كيف نقرأ الآخر؟

مكتب الشيخ حسن الصفار
استضافت أحدية الدكتور راشد المبارك في الرياض سماحة الشيخ حسن الصفار –حفظه الله- مساء يوم الأحد 20 شوال 1424هـ، الموافق 14 ديسمبر 2003م. حيث ألقى سماحته محاضرةً بعنوان: كيف نقرأ الآخر.

وقدم للندوة الأستاذ محمد الهواري (أستاذ الدراسات العربية في جامعة الملك سعود بالرياض).

وقد أكد سماحة الشيخ في بداية محاضرته على ضرورة الاعتراف بالآخر وقال: لسنا مخيرين في وجود الآخر فهو حتمية اقتضتها حكمة الله تعالى في الخلق لتكون الحياة أكثر ثراءً، وليشحذ التنافس همم أبناء البشر، ويفجر طاقاتهم. ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ سورة هود آية 118.

وتناول سماحة الشيخ في محاضرته عدة محاور:

المحور الأول: التعارف قاعدة أساس.


أكد سماحته أن الخطوة الأولى، والقاعدة الأساس، لتنظيم علاقة مع الآخر هي التعارف. بأن يتعرف كل من الطرفين على الآخر، وخاصة فيما يرتبط بزاوية التغاير والتمايز بينهما. ذلك أن الجهل وسوء الفهم غالباً ما يؤدي إلى التباعد حذراً، أو إلى النزاع والخصومة عداءً. يقول تعالى: ﴿فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ سورة الحجرات آية 6.

المحور الثاني: من سمات التقدم.


أشار سماحة الشيخ أن المجتمعات المتقدمة، ممثلة بمراكز الدراسات والأبحاث فيها، الرسمية والأهلية، وعبر المبادرات الفردية الطموحة، تحرص على تحصيل أكبر قدر من المعلومات عن البلدان والشعوب الأخرى، لإثراء المعرفة، ولخدمة المصالح والأغراض.

وتحدث سماحته في إطار هذا المحور عن حركة الاستشراق وكيف أنها أسهمت مساهمةً كبيرة في تعرف الغرب على الشرق. وقال سماحته: في مقابل هذه الحركة الإستشراقية النشطة، هناك خمول في الشرّق في الاهتمام بمعرفة الغرب. وذكر شواهد ونماذج لهذه الحقيقة.

المحور الثالث: الآخر الجوّاني.


وتحدث سماحة الشيخ عن أقسام الآخر، وقال: إن الكتاب المحدثين اصطلحوا على تقسيم الآخر إلى نوعين:

الآخر الخارجي المنتمي إلى حضارة وكيان آخر.

والآخر الداخلي أو الجوّاني وهو المختلف ضمن ذات الإطار الديني أو الوطني، حيث تعددت المدارس الفكرية والمذاهب الفقهية والتوجهات السياسية ضمن الأمة الإسلامية.

وهنا تكون حساسية الاختلاف أشد لأنه في الدائرة الأقرب، والخطأ في التعاطي مع هذا الآخر خطير جداً، لماله من تأثير على تماسك المجتمع واستقراره.

وبالتالي فإن القراءة الصحيحة لهذا الآخر الداخلي أكثر إلحاحاً وأشد ضرورة.

وتحدث سماحته في هذا الإطار عن علم الملل والنحل، و المذاهب والفرق وقال: إنه تأسس في وقت مبكر من تاريخ الأمة ، وكان انعكاساً للنزاعات والخلافات العاصفة التي عاشتها الأمة بين تياراتها الفكرية وطوائفها الدينية، وكان للمصالح السياسية في ذلك دور محوري.

واستشهد ببعض من كتب في هذا العلم.

المحور الرابع: القراءة الصحيحة.


أكد سماحة الشيخ أن القراءة الصحيحة فيما بين الأطراف تؤسس للرؤية السليمة والتعامل الإيجابي، بينما خطأ القراءة ينتج سوء الفهم والتفاهم، ويؤدي إلى علاقات سلبية.

وطرح تساؤلاً مهماً وهو: كيف ينبغي أن نقرأ الآخر؟

وأشار في الإجابة على هذا التساؤل إلى أبرز الملاحظات في شروط القراءة الصحيحة للآخر:

1- القراءة المباشرة: إذ أن قراءة الآخرين عبر الوسائط لا توفر للقارئ صورة واضحة دقيقة، لأن الوسيط قد لا يكون محايداً، فيتأثر نقله بموقفه المنحاز، وقد يكون اطلاعه ناقصاً، أو مصادره غير موثوقة، أو استنتاجاته غير صائبة، إلى ما هنالك من الاحتمالات.

2- الموضوعية: ونعني بالموضوعية أن تكون القراءة هادفة لمعرفة الآخر كما هو على حقيقته دون ميل أو انحياز مسبق، يجعل بصر القارئ زائغاً. وكذلك تعني الموضوعية عدم إساءة التفسير لرأي الآخر وعمله، ما دام يحتمل وجهاً للصحة.

3- بين الصيرورة والاستصحاب: حيث أن المدارس الفكرية والمذاهب الفقهية ليست قوالب جامدة، بل يحصل في أوساط علمائها ومجتهديها التغيير والتطور، وعند القراءة لأي مدرسة أو مذهب ينبغي أخذ الصيرورة في ثقافته بعين الاعتبار، ولا يصح استصحاب الآراء والمواقف التاريخية كإرث حتمي ثابت.

4- الاستيعاب: بالاطلاع على مختلف أبعاد الرأي الآخر، أما الاقتصار على جانب واحد فهو يشكل قراءة ناقصة مبتورة.

وأكد في نهاية محاضرته على عوامل مساعدة للقراءة الصحيحة:

أولاً: نشر الوعي والثقافة التي تدعو إلى قراءة الآخر قراءة صحيحة.

ثانياً: أن تسعى مختلف الجهات والفئات إلى تقديم نفسها.

ثالثاً: أن تتيح الحكومات فرصة كافية لمختلف المذاهب والتوجهات لتعبر عن ذاتها.

رابعاً: تحتاج بلادنا إلى مؤسسات أهلية تقوم بدور التعارف والتعريف بين التوجهات والمدارس والمذاهب.

وبعد إلقاء المحاضرة التي حضرها حشدٌ من الأكاديميين والمثقفين كانت هناك مداخلات ونقاشات في إطار الموضوع، ومن أبرز المتحدثين في المداخلات:

- الدكتور سعد بن محمد مسفر الغامدي: استاذ مساعد في قسم التاريخ بجامعة الملك سعود.

- الدكتور محمد بن يحيى بن حسن النجيمي: أستاذ مشارك في قسم العلوم الشرعية وعضو المجلس العلمي في كلية الملك فهد الأمنية وقسم الفقه المقارن بالمعد العالي للقضاء بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.

- الدكتور عز الدين عمر موسى: أستاذ التاريخ الإسلامي بجامعة الملك سعود.

- الأستاذ الدكتور يحيى بن محمد شيخ أبو الخير: أستاذ قسم الجغرافيا بجامعة الملك سعود.

- الأستاذ حسن بن جابر الفيفي: محاضر في قسم اللغة العربية بجامعة الملك سعود.

- الدكتور راشد المبارك: أستاذ كيمياء الكم بجامعة الملك سعود سابقاً.

- الأستاذ سعد العليان.

- الأستاذ الدكتور علي الهاشمي: أستاذ سابق في قسم النحو واللغة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.

- الدكتور مرزوق بن صنيتان بن تنباك: أستاذ في قسم اللغة العربية بجامعة الملك سعود.

-الأستاذ الدكتور عبد العزيز محمد الوهيبي: أستاذ الفيزياء بجامعة الملك سعود.

- الأستاذ إبراهيم التركي.

- الأستاذ عبد العزيز الحسن.

- الأستاذ عبد الباري الدخيل.

وقد استمرت الندوة من الساعة الثامنة إلى الساعة الحادية عشر، بعد ذلك تناول الجميع طعام العشاء على مائدة الدكتور راشد المبارك.