الشيخ الصفار يصدر كتابه عن: الحوار والانفتاح على الآخر

تناغماً مع متطلبات المرحلة الراهنة
الشيخ الصفار يصدر كتابه عن: الحوار والانفتاح على الآخر

 


عرض: الأستاذ حسن آل حمادة.

مع إطلالة العام الميلادي الجديد (2004م)، صدر عن (مركز دراسات فلسفة الدين وعلم الكلام الجديد) كتاب جديد للمفكر الإسلامي الشيخ حسن الصفار -أحد أبرز الرموز الدينية الشيعية في السعودية- وقد بلغت صفحات الكتاب (191) صفحة من القطع الكبير.

قدَّم للكتاب المفكر العراقي المعروف الشيخ عبد الجبار الرفاعي، رئيس تحرير (مجلة قضايا إسلامية معاصرة) الذي يصدر إضافةً لهذه المجلة بعض الإصدارات الثقافية الأخرى، ومنها هذه السلسلة التي تحمل عنوان: (سلسة كتاب قضايا سلامية معاصرة)، وهي كتاب دوري يطبع بالتعاون مع دار الهادي في بيروت، وقد صدر منها 70 سبعون كتاباً، تناولت موضوعات: نقد التراث، الإسلام والغرب، علم الكلام الجديد، فلسفة الفقه، مقاصد الشريعة، مناهج التجديد، إسلامية المعرفة، الاتجاهات الحديثة في التفسير، الإسلام والحداثة.

كتاب (الحوار والانفتاح على الآخر) -كما يشير الرفاعي- يضم مجموعة مساهمات للعلامة الشيخ حسن الصفار، تمثل خلاصة تجارب علمية متنوعة في التفاهم، والحلقات النقاشية، وغرف الحوار، والمنتديات الثقافية، والمؤسسات الاجتماعية، مع أطياف عديدة. وتكمن أهمية هذه التجارب في أنها حاولت أن تقتحم الممنوع، وتتجاوز النزعات التكفيرية لدى بعض الجماعات الأصولية والسلفية، المنغلقة والمنكفئة على نفسها، فلم يجد فهم الصفار للإسلام ما يحضر عليه الإصغاء إلى أي إنسان ومحاورته، لأن الله تعالى أصغى للشيطان وحاوره. مثلما وجد ذلك الفهم الإنساني للإسلام أن التسامح، واحترام الآخر، والانفتاح على البشرية بأسرها، هي من أجلى خصائص هذا الدين وسماته، تلك السمات التي طمستها ثقافة الكراهية، وما تفضي إليه من تعميم لحالات البغضاء والعدوانية وغيرها من القيم الرديئة، والعاهات الأخلاقية.

في مقدمته للكتاب أشار الشيخ الصفار إلى أن العزوف عن الانفتاح على الآخر، وغياب الحوار بين القوى والأطراف المختلفة في مجتمعاتنا يعتبر مكمنا أساساً من مكامن الداء في هذه المجتمعات، ومظهراً صارخاً من مظاهر التخلف.

وقد عاب الصفار على التوجيه الديني انتهاجه أسلوب الحدية والتطرف تجاه الآخر، على أساس أنه ﴿ فماذا بعد الحق إلا الضلال ﴾، وأن فرقة واحدة هي الناجية والباقين في النار، مع تطبيق ذلك على تفاصيل موارد الاختلاف وتنوع الاجتهادات.

وفي إشارة جميلة قال الصفار: على الصعيد الاجتماعي تتمايز التكتلات والانتماءات إلى حد القطيعة والتنافر، ويصبح التواصل مع الجهة الأخرى لوناً من الخيانة للجماعة، وانعدام الولاء، وميوعة الانتماء، لأن صديق العدو عدو.

أما على المستوى السياسي فالأمر أشد قتامة وتعقيداً في ظل حكومات الاستبداد، حيث لا مجال للرأي الآخر، ولا فرصة للمعارضة، ولا قيمة لمن يخالف أو يعارض، حتى يتنزل الحاكم من علياء هيبته للاستماع إليه والانفتاح عليه، وإنما يتعامل معه كمجرم يستحق أقسى العقوبات لشقه عصا الطاعة.

أما جهات المعارضة فقد عاب الصفار عليها تشددها، إذ تطرق لممارستها المعارضة كحرفة، وشأناً توقيفياً تعبدياً، لا تلوثه بشيء من دنس الحوار والانفتاح على السلطات، فذلك -في نظرها- ركون إلى الذين ظلموا، ومساومة في الدين، وتراجع عن خط الثورة والجهاد.

وأمام هذه المعادلة الصعبة حاول الشيخ الصفار أن يسهم في جهود التوعية والتبشير بثقافة الحوار والانفتاح على الآخر.

يقول في هذا الشأن: إذا انغلق الإنسان على رأيه، وأعرض عن الانفتاح على الآراء الأخرى، فإنه سيعزل نفسه عن تطورات الفكر والمعرفة، ويحرم نفسه من إدراك حقائق ومعارف مفيدة، وقد يكون رأيه الذي انطوى عليه خاطئاً، فلا يكتشف بطلانه في ظل حالة الانكفاء والانغلاق.

ويقول في مكان آخر: لذلك يدعوا القرآن الكريم الإنسان إلى التفكير فيما يتبنى من آراء ومعتقدات، فلا يجعل نفسه أمام اتجاه واحد إجباري، ولا ينغلق على موروثاته من آبائه وأسلافه، دون دراسة وتمحيص، ولا يرفض الانفتاح على أي فكرة ومحاكمتها على ضوء العقل، لقبولها إن كانت أصح وأفضل.

ويستطرد في ذلك موضحاًً: إن الله تعالى يبشر عباده المنفتحين فكرياً، والذين يدرسون مختلف الآراء، ليتبنوا أفضلها وأحسنها، بأن منهجية الانفتاح هي التي ستقودهم إلى الهداية، وتمكنهم من استثمار عقولهم، واستخدامها بالشكل الصحيح. يقول تعالى: ﴿ فبشر عباد، الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب ﴾[الزمر:17-18].. إنهم يستمعون القول، أي يقصدون الإصغاء إليه باهتمام، وليس يسمعون بشكل عفوي عابر، واستخدام القرآن الكريم للفظ يستمعون يلفت إلى ذلك.


التعقل واتباع الزعامات الدينية:


هذا العنوان جاء في فصل (التدين والتعقل)، وخلاله أشار الصفار إلى أن بعض الزعامات الدينية تلعب دوراً رئيسياً في تغييب حالة التعقل في الساحة الإسلامية، وتكريس حالة السطحية والتخلف على المستوى الديني، وذلك أما لمحدودية وعيها وفكرها، أو لأنها تستفيد من الوضع المتخلف، فتحافظ عليه وتنميه بدافع مصلحي.

وهنا يحتاج المتدين -كما يشير الصفار- إلى التعقل في مسألة اتباع الزعامات، والقيادات الدينية والاجتماعية، فالمسلم ليس معذوراً في تسليم قياده، وأزمة أمور دينه، لأي أحد، ما لم يحرز عدالته واستقامته، وحتى العالم العادل، لا يصح اتباعه بعين مغمضة وثقة عمياء، ما دام ليس معصوماً، ومعرضاً للانحراف والخطأ.

فلا بد من التفكير والتعقل في اختيار الجهة الدينية التي يتبعها الفرد المسلم. وفي هذا الصدد ينقل لنا الصفار هذا الموقف: سأل بن السكيت الكوفي -رضي الله عنه- الإمام علي بن موسى الرضا -عليه السلام-: "ما الحجة على الخلق اليوم؟ فأجاب الإمام -عليه السلام-: العقل، يعرف به الصادق على الله فيصدقه، والكاذب على الله فيكذبه. فقال ابن السكيت: هذا والله هو الجواب".

أجل، إن بعض المتدينين قد تبهرهم شخصية عالم ما، ويبالغون في تقديسه، فيرسلون قوله إرسال المسلمات، دون وعي أو تفكير، وهذا خلاف توجيهات الدين. روي عن علي -عليه السلام-: "خذ الحكمة ممن أتاك بها، وانظر إلى ما قال، ولا تنظر إلى من قال".


لفتة جميلة حول كتب التراث:


في بحثه الأخير -من الكتاب- حول (التقريب بين المذاهب)، يقول الصفار: إنه ليس من الصحيح أن نبقى في أسر كتب التراث الحديثية والتاريخية، فهي بمجملها تحتاج إلى غربلة وتمحيص، وكما في مصادر الشيعة كذلك في مصادر السنة، فلا يصح أن يحاكم بعضنا بعضاً على ما ورد في كتب الأسلاف، بل نتعامل على أساس ما هو معتمد ومعمول به لدى جمهور العلماء المعاصرين عند الفريقين.

أكتفي بهذا القدر من الحديث عن أجواء الكتاب وبحوثه وإثاراته الشائقة، علماً بأن فصوله جاءت على النحو الآتي:

• الانفتاح على الرأي الآخر.
• الفكر بين الموضوعية والانحياز.
• الحوار للمعرفة والسلام.
• مهارات التفاوض والحوار.
• أخلاقيات الحوار.
• التعصب والعصبية.
• منطلقات التجديد.
• سمات وصفات الإبداع.
• تقدير الكفاءة والإبداع.
• التدين والتعقل.
• الحالة الدينية ومرض الغرور.
• الكنيسة: تاريخ من الظلم باسم الدين.
• عن اللقاء الوطني للحوار الفكري.
• ثقافة الوحدة والحوار.
• التقريب بين المذاهب الإسلامية.. إنجازات وعوائق.

وكما يلحظ القارئ؛ فإن معظم هذه البحوث والدراسات التي تناولها الشيخ الصفار في عمله الرائع هذا تُعد في غاية الأهمية، وهي بحاجة لمزيد من النقاش والإثارات العلمية الجادة، التي نظل في شوقٍ لمعالجتها على أوسع نطاق ممكن؛ ليغذو موضوع الحوار والانفتاح على الآخر من الممارسات الاعتيادية في التعامل مع الناس.

يجيء إصدار هذا الكتاب القيِّم لمؤلفه العلامة الشيخ حسن الصفار ونحن لا نزال -في السعودية- نعيش الأجواء الطيبة المصاحبة لانعقاد الدورة الثانية لمركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني والتي اختتمت فعالياتها في مكة المكرمة قبل أيامٍ، بمشاركة فاعلة من قبل الشيخ الصفار، العالم الشيعي الذي عُرف بالوسطية والاعتدال، وهو بكتابه هذا يؤكد لي مرة أخرى بأنه: درسٌ في التعددية والحوار.