الشيخ الصفار مؤبنا د. آل إبراهيم: العلم لخدمة الوطن الدائرة الأكبر من القبيلة والطائفة والمنطقة

مكتب الشيخ حسن الصفار عبدالباري احمد الدخيل

 

أكد سماحة الشيخ حسن الصفار على أن العلم هو الذي يحمي الأوطان، وأن أكبر استثمار يصنعه الإنسان الثري هو أن يخرج من أولاده علماء، وأن الاحتفاء بالعلماء يصنع حافزا اجتماعيا للعلم والمعرفة، كما أكد على أن يكون العلم للعلم وأن يكون لخدمة الوطن الدائرة الأكبر من القبيلة والطائفة والمنطقة.

جاء ذلك في الكلمة التي شارك بها سماحته في الحفل التأبيني المقام بمناسبة مرور أربعين يوما على وفاة الدكتور باسم آل إبراهيم رحمه الله وذلك مساء الخميس 14/2/1429هـ الموافق 21/2008م في قاعة الملك عبدالله بالقطيف.

وقد افتتح كلمته بقول أمير المؤمنين الإمام علي لكميل بن زياد: (العلم خير من المال، العلم يحرسك، وأنت تحرس المال، العلم يزكو على الإنفاق والمال تنقصه النفقة، العلم حاكم والمال محكوم عليه، العلم يكسب العالم الطاعة في حياته وجميل الأحدوثة بعد وفاته، وصنيعة المال تزول بزواله...).

ثم أبدى إعجابه من انطباق هذه الكلمات على مجتمع اليوم قائلا: لكأن علي بن أبي طالب في هذه المقارنة والمقاربة، بين المال والعلم يتوجه إلى شعوبنا العربية وخاصة الشعوب والأوطان التي تمتلك الثروات المالية الهائلة لكي يقول لها: لا تنخدعي ولا تغتري بالثروة المالية فإنها لا قيمة لها إن لم تنتج عقولا وعلماء وإنسانا متحضرا يستثمر هذه الثروة.

(العلم حاكم والمال محكوم عليه)، وهذا ما نراه جليا في عالم اليوم، فأصحاب العلم هم الذين يتحكمون في مصير العالم وفي أوضاعه، هم أصحاب الفعل والتأثير، وأصحاب الثروات منفعلون متأثرون.

و(العلم يحرسك وأنت تحرس المال)، ما قيمة ثروة لا نستطيع أن ندافع عنها عند أبسط خطر؟ العلم هو الذي يمكننا من الدفاع عن ثرواتنا.
و(العلم يزكو على الإنفاق والمال تنقصه النفقة)، كلما أنفق الإنسان من علمه، وكلما فعل المجتمع حركته العلمية، ازدادت معرفته عمقا وإنجازا.

وأخيرا (وصنيعة المال تزول بزواله)، لو خيرنا بين أن نقدم لشعوب مالا أو علما ومعرفة فإن المال الذي نقدمه للشعوب الأخرى يزول بزواله، لكننا حينما نقدم لهم العلم والمعرفة فإن أجيالهم سيصبحون في موقع التلمذة على معارفنا وعلومنا، كما نرى الآن الدول المتقدمة تربي الأجيال من أبناء الشعوب الأخرى فتمارس حضورها ونفوذها عن طريق ما تقدم من علم ومعرفة.

وطالب سماحة الشيخ الحاضرين الذي يجتمعون ليؤبنوا ويستحضروا شخصية عالم من علماء المجتمع، أن يقفوا مع لفظة عالم، فعادة تطلق هذه الكلمة في المجتمعات المتدينة فيتبادر الذهن إلى علماء الشريعة والدين، ولذلك فكل الأحاديث التي تتحدث عن فضل العالم تصرف وكأنها تقدر علماء الشريعة فقط، وهذا مظهر من مظاهر تخلف الأمة، فالإسلام حينما كرم العلم والعلماء ورفع مكانتهم ومقامهم لم يحصر ذلك التكريم في علماء الشريعة، وإنما قدم علماء الحياة، وجعلهم هم الأقرب إلى خشية الله سبحانه وتعالى، تأملوا معي الآيات الكريمة الله تعالي يقول: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ * وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ، اغلب المفسرين يفصلون بين الفقرة الأخيرة وسياق الآية، فحينما يفسرون الفقرات السابقة لها، يتحدثون عن إشارتها لسنن الكون، ومظاهر الطبيعة، لأنها تتحدث عن السماء والماء الذي ينزل منها، والجبال والثمرات، وكل ما في الحياة من ثروات، وحينما يأتون لهذه الفقرة ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء يقولون المقصود بذلك علماء الدين، وإن كنت كواحد من طلاب العلم الشرعي يفترض أن يفرحني هذا التفسير إلا أن سياق الآيات ليس بهذا الاتجاه، فهي لم تتحدث عن قواعد الأصول والفقه، ولم تتحدث عن الأحكام الفقهية والعبادية، وإنما تتحدث عن الطبيعة والكون، والبيئة والثروات الطبيعية، نحن نجد في آيات أخرى يستنتج المفسرون من السياق مدلول فقرات الآية ولكنهم هنا لا يستخدمون السياق، فيصرفون هذه الفقرة إلى خارج سياقها، أعتقد أن من تجليات المقصود بالعلماء هنا هم علماء الطبيعة والحياة، وكما ورد عن علي قوله: (العلم علمان، علم الأديان وعلم الأبدان)، بمعنى ما يتعلق بالجانب المعنوي القيمي وما يتعلق بالجانب المادي الطبيعي.

وتوقف سماحة الشيخ الصفار عند شخصية الراحل داعيا إلى جعل هذا الحفل حافزا لأبنائنا ولمجتمعنا في الاهتمام بتربية وتنمية العلم والمعرفة في المجتمع، لا ينقص بلادنا شيء، فعندنا ثروات هائلة، وبلادنا تتبوأ مكانة إستراتيجية في العالم، إن ما نحتاج إليه بعد وضوح الرؤية، ومشروع التنمية الذي يضعه العلماء، إننا نحتاج إلى العلماء في شتى مجالاتهم ومتنوع تخصصاتهم، بلادنا تحتاج إلى الكفاءة العلمية، فهذا التنافس في المال والثروات بمختلف أشكالها، نحتاج في المقابل أن يتحول قسم منه إلى التنافس على العلم والمعرفة، كما هو الحال في المجتمعات الأخرى، فالأب الذي يفكر في بناء بيت فخم عليه أن يعرف أن الإنجاز الأفضل له في الحياة أن يخرج من أولاده علماء، وعقولا معرفية، فهو أولى وأحرى وأحيى لذكره من بيت فخم، وهكذا في مختلف المجالات.

ثم تحدث سماحة الشيخ عن نقطتين مهمتين هما:

أولا: العلم مسؤولية، فرواياتنا تنهى أن يستأكل العالم بعلمه، أي يوظف العلم لتحصيل المنصب والوظيفة، والثروة فقط، لكن الإنسان الذي يعرف قيمة العلم يدرك أن العلم مسئولية يطلب من أجل أن ينشر، ومن أجل أن تتابع مسيرة العلم في البشرية والمجتمع، لذلك نحن بحاجة إلى علماء في مختلف التخصصات يوظفون علمهم في خدمة أوطانهم ومجتمعاتهم، المشكل الأكبر عندنا أن الأبناء حينما يدرسون في المدرسة غالبا ما تكون الشهادة والوظيفة هي الهدف، وهذا هو الذي يجعل دراستنا بمناهجها وأساليبها أقرب إلى حالة العقم من إنتاج عقول مفكرة عالمة واعية، ينبغي أن نحفز أجواءنا لمعرفة العلم كقيمة ذاتية يقصد من أجله ولقيمته، وليس من أجل الوثيقة التي أصبحت اليوم تباع وتشرى.

ثانيا: الفقيد الراحل كان يمثل نموذجا للإنسان الحامل للهم الوطني العام، وذلك في مقابل بعض الناس الذين يحملون هم أنفسهم، فهو يريد أن يخدم مستقبله، وأن يكون له موقعا، وثروة ومكانة، وآخرون  يترقون عن ذلك قليلا فيحملون هم منطقتهم أو قبيلتهم أو طائفتهم، والفقيد الراحل عكس كل ذلك فهو من النماذج التي نحتاج لها في أوطاننا، هذه الأوطان التي تعاني من وجود دوائر تتضخم على حساب الدائرة الأساس وهي دائرة الوطن.

ثم تساءل سماحته: ما قيمة الطائفة أو القبيلة أو المنطقة إذا كان الوطن كله يعاني من الوهن و الضعف؟

على الجميع أن يتكاتفوا من أجل عزة الوطن، وتقدمه، حيث أنه لا يمكن حل مشكلة طائفة أو قبيلة أو منطقة إلا من خلال الحلول الوطنية العامة، ومن خلال الإصلاح الوطني العام، قد تكون هناك أوضاع وحالات تريد لنا أن نسير في هذه التوجهات، وتدفع البعض منا حتى يفكر في هموم قبيلته أو طائفته أو منطقته، ولكننا لو تبصرنا وتأملنا في الأوضاع التي تحيط بنا في المناطق المختلفة لرأينا كيف أن هذا التفكير التجزيئي، إلى أين أوصل تلك الأوطان؟، بعضها لم تقم له قائمة، كما رأينا في الصومال، فالصراع القبلي الذي نتج عن بحث أبناء كل قبيلة في حقوقهم وهيمنتهم وسيطرتهم، أصبح وضع الصومال كما نرى ونسمع، حيث لم تقم للدولة فيه قائمة، وكذلك ما يحدث في العراق أو أفغانستان أو غيرها، يجب أن يكون عبرة لنا، يجب أن يكون الهم الوطني العام هو الذي يسكن نفوسنا وقلوبنا أولا، ومن خلال المعالجة الوطنية العامة معالجة مختلف الهموم المشاكل، لا ينكر أن هناك هموما ومشاكل ضمن خصوصية معينة لمنطقة أو قبيلة أو طائفة، لكن الواعي لرؤى الدين ومبادئه هو الذي يتجاوز بتفكيره واستهدافه هذه الدوائر الضيقة.

كان الفقيد الراحل نموذجا لمن يحمل هم الوطن، وكما سمعته في أكثر من لقاء، يقول: بلادنا تواجه تحديات كبيرة، وأن هناك مشكلات كبيرة، ينبغي أن يتعاون أبناء الوطن وكفاءاته في معالجتها، وإيجاد الحلول المناسبة لها، وقد كرس حياته وذهنه من أجل هذا الهم الوطني العام، إنه نموذج للإنسان الذي انطلق من مدينة صغيرة، وقد نشأ في بيئة كان يمكن أن تؤطر تفكيره باتجاه ما، لكنه تسامى على كل ذلك، وأصبح فكره منشغلا بالهم الوطني العام، إنه رسالة لنا بأن من يمتلك الكفاءة والإخلاص فسوف يحتل موقعه على المستوى الوطني العام، وهذا ما يجب أن يتحقق ويحصل، حتى تتنافس كل الكفاءات والطاقات، في خدمة الوطن.

وختم سماحة الشيخ حديثه بالدعاء للفقيد وشكر كل من تجشم عناء السفر لحضور هذا الحفل الذي اثبت أبناء الوطن من خلاله صدق مشاعرهم تجاه بعضهم البعض، وحرارة علاقتهم ومتانتها.

هذا وقد شارك في الحفل عضوا مجلس الشورى الدكتور محمد القنيـبط والدكتور إحسان بوحليقة، والدكتور محمد الشخص الأستاذ بجامعة الملك سعود بقصيدة، وعضو الهيئة الاستشارية للمجلس الاقتصادي الأعلى الدكتور إبراهيم المديميغ، ونائب رئيس المجلس البلدي بمحافظة القطيف المهندس نبيه أل إبراهيم، والقادم من جدة الوجيه المحامي الأستاذ محمد سعيد الطيب، ورئيس نادي الصفا الأستاذ سمير الناصر وآخرون.

جدير بالذكر أن الدكتور باسم بن أحمد بن علي آل إبراهيم انتقل إلى رحمة الله تعالى يوم السبت 3/1/1429هـ وذلك اثر تعرضه لأزمة قلبية، والفقيد من مواليد مدينة صفوى بالمنطقة الشرقية عام 1956م ولديه خمسة أولاد وقد تم تعيينه عضواً في مجلس الشورى منذ بداية الدورة الرابعة للمجلس والتي بدأت بتاريخ 1426/3/3ه وهو عضو في لجنة الشؤون الاقتصادية والطاقة في المجلس.

ويذكر أنه (رحمه الله) كان عضوا في هيئة تدريس بجامعة الملك سعود منذ عام 1978م وعضو مجلس كلية علوم الأغذية والزراعة، وعضو الهيئة الاستشارية للمجلس الاقتصادي الأعلى منذ عام 1422ه ورأس تحرير مجلة (دراسات اقتصادية) وشارك في عدد من المؤتمرات والندوات وله أكثر من ثلاثين بحثاً في مجال اقتصاديات الزراعة والموارد الطبيعة والسياحة البيئية والصناعات الغذائية ورأس الفريق البحثي الذي أنهى دراسة الآثار المتوقعة لانضمام المملكة لمنظمة التجارة العالمية لصالح وزارة الزراعة كما رأس الفريق البحثي الذي شارف على الانتهاء من دراسة الخطة المستقبلية للزراعة في المملكة لصالح وزارة الزراعة.

صور من الحضور: