الشيخ الصفار يُحذّر من العنف الأسري وسوء التعامل مع العمالة المنزلية

مكتب الشيخ حسن الصفار القطيف: تركي مكي علي

حذّر سماحة الشيخ حسن الصفار من سوء الخلق في دائرة العلاقات الأسرية وفي التعامل مع العمالة المنزلية، مؤكدًا أن الآثار السلبية المترتبة على ذلك كبيرة جدًا. مشيرًا إلى بعض مظاهر التعامل السلبي في الأسرة، حيث يعيش كثير من الآباء والأمهات حالة العزلة والحرمان، وحيث تشكوا الكثير من العوائل من ظاهرة العنف الأسري، مؤكدًا أن سوء الخلق سبب رئيس لكثير من المشاكل الأسرية، وفي إطار التعامل مع العمالة أكّد على ضرورة مراعاة حقوقهم، وعدم النظر إليهم بازدراء، وإعطائهم حقهم دون تأخير. مؤكدًا في حديثه على أن الإنسان ينبغي أن يُحترم وتُصان حقوقه باعتباره إنسانًا، بغض النظر عن أي اعتبارات أخرى.

المحور الأول: الكرامة الذاتية للإنسان

ذكر سماحة الشيخ حسن الصفار في بداية محاضرة الليلة السادسة من المحرم 1429ﻫ بعضًا من الأسباب الطبيعية التي تدفع باتجاه احترام الإنسان لأخيه الإنسان:

■ وجود صلة عاطفية وثيقة، كأن تكون هناك صلة قرابة أو محبة.

■ وجود مصلحة مشتركة.

■ الاشتراك في الانتماء العرقي أو الديني أو الوطني أو الاجتماعي.

وأكّد أن المطلوب هو احترام الإنسان باعتباره إنسانًا، بغض النظر عن الاعتبارات الأخرى. مشيرًا إلى ظهور ثقافة عنصرية تجعل البعض لا يقومون بواجب الاحترام لذات الإنسان، متصوّرين أن الاختلاف الديني مبرر لإسقاط هذا الواجب، وقد يبتعد البعض إلى أبعد من ذلك، فيعتقد أن الاختلاف المذهبي مسوّغ لعدم احترام الآخر.

مضيفًا: إن احترام الإنسان لأخيه الإنسان يعني احترامه لذاته، والإمام علي يؤكد حقيقة مهمة بقوله: «النَاسُ صِنْفَانِ: إِمَّا أَخٌ لَكَ فِي الدِّينِ وإِمَّا نَظِيرٌ لَكَ فِي الْخَلْقِ»[1] .

والقرآن الكريم والنصوص الدينية تُقرر أن للإنسان كرامة واحترامًا بما هو إنسان، بغض النظر عن أي اعتبارٍ آخر، يقول تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا، ﴿وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْنًا، ﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ. وقال رسول اللّه : «أذل الناس من أهان الناس»[2] .

المحور الثاني: دائرة العلاقات الأسرية

أشار سماحة الشيخ إلى أن الأسرة باعتبارها الدائرة الأقرب للإنسان، فإن حسن التعامل والاحترام في هذه الدائرة مهم جدًا بالنسبة للإنسان وللأسرة التي ينتمي إليها. مؤكدًا أنه من السهولة أن ينفصل الإنسان عن أي علاقة خارجية تربطه بآخرين، بينما الانفصال في دائرة العلاقات الأسرية قد يصعب، وذلك للمضاعفات التي يتركها الانفصال، وفي بعض الموارد لا يُمكن أن يتحقق الانفصال أبدًا كالعلاقة بين الإنسان ووالديه، لذلك ورد التشديد في النصوص الدينية على ضرورة احترام هذه العلاقة ووجوب التعامل بأحسن الأخلاق بين أفراد الأسرة.

ويُضيف الشيخ الصفار: ويأتي الوالدان في المرتبة الأولى في هذا الجانب، وفي القرآن الكريم قرن اللّه تعالى إخلاص العبودية له بالإحسان للوالدين في أكثر من موضع، يقول تعالى: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا.

وأكد سماحته أن تطورات الحياة وضغوطاتها جعلت الكثير من الآباء والأمهات يعيشون عزلة عن أبنائهم، مما يُسبب لهم الحرمان العاطفي، وهذا مما نهى الشارع المقدّس عنه، إضافةً إلى أن له آثارًا سلبية في الدنيا والآخرة، وقد ورد عن رسول اللّه أنه قال: «من أحب أن يمدّ له في عمره، وأن يُزاد له في رزقه فليبرّ والديه»[3] ، والقرآن الكريم صريحٌ في ذلك، يقول تعالى: ﴿إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا.

وأضاف: على الإنسان أن يغتنم فرصة وجود الوالدين فيشكر اللّه تعالى على هذه النعمة بالبر بهما، وخدمتهما، حتى وإن كان لديهما حدة في المزاج، فذلك من طبيعة تقدم السنّ في بعض الأحيان، يقول تعالى: ﴿وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلَا يَعْقِلُونَ، وورد عن الإمام الصادق أنه قال: «إن ضرباك فقل لهما: غفر اللّه لكما»[4] . وأشار إلى حادثة مروّعة حصلت في محافظة القطيف حيث قام رجل بحرق والديه، فقضى بذلك على حياة والده، وأبقى والدته في المستشفى تُعاني من الحروق. مؤكدًا أن المسألة قد لا تصل لمستوى الحرق الجسدي في غالب الأحيان، إلا أنها تصل إلى إحراق قلب الوالدين بالحسرات والآلام نتيجة الإهمال لهما وعدم التواصل معهما.

ومن جانب آخر، تحدث سماحة الشيخ عن العلاقة بين الزوج وزوجته، وبين الأب وأولاده، مؤكدًا أنه بدأت تنتشر ظاهرة العنف الأسري في المجتمع بشكل غير مسبوق، مشيرًا إلى أن الزوجة والأولاد وديعة وأمانة ينبغي الحفاظ عليها.

وأضاف: إن البعض من الناس يفصل بين قيامه بالأعمال الدينية والمستحبات، وبين تعامله الأسري، فتراه في الجانب الأول مهتمًا ومتشددًا في بعض الحالات، بينما تجده في أسرته غليظ القلب، قاسيًا في تعامله، وهذا ما نهى عنه الإسلام، يقول الإمام علي : «ولا يَكُنْ أَهْلُكَ أَشْقَى الْخَلْقِ بِكَ»[5] .

مشيرًا إلى أن التعامل السيئ في العائلة يُنتج مضاعفات كبيرة على الزوجة وعلى الأولاد، وبالتالي على الأسرة بكاملها، ويُضيف: تقول إحدى الإحصائيات الرسمية أن 70% من حالات الإجرام عند الأحداث تكون نتيجة انتمائهم لأسرة تعيش اضطرابًا في داخلها. وكذلك الحال بالنسبة لتدني المستوى الدراسي للأولاد. أما بالنسبة لحالات الطلاق فنسبتها على مستوى المملكة تصل إلى 23%، وهي نسبة ليست قليلة. كما كشف إحصاء أصدرته وزارة العدل مؤخرًا أن هناك 23 حالة طلاق مقابل كل 100 زيجة.

وأكّد سماحته أن المشاكل الأسرية في غالبها تحصل إما لسوء الأخلاق، أو بسبب ضغوط الحياة، أو لوجود ثقافة خاطئة عند الزوج أو الزوجة حول حقوق كل منهما تجاه الآخر.

مشيرًا إلى بعض مظاهر الثقافة الخاطئة:

■ جهل الزوج أو الزوجة بحقوقهما، فترى الزوج يُطالب زوجته بما ليس من حقّه، بيد أنه ليس له على زوجته سوى حقّين: الحق الجنسي، وحق الاستئذان في الخروج، على تفصيل بين الفقهاء في هذا الحق. وكذلك الحال بالنسبة للزوجة، قد تُطالب زوجها بما ليس من حقّها، وتعتقد أنها وصيةً عليه، وذلك ليس صحيحًا، وقد سأل إسحاق بن عمّار الإمام الصادق : ما حق المرأة على زوجها الذي إذا فعله كان محسنًا؟ قال: «يُشبعها ويكسوها وإن جهلت غفر لها. كانت امرأة عند أبي تؤذيه فيغفر لها»[6] .

■ تحوّل العلاقة بين الزوجين إلى علاقة تحدٍّ بدل أن تكون علاقة مودة ورحمة وتعاطف، مصداقًا للآية الكريمة: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ.

المحور الثالث: التعامل مع العمّال والخدم

أكّد سماحة الشيخ الصفار أن وجود العمالة المنزلية حالة طبيعية، نتيجة كثرة الأطفال، أو لوجود حالة مرضية لدى أحد أفراد الأسرة، أو لمختلف الأسباب الفعلية. إلا أن المسألة قد تكون على خلاف ذلك، فقد تلجأ بعض الأسر للعمالة الأجنبية لمجرد الوجاهة وحب الراحة والكسل.

وأشار إلى بعض الإحصائيات الرسمية عن عدد العمالة المنزلية في المملكة، حيث يوجد في المملكة مليون ومئتي ألف خادمة. وفي عام 1427ﻫ استخرجت من وزارة العمل (340) ألف تأشيرة، وفي كل شهر عدد طلبات التأشيرات (40) ألف طلب، وتدخل للمملكة (30) ألفًا من العمالة المنزلية شهريًا، وهذا الرقم مذهل جدًا.

مشيرًا إلى الانعكاسات السلبية التي يتركها حجم العمالة المنزلية بدءًا بالآثار السلوكية والثقافية إلى الآثار الاقتصادية على مستوى البلد إجمالًا.

وشدّد على التركيز على عدة نقاط مهمة في الموضوع:

■ عدم الاتّكال على الخادمة في كل الأعمال، وخاصة فيما يتعلّق بموضوع التربية، والتعامل مع الأطفال.

■ عدم تسريب أسرار البيت إلى العمالة الأجنبية، لما فيه من الخطورة الكبيرة على واقع الأسرة.

■ احترام الجانب الأخلاقي، حيث إن أغلب العاملات صغار في السن، كما تُشير الإحصائيات بأن 86% من العاملات في المنازل أعمارهنّ في حدود العشرين سنة، وقد أعلنت جريدة الاقتصادية إحصائية تقول بأنه في كل شهر تحصل (25) خادمة على ترقية من كونها خادمة إلى زوجة.

وأكد سماحة الشيخ على ضرورة التعامل بالأخلاق الحسنة مع هؤلاء، فهم بشر، ولهم حقوق، وركّز في هذا الجانب على عدة نقاط:

■ عدم النظر إليهم بازدراء، معلّقًا على ظاهرة في منطقة الخليج، وهي الاستهانة بأبناء الجنسيات الأخرى، وأكد سماحته أن ذلك خلاف تعاليم الإسلام الذي يجعل التقوى هي مقياس التفاضل بين الناس.

■ مراعاة وضعهم وراحتهم، فلا يصح أبدًا أن يُحمّلوا فوق طاقتهم، إذ لا يجوز أن يُستخدموا بلا حدود.

■ إعطاؤهم حقّهم دون تأخير، فعن رسول اللّه أنه قال: «أعطوا الأجير حقّه قبل أن يجفّ عرقه»[7] .

مؤكدًا أن حالات كثيرة من الهروب أو الانتحار تحصل بسبب الضغوط وسوء التعامل، وعدم دفع الأجرة لهم في موعدها. فهناك 7000 حالة من هروب الخادمات سنويًا.

واختتم سماحة الشيخ حديثة بالتأكيد على ضرورة أخذ سيرة أهل البيت منهجًا للتعامل في مختلف الصعد والمجالات، مع الناس كافةً، ومع العائلة، وحتى مع العمالة المنزلية، وسطّر من سيرة الأئمة نماذج مشرقة لاستلهام الدروس والعبرة من سيرتهم المباركة العطرة.

والحمد للّه ربِّ العالمين.

* ألقيت المحاضرة بمجلس الشيخ محمد صالح المبارك بالقطيف بتاريخ 6محرم 1429ﻫ.
[1]   نهج البلاغة. كتاب 53.
[2]   بحار الأنوار. ج72 ص142.
[3]   مسند أحمد بن حنبل. ج3 ص229.
[4]   الكافي. ج2 ص158.
[5]  نهج البلاغة. وصية 31.
[6]   الكافي. ج5 ص511.
[7]   كنز العمال ج3 ص908 حديث 9132.