الشيخ الصفار يحذر من خطورة العنف الأسري ويتناول اهتمام الإسلام بالنظافة

مكتب الشيخ حسن الصفار القطيف: تركي مكي علي

حذّر سماحة الشيخ حسن الصفار من خطورة العنف الأسري مؤكداً أن ذلك من مظاهر العدوان. ومن جانب آخر أدان الممارسات الإرهابية التي أفقدت المجتمعات الإسلامية الأمن والاستقرار، معتبراً أنها تشوّه صورة الإسلام، وفيها تعمّد الإساءة للشريعة السمحاء.

وفي سياق آخر تناول سماحته اهتمام الإسلام بالنظافة إذ أعطاها صبغةً شرعية فأوجبها في بعض الموارد، وندب إليها في كل الأمور. مستعرضاً العديد من النصوص الدينية في الموضوع، مؤكداً أنه ينبغي للمسلمين الذين يؤمنون بهذا الدين الحنيف الذي يدعوا للنظافة أن يُجسّدوها في حياتهم، بيد أن الأمر ليس كما ينبغي في الغالب، وواقع المسلمين في الحج خير شاهدٍ على ذلك.

وقد استعرض سماحة الشيخ الصفار في الخطبة الأولى للجمعة 4 ذو الحجة 1428هـ (14 ديسمبر 2007م) النصوص الواردة في موضوع النظافة، مؤكداً أنها جزءٌ لا يتجزأ من الإيمان، ففي الحديث المروي عن رسول الله أنه قال: «النظافة من الإيمان، والإيمان وصاحبه في الجنة»، مشيراً أن هذا الحديث موجود في المصادر الشيعية كبحار الأنوار، ومثيلٌ له أو بما معناه في المصادر السنية كسنن الترمذي حيث جاء فيه عن رسول الله أنه قال: «إن الله طيّبٌ يُحبُّ الطيّب، نظيفٌ يُحبُّ النظافة». وفي كنز العمّال، للمتقي الهندي، جاء عن رسول الله أنه قال: «تنظّفوا بكل ما استطعتم، فإن الله تعالى بنى الإسلام على النظافة».

وأشار إلى أن النظافة تعني النقاوة، والخلو من الوساخة والدرن والنجس. مؤكداً أنه من الطبيعي أن يتعرّض جسم الإنسان وثيابه والأدوات التي يستخدمها إلى الأوساخ والقذارة، وذلك إما عن طريق إفرازات جسم الإنسان نفسه، أو من الخارج، لذا فإنه يجب أن يتعهّد الإنسان جسمه بالنظافة، ليكون نظيفاً في محيط نظيف.

وأضاف الشيخ الصفار إن الفطرة والعقل يأمران بالنظافة، وفوق ذلك فإن الإسلام أعطى للنظافة صبغةً شرعية، حيث أوجبها في بعض الموارد، وندب إليها في كل الأمور والأحوال، يقول تعالى: ﴿وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (التوبة، 108)، إضافةً إلى ذلك فإن القرآن الكريم قرن النظافة المادية المحسوسة بالنظافة المعنوية، يقول تعالى: ﴿إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (البقرة، 222).

وأشار الشيخ الصفار إلى جانبٍ من آثار وفوائد النظافة على حياة الإنسان، ومنها:

1- حماية الجسم من الجراثيم والبكتيريا، والتي بدورها تُسبب أضراراً للإنسان.

2- الراحة النفسية، فالإنسان النظيف أقرب للراحة النفسية من غيره، وهذا ما تدل عليه الكثير من النصوص الدينية، فعن الرسول الأعظم أنه قال: «أكثر من الطهور، يزيد الله في عمرك». وقال أمير المؤمنين : «النظيف من الثياب، يُذهب الهمَّ والحزن».

3- سلامة الذوق، فالذوق السليم يتفاعل وينمو بالنظافة.

4- إضفاء جانب من الراحة للآخرين، حيث أن النظافة تلعب دوراً كبيراً في هذا الجانب، والنصوص الدينية جاءت لتؤكد هذه الحقيقة، فعن رسول الله أنه قال: «بئس العبد القاذورة»، وقال الإمام علي : «إن الله يبغض من عباده القاذورة الذي يتأنف به من جلس إليه».

وأشار الشيخ الصفار أن الفقهاء جعلوا لموضوع النظافة والطهارة اهتماماً بالغاً، ومن نماذج ذلك الإمام الشيرازي (قدّس سره) إذ أفرد مجلّداً كاملاً من موسوعته المشهورة (موسوعة الفقه) تحت عنوان: الفقه النظافة، يقع في 550 صفحة، استعرض فيه مختلف المسائل التي تدور حول النظافة.

ويُضيف الشيخ الصفار: إن النظافة التي يأمر بها الإسلام على قسمين، أحدهما واجب، كالأغسال الواجبة، والوضوء، والآخر مستحب، كالأغسال المستحبة والوضوء المستحب كذلك. لذا فقد ذهب كثيرٌ من الفقهاء إلى استحباب الغسل في كل يوم، فذلك مما يوجب النشاط، وبالتأكيد النظافة.

وبعد هذا الحديث المستفيض حول النظافة وأهميتها وتأكيد الإسلام عليها، ينقل سماحة الشيخ الصفار جموع المصلّين إلى الرحاب الطاهرة حيث يؤدي المسلمون هذه الأيام شعائر فريضة الحج المباركة، التي تحتضن المسلمين من جميع بقاع العالم، وقد أعرب سماحته عن استيائه الشديد للواقع الذي يعيشه البعض وهم يؤدون هذه الفريضة العظيمة، فإنك تراهم في أدنى مستويات المحافظة على النظافة خصوصاً في المشاعر المقدّسة، وكأنهم لا ينتمون لدين أعطى للنظافة الاهتمام البالغ. مضيفاً إن هذا الواقع السيئ يُعطي انطباعاً سلبياً للمجتمعات الأخرى التي تنظر عن كثب لهذه الجماهير المليونية وهي تمارس أقدس شعيرة في الإسلام.

واختتم سماحته الخطبة الأولى بتأكيده على ضرورة أن يرتقي المسلمون بذوقهم العام، ولن يتأتى ذلك إلا من خلالهم اهتمامهم ومحافظتهم على التعاليم الإسلامية الحقّة، ومن أبرزها موضوع النظافة، ذلك لأن انخفاض مستوى الاهتمام بها يعني انخفاضاً في مستوى الذوق والتربية والأخلاق.

وفي الخطبة الثانية تحدث سماحة الشيخ الصفار عن جانب آخر من الجوانب التي ابتعد المسلمون عنها في حياتهم اليومية رغم حرص الإسلام الشديد على التأكيد عليها، ذلك الجانب يتمثل في العدوان على الآخرين بأي نوع كان ذلك الاعتداء، فقد يكون باللسان، عبر السباب والشتم، وقد يكون باليد من خلال الضرب وما شابهه، كل ذلك منهيٌّ عنه في الإسلام، بل إن الإسلام جعل من حقّ المعتدى عليه القصاص، والأخذ بحقه ممن اعتدى عليه.

وهذا نبينا الأعظم على عظمته، ومع عصمته، إلا أنه يقف موقفاً صارماً مع هذا الجانب، فتراه في سيرته المباركة حذراً جداً من أن يكون لأحد عليه حق. وفي ذلك تأديبٌ لنا، للأخذ بهذه السيرة العطرة.

وأعرب الشيخ الصفار عن استغرابه الشديد لما يحصل في المجتمع من انتشار لحالات العنف الأسري، حيث التعدي الواضح على من هم في مناطق الضعف، كالأطفال والنساء، إذ قد يتجرأ البعض ليمارس عنفاً شديداً بمبرر التربية والتأديب، رغم أن الإسلام قد أجاز التأديب إلا أنه وضع له ضوابط تحكم استخدامه، وفي حال التعدي على تلك الضوابط فإن الإسلام أوجب الدية والقصاص، سواءً فيما يتعلّق بالأطفال أو النساء.

واستعرض سماحة الشيخ جانباً من النصوص والأحاديث التي تُحذر من استخدام القوة، أو العدوان على الآخرين، ومن تلك النصوص، قول أمير المؤمنين : «بئس الزاد إلى المعاد العدوان على العباد». وقال رسول الله : «إني أعجب ممن يضرب امرأته وهو بالضرب أولى منها».

وأدان سماحة الشيخ الصفار في نهاية خطبته كل أساليب العنف التي تُمارسها بعض الجماعات التي تدعي الإسلام، وتتغنى بشعارات إسلامية، مؤكداً أن هذه الجماعات بأساليبها الإرهابية البشعة حوّلت بلاد المسلمين إلى واقعٍ مظلم، وسلبت الناس أمنهم واستقرارهم، إضافةً إلى أنهم شوّهوا سمعة الإسلام، وذلك يدل دلالة قاطعة على ابتعادهم عن الدين، بل وتعمّدهم للإساءة لشرع الله تعالى ودينه القويم.