشجع على التعبير عن الرأي وهناك أجواء تقمع الإنسان حتى لا يعبر عن آراءه.

قرأت بحثا حول الاستبيانات والاستفتاءات التي تجرى في المجتمع، يقول البحث: أن بعض المجتمعات عندما يسأل الإنسان عن رأيه وعن انطباعه فإنه يجيب وأنت متأكد أنه يعبر عن رأيه بالفعل، وهناك مجتمعات أخرى أنت لا تستطيع ان تثق بأن ما قاله هذا الإنسان حول هذا الموضوع يعبر فعلا عن رأيه الحقيقي، فالكلام قد يصدر منه لرغبة أو رهبة، أو مجاملة أو مدارة.

هذه الحالة المنحرفة إذا سادت في المجتمع تتحول إلى كابوس حتى في العلاقات العائلية فتجد الإنسان يتردد حتى في التعبير عن مشاعره وأحاسيسه فضلا عن آرائه، البعض يشعر بالعيب أن يتحدث عن حبه لزوجته أو أن يتحدث لها عن حبه لها، او عن حبه لأولاده.

من العادات الجاهلية التي حاربها الإسلام هي هذا الجفاء العاطفي في الأسرة، فالعرب في الجاهلية كانوا يأنفون أو يعيبون على الرجل أن يبادله أهله الحب وأن يخبرها بحبه لها، لذلك جاءت الروايات عن رسول الله تخالف ذلك وتحث المجتمع المسلم أن تسود المحبة الأسرة، يقول : قول الرجل للمرأة: إني أحبك لا يذهب من قلبها أبدا[1] .

وروي أن رسول الله صلى الله عليه وآله قبل الحسن والحسين عليهما السلام ، فقال الأقرع بن حابس : إن لي عشرة من الأولاد ما قبلت واحدا منهم ، فقال : ما علي أن نزع الله الرحمة منك[2] .

 

إننا حينما نحتفي بشاعرنا الكبير المرحوم الاستاذ عباس مهدي خزام رحمه الله فإننا نحتفي برجل كان يمارس حقه في التعبير عن رأيه وعن مشاعره، مستعدا لدفع ثمن ذلك.

ربما وجد بعض الناس أن صراحة الشاعر الراحل في بعض الأمور جارحة لهم، لكنه ومن خلال النقاش معه في الأمر يقول – كما قال لي مرة – إنني لا أجد داعيا لأن اقمع مشاعري، هذا رأيي وهذه مشاعري حول الحدث أو الشخص، فأنا إذا أعبر عن رأيي الذي قد يغضب هذا أو يسخط ذاك، لكني لا استطيع أن أخفي مشاعري وآرائي رغم أنني ادفع ثمنا باهظا في بعض الأحيان.

نحن بحاجة إلى تشجيع حرية التعبير عن الآراء والشعور لما لذلك من أثر كبير على الشخص نفسه، والذي يصبح إنسانا سويا مرتاحا، راض عن نفسه منسجما معها، وبالعكس الإنسان الذي يكبت مشاعره يعيش الإضطراب والتناقض والمشاكل النفسية، إذا التعبير عن الرأي يريح الإنسان نفسيا واجتماعيا، ويعمل على صقل تجاربه العقلية والفكرية والثقافية وكذا الاجتماعية، ويصقل مشاعره وأحاسيسه وبالتالي يكون في مستوا أعلى حينما يعبر عن آرائه أو مشاعره، كما أن لذلك تأثيراً على المجتمع ويساعد على عمل حراك ثقافي وسياسي.

للأسف الشديد الإنسان في مجتمعاتنا العربية والإسلامية يعيش في دائرة كبيرة من القمع، فقمع سياسي وقمع اجتماعي وآخر ثقافي وهكذا، لذلك نجد أن الإنسان عندنا منهك من القمع يعيش في مستوى ظاهر من الضعف والتخلف.

نحن حينما نحتفي بشاعرنا الراحل ينبغي أن نمجد هذه القيمة، قيمة التعبير عن الرأي وحرية التعبير عن المشاعر، وقد يسأل سائل: هل أنت مع التعبير عن الآراء دون حدود؟ فأقول: لابد من ضوابط وحدود لكن ما هي حدود هذه الحدود، ففي كثير من الأحيان باسم الحدود والضوابط تنتهك وتصادر حرية التعبير والتفكير وكل فرص التعبير عن المشاعر.

إن احتفائنا بهذا الشاعر يأتي في هذا السياق والذي نأمل أن يتمتع مجتمعنا بهذه الخصلة الطيبة وهي السماح لأصحاب الآراء والمشاعر بإبدائها وعدم كبتها لنعيش كأفراد وكمجتمع بحالة من الهدوء والسلام والسكينة، كما أتمنى أن يهتم مجتمعنا بتكريم المبدعين وتشجيعهم لتنموا فيه المواهب والطاقات.

رحم الله الفقيد وأسكنه فسيح جنانه.

[1] وسائل الشيعة ج20 ص23 ح24930.

[2] بحار الأنوار ج101 ص92.