رسالة التقريب تنشر: إحياء التضامن الإسلامي

مكتب الشيخ حسن الصفار عبد الباري أحمد الدخيل

نشرت مجلة رسالة التقريب في عددها رقم 62 ص67 لشهري رجب وشعبان 1428هـ مقالا لسماحة الشيخ حسن الصفار بعنوان:  إحياء التضامن الإسلامي، جاء فيه:

مع تصاعد أمواج الفتن الداخلية في الأمة، واتساع حالات النزاع والاحتراب في أكثر من بلد ووطن إسلامي، قد يبدو طرح موضوع التضامن الإسلامي وكأنه ضرب من ضروب الخيال، أو نسج في عالم الأوهام والتمنيات. لكن العودة إلى سيرة الرسول ، واستحضار شخصيته العظيمة، ينعش الأمل بالوحدة في نفوس المخلصين الواعين من أبناء الأمة، ويرفع معنوياتهم، ويرفدهم بالأفكار الهادية، ويفتح أمامهم آفاق البرامج والمشاريع القادرة على إنقاذ واقع الأمة، والارتقاء بحالها إلى مستوى أفضل.

ثم عرض سماحة الشيخ الصفار مشاهد من وحي السيرة النبوية، وما فيها من اساليب مارسها رسول الله فأوجد انقلاباً في مفاهيم وأنماط العلاقات التي كانت سائدة في المجتمعات الجاهلية، فبعد أن كان الانتماء للقبيلة هو العنوان والمحور، وبعد أن كان هدف القبيلة الحصول على المزيد من المراعي والمكاسب المادية، مما يدفعها إلى شنّ الغارات على سائر القبائل، وبعد أن كان التفاخر بالأنساب والأحساب وأمجاد المعارك والمغازي هو اللغة السائدة.. جاء الإسلام ليجمع تلك القبائل المختلفة المتنافسة على مشروع إنساني حضاري، يستهدف بناء مجتمع متماسك يحمل رسالة الحرية والعدل والكرامة، ويبشّر بها على مستوى العالم أجمع.

ومن أبرز هذه المظاهر، قال الشيخ الصفار: ذلك التغيير على مستوى العلاقات:

الأول: محورية الولاء والانتماء للإسلام، حيث أصبح الإسلام هو عنوان المجتمع وسمته، كما قال تعالى: ﴿مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ ، وتراجع عنوان القبيلة وإن لم يُلْغَ، لكنه وظّف إيجابياً وعطِّل مفعوله السلبي.

الثاني: إقرار التكافؤ والمساواة، وإلغاء كافة أشكال التمييز بينهم، فالمسلم أخو المسلم وندٌّ له من أي قبيلة انحدر، والى أي عرق انتمى، ومهما كان لونه أو شكله، وبالغاً ما بلغ في قوته وثروته. يقول الله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ويقول  :(المسلمون إخوة تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمتهم أدناهم، هم يد على من سواهم).

الثالث: الحصانة والحرمة المتبادلة، فقد ولَّت عهود المعارك والحروب القبلية، وأخذ الثارات والأوتار، والغارات للنهب والسلب، حيث فرض الإسلام حرمة الدماء والأموال والأعراض، قال رسول الله : (كل المسلم على المسلم حرام عرضه وماله ودمه).

الرابع: النصرة والتضامن, حيث أرسى الإسلام مفهوم الأخوة الإسلامية، ليصبحوا على اختلاف قبائلهم وأعراقهم قبيلة واحدة، بل جسد واحد، يشعر كل فرد منهم بالآم سائر الأفراد، ويسعى لخدمة مصالحهم، ويدفع كل ضرر عنهم كما يقول :(مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم، مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الجسد بالسهر والحُمّى).

وتحت عنوان: من تجارب العصر، قال سماحته:

تريد بعض الجهات بثَّ روح اليأس والإحباط في أوساط أبناء الأمة، تجاه إمكانية الوحدة وتحقيق التضامن الإسلامي، ويساعدها على ذلك ما تعيشه ساحات الأمة من نزاعات وصراعات دامية مؤلمة، لكن النظرة الواعية ترفض الخضوع لمنطق اليأس، وتعدُّه جزءاً من أسلحة الأعداء للنيل من إرادة الأمة، وتحطيم معنوياتها، وأمامنا تجارب رائدة لشعوب أخرى مرَّت بواقع أليم من الحروب والصراعات الداخلية، لا يقل عما تعانيه الأمة الإسلامية اليوم، بل هو أشدّ وأسوأ في بعض جوانبه ونواحيه، لكنها استطاعت تجاوز ذلك الواقع المرّ، وانتقلت إلى مستوى متقدم من الوحدة والتضامن.

وأشار سماحته الى بعض النقاط الضروية على طريق التضامن الإسلامي، وهي:

أولاً: تبلور الإرادة السياسية للوحدة: حيث تمسك القيادات السياسية ضمن الحكومات والأحزاب بأزمّة الأمور في بلاد المسلمين، وبإمكانها أن تنجز مهمة الوحدة والتضامن في واقع الأمة، كما صنعت ذلك القوى السياسية في أوروبا، شرط امتلاكها لوعي حضاري، وتوفرها على استقلالية القرار.

ثانياً: حماية الوحدة الوطنية: لعل أخطر ما تواجهه الأمة الآن هو استهداف وحدة أوطانها، بإشعال الفتن داخل المجتمعات لتمزيق الأوطان والشعوب، وما كان لهذه الفتن أن تنجح وأن يتقد أوراها، لو لم تكن لها بذور، ولو لم تتوفر الأرضية الخصبة لنموها.

ثالثاً: تفعيل منظمة المؤتمر الإسلامي: يجب تفعيل دور منظمة المؤتمر الإسلامي، لتكون المؤسسة الجامعة لشمل الأمة، ولتبدأ من خلال أجهزتها خطوات التعاون والتكامل بين الدول الإسلامية، وصولاً إلى تحقيق التضامن الإسلامي.

رابعاً: ثقافة الوحدة الإسلامية: في غمرة الاندفاع الديني الذي يسود أجواء الأمة، تعالت في الأيام الأخيرة أصوات طائفية بغيضة، تريد الانحراف بحماس أبناء الأمة، ليتجه صوب الخلافات الداخلية، بدل استهداف الأعداء الطامعين.

خامساً: القضايا المصيرية: وأبرز قضية مصيرية تمثل عنوان التحدي للأمة في هذا العصر، هي القضية الفلسطينية، والاحتلال الصهيوني للقدس الشريف، وسائر الأراضي المحتلة.

إنها قضية عادلة مقدسة لا يختلف عليها اثنان من أبناء الأمة، فيجب أن تكون محوراً لوحدة الأمة وتضامنها، ومنطلقاً لنهضتها وانبعاثها، فهي أعمق من احتلال أرض وقهر شعب، إنها مواجهة لمشروع صهيوني، يستهدف إخضاع إرادة الأمة، والهيمنة على هذه المنطقة الإستراتيجية الثريّة، ليكون القرار الإسرائيلي هو النافذ فيها.

جدير بالذكر أن مجلة (الوحدة) التي تصدر عن مؤسسة الفكر الإسلامي وهي إصدارة شهرية شاملة أعادت نشر نفس المقال صفحة 25 في عدد شوال 1428هـ.