سماحة الشيخ الصفار يدعو للارتقاء بالحالة الدينية إلى المأسسة والشفافية

قدّم سماحة الشيخ حسن الصفار مجموعة من التوصيات التي من شأنها أن ترتقي بالحالة الدينية الشيعية من حالة اللا نظام إلى النظام والمأسسة، معتبراً ذلك من ضرورات الحياة المعاصرة، ومشيراً إلى الأسباب التي أدت بالحالة الدينية الشيعة إلى الواقع الذي تعيشه الآن. وأكد أن هذا التوجه بحاجة إلى ثقافة جديدة، وخلق رأي عام للتبشير بها، كما أنه من الضروري أن يتوفر في المجتمع نماذج وتجارب صالحة تكون قدوة على هذا الصعيد.

وفي سياق آخر تحدث سماحته عن حقوق الوالدين وأهمية البر بهما وأنهما ذوا أعظم فضل على الإنسان بعد ربه فينبغي أن يُحفظ لهما فضلهما خصوصاً عند كبر سنّهما، مؤكداً أن تحدي الإنسان في الالتزام بالقيم الأخلاقية يحكمه تعامله مع والديه.

وقد بدأ سماحة الشيخ الصفار حديثه في الخطبة الأولى للجمعة 26 شوال 1428هـ بتأكيد على أن الكون والحياة تخضع لنظامٍ دقيق أوجده الخالق سبحانه وتعالى وأكد عليه في الكثير من آيات كتابه المجيد، فيقول تعلى: ﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ (القمر، 49)، مضيفاً: إننا نجد هذا النظام واضحاً وجليّا في كل أبعاد الحياة بدءً من أجسامنا. وأكد على ضرورة أن يجعل الإنسان حياته ضمن نظامٍ وقانون يحكمها لأن ذلك يضمن لها البقاء والتقدم.

وأشار إلى أن الأمم والمجتمعات تتفاوت مكانتها وسيادتها في العالم تبعاً لتكامل وسيادة النظام والقانون الذي يحكمها. مؤكداً أن الأمم، مع مرور الزمن، اختلفت أوضاعها وأصبحت تعتمد النظام لتيسير كامل شؤون الحياة سواءً السياسية منها أو الاجتماعية.

من جانب آخر أكد سماحة الشيخ الصفار أن النشاط الديني يُعتبر من أهم الأمور الحياتية التي ينبغي أن تخضع لنظام يحكمها، معرباً في هذا الصدد عن استيائه لواقع معظم النشاط الديني في المجتمعات الشيعية الذي يبتعد كثيراً عن المأسسة والنظام في مختلف جوانبه وشؤونه. مشيراً إلى بعض الأسباب التي أدت إلى هذه الحالة، ومن أبرز تلك الأسباب الظروف السياسية التي عاشها شيعة أهل البيت في الحقبة الزمنية الماضية، وجعلتهم يعيشون الحذر وعدم الاستقرار، ومع مرور الزمن اعتبر البعض أن هذه الحالة هي الحالة الطبيعية بأن تعيش الحالة الدينية اللا نظام في مختلف شؤونها وأبعادها. ورغم أن هناك من العلماء من سعى لتغيير هذه الحالة ولكن دون تقدمٍ بالمستوى المطلوب.

وأكد سماحة الشيخ الصفار أن الظروف الراهنة للواقع الشيعي لم تعد كما كانت عليه في السابق، وعليه فمن الضروري جداً أن يتغير الوضع وينتقل واقع الحالة الدينية من اللانظام إلى المأسسة والنظام. وأشار إلى بعض تلك المتغيرات:

• الظروف السياسية تغيرت، وبالتالي ينبغي أن تتغير طبيعة إدارة الشؤون الدينية.

• المجتمع الشيعي تطوّر، وأصبح الناس فيه على درجة من الوعي، مما أدى لبروز بعض التساؤلات حول إدارة الشؤون الدينية، ومن حق الناس أن يتجهوا بهذا الاتجاه، ولذا ينبغي أن تكون المؤسسات الدينية قادرة على مواجهة هذا الواقع بوعي أكبر.

• لا يُمكن للحالة الدينية مواجهة التحديات المعاصرة بنفس الطريقة السابقة، نظراً لعمق وتقدم هذه التحديات، ولذا كان من الضروري أن تواجه بأسلوب متقدم.

• على أتباع أهل البيت أن يرتقوا بمستوى مؤسساتهم الدينية إلى مستوىً أفضل مما وصل إليه الآخرون، خصوصاً وأننا نعتقد بأفضلية هذا التوجه على باقي التوجهات الدينية.

وفي ختام الخطبة الأولى قدّم سماحة الشيخ الصفار مجموعة من التوصيات التي ينبغي أن تؤخذ بعين الاعتبار ليُصبح النظام والقانون حالة طبيعية في المؤسسات الدينية في المجتمعات الشيعية، وكانت التوصيات كما يلي:

• أن يخرج العمل الديني من حالته العفوية إلى الحالة المؤسساتية.

• أن ينتقل العمل من حالته الفردية إلى الحالة الجماعية.

• أن يتحول العمل الديني من ردّة الفعل إلى التخطيط والمبادرة.

• أن ينتقل العمل الديني من حالة التكتّم والتحفّظ إلى الشفافية والوضوح.

مؤكداً أن هذه التوصيات بحاجة إلى ثقافة جديدة، وخلق رأي عام للتبشير بها، كما أنه من الضروري أن يتوفر في المجتمع نماذج وتجارب ناجحه تكون قدوة على هذا الصعيد.

وفي الخطبة الثانية تحدث سماحة الشيخ الصفار عن حقوق الوالدين مستفتحاً الخطبة بفقرة من دعاءٍ للإمام زين العابدين علي بن الحسين إذ يقول: «اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي أَهَابُهُمَا هَيْبَةَ السُّلْطَانِ الْعَسُوفِ، وأَبَرُّهُمَا بِرَّ الْأُمِّ الرَّؤُوفِ، واجْعَلْ طَاعَتِي لِوَالِدَيَّ وبِرِّي بِهِمَا أَقَرَّ لِعَيْنِي مِنْ رَقْدَةِ الْوَسْنَانِ، وأَثْلَجَ لِصَدْرِي مِنْ شَرْبَةِ الظَّمْآنِ، حَتَّى أُوثِرَ عَلَى هَوَايَ هَوَاهُمَا، وأُقَدِّمَ عَلَى رِضَايَ رِضَاهُمَا وأَسْتَكْثِرَ بِرَّهُمَا بِي وإِنْ قَلَّ، وأَسْتَقِلَّ بِرِّي بِهِمَا وإِنْ كَثُرَ، اللَّهُمَّ خَفِّضْ لَهُمَا صَوْتِي، وأَطِبْ لَهُمَا كَلَامِي، وأَلِنْ لَهُمَا عَرِيكَتِي، واعْطِفْ عَلَيْهِمَا قَلْبِي، وصَيِّرْنِي بِهِمَا رَفِيقاً، وعَلَيْهِمَا شَفِيقاً».

وأكد على أحقية الوالدين بالتقدير والاحترام والعطف والحنان فهما أصحاب الفضل الأول على الإنسان بعد الله تعالى في حياته، فعبرهما يولد الإنسان، ويتربى، ويكبر. وعن طريقهما ينعم بالحنان والعطف الذي لا مثيل له، بل لا يُمكن لأحد أن يُقدّم للإنسان عطفاً وحناناً كحنان الأبوين، وخصوصاً الأم.

مضيفاً: إن تحدي الإنسان في الالتزام بالقيم الأخلاقية يحكمه تعامله مع والديه، فإذا نجح في ذلك فإنه مهيأ للنجاح في مختلف أبعاد الحياة الأخلاقية والقيمية. وحتى علاقة الإنسان بخالقه يحكمها رضا الوالدين، يقول تعالى: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً (الإسراء، 23).  ويقول تعالى: ﴿أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (لقمان، 14). وفي الحديث القدسي عن الله تعالى يقول: ((وعزتي وجلالي وارتفاع مكاني لو أن العاقَّ لوالديه يعمل بأعمال الأنبياء جميعاً لم أقبل منه)).

وأشار سماحة الشيخ الصفار إلى أن الحياة المعاصرة فرضت على كثير من الأبناء أن يعيشوا بعيداً عن آبائهم وأمهاتهم، وفي ذلك امتحانٌ كبير للأبناء، فكيف ستكون العلاقة مع الوالدين في ظل الانشغالات الحياتية من جهة، وبعد المكان من جهةٍ أخرى. هنا تجد أن كثيراً من الآباء والأمهات يعيشون الحسرة والألم على عيشهم الوحدة في بيوتهم بعيداً عن أبنائهم وإن لم يُعلنوا ذلك.

ويُضيف الشيخ الصفار: إن الإنسان قد يغفل عن فضل وجود الوالدين أو أحدهما قريباً منه، ولا يعلم كم لذلك من ألاثر الكبير على توفيق الله له في حياته، فإن دعاءً من الوالدين لولدهما يساوي الدنيا وما فيها.

وحتى من مات أبواه، عليه أن، يسعى لبرّهما بعد مماتهما، بإهداء ثواب الأعمال الصالحة لهما.

وأكد سماحة الشيخ الصفار في ختام خطبته على ضرورة الالتفات إلى هذا الجانب المهم والحسّاس لواقع الآباء والأمهات خصوصاً في مرحلة كبر السن، فالله تعالى يقول: ﴿إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً (الإسراء، 23). وعن الآية الكريمة يقول الإمام الرضا : ((لو كانت هناك كلمة أدنى من كلمة ﴿أُفٍّ لاستخدمها القرآن الكريم)).