الشيخ الصفار: الوجاهة نعمة وشكرها خدمة المجتمع

مكتب الشيخ حسن الصفار عبد الباري الدخيل

عن العلاقات وأهميتها في المجتمع تحدث سماحة الشيخ حسن الصفار في كلمة بعنوان " العلاقات وأهميتها في المجتمع" في حفل تأبين الحاج حجي بن حبيب السلطان رحمه الله (1330-1429هـ) الذي أقيم في قاعة القلعة طريق الهفوف الجفر، يوم الخميس (20/2/1429هـ) وحضره حشد كبير من شخصيات المنطقة - الاحساء والقطيف والدمام والخبر -، ولفيف من الأدباء والشعراء والمهتمين بالتراث والثقافة، مستعينًا بسيرة حياة الحاج السلطان رحمه الله، والتي امتدت مع كل ألوان المجتمع وأطيافه مدة قرن من الزمن، واعتبره النموذج القدوة الذي يجب أن يحتذى بسيرة حياته، وأسلوبه في التعامل مع مجتمعه.

وقد تحدث سماحته: عن الوجهاء ودورهم في المجتمع مستنيرا بآية كريمة يصف الله سبحانه فيها نبيا من أعظم أنبيائه، وأحد الأنبياء أولي العزم المسيح عيسى بن مريم على نبينا وآله وعليه أفضل الصلاة والسلام بأنه وجيه فيقول سبحانه:﴿إِذْ قَالَتِ الْمَلآئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ(45) آل عمران يصفه الله سبحانه بأنه وجيه في الدنيا والآخرة.

نحن نجتمع اليوم لنؤبن وجيها من الوجهاء الكرام، الذين وظفوا وجاهتهم لخدمة المجتمع، ولتحقيق التواصل بين فئاته وشرائحه.

الوجيه: صفة مشتقة من الوجه، والذي يعني إما المقدم في القوم وأولهم، لأن العرب كانوا يطلقون الوجه على أول الشيء من باب الاستعارة، كما قال تعالى يحكي قول اليهود: ﴿وَقَالَت طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُواْ بِالَّذِيَ أُنزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَجْهَ النَّهَارِ(72) آل عمران بمعنى أول النهار، و إنما أطلق على الوجيه صفة الوجاهة اشتقاق من الوجه، باعتباره أفضل أعضاء الإنسان بروزا، وبه يستقبل الناس، الشخص البارز في المجتمع هو بمثابة الوجه في جسد الإنسان، بمعنى أن هذا المجتمع يستقبل المجتمعات الأخرى من خلال هذا الشخص البارز، وفي كل مجتمع من المجتمعات هناك وجهاء، وشخصيات بارزة، لكن قيم البروز، ومواصفات الوجاهة تختلف من مجتمع إلى آخر، وفي الغالب تتمحور حول صفتين أساسيتين:

الصفة الأولى: امتلاك كفاءة أو قدرة، فالشخص البارز في المجتمع إنما يكون في مقام الوجاهة والبروز لأنه يمتلك كفاءة ما، إما قدرة مالية، أو كفاءة علمية، أو كفاءة إدارية أو ما أشبه.

الصفة الثانية: الاهتمام بالشأن العام، وذلك بأن يبذل من نفسه من أجل المصلحة العامة، من أجل مصلحة الناس الذين يعيشون من حوله.

وتسائل سماحة الشيخ: ماذا يستفيد الناس من شخص لديه كفاءة وقدرة لكنه منطو على نفسه، ويعيش لذاته؟

هذا الإنسان بالتأكيد لا يكون وجيها ولا بارزا في المجتمع، لأن المجتمع لا يستفيد منه شيئا، لكنه إذا تصدى للشأن العام، ولخدمة المجتمع هنا يصبح في مقام الوجاهة، هنا يكون وجها للمجتمع، فالمجتمعات لا تفخر بعدد أفرادها، وإنما تفخر بالشخصيات التي تمتلك الكفاءة، وتتصدى للشأن العام، كلما كان في المجتمع عدد أكبر من المهتمين بشؤونه يكون أقوى وأفضل، أما المجتمع الذي يهتم أفراده بأنفسهم وذواتهم ومصالحهم لا شك أنه سيصبح مجتمعًا ضعيفًا لا يُنظر إليه باحترام، لأن وجود الوجهاء في المجتمع عامل مهم، فهو يرفع معنوياته، ويوثق العلاقة بين أبنائه، لأن الوجيه يصبح محورا يلتف حوله الناس، ولأن الوجهاء يمثلون جسورا للعلاقة مع المجتمعات المحيطة، كما أن الوجاهة تحمل الوجيه مسئولية تجاه مجتمعه، ولذلك ورد في حديث عن رسول الله : (إن الله تعالى ليسأل العبد في جاهه كما يسأل في ماله، فيقول: يا عبدي رزقتك جاهاً فهل أعنت به مظلوماً، أو أغثت به ملهوفاً. مستدرك الوسائل 2/411)، على الوجهاء في المجتمع أن يعلموا أن الناس عندما يطلبون منهم التصدي لأمورهم وقضاياهم فإن ذلك من واجبهم، ومن مسئوليتهم، ويعتر مظهرا من مظاهر الشكر لله على نعمته، إن الله أنعم عليك وجعلك في مقام الوجاهة والبروز، فأنت مطالب بأن تشكر هذه النعمة، وشكرها يكون بتوظيف الجاه، والمكانة في خدمة المجتمع، سواء على المستوى الداخلي بمساعدة أبناء المجتمع، وحل مشاكلهم، واصلاح ذات البين، ويتفقد الفقراء والمحتاجين، ويحاول أن يعالج المشاكل القائمة في المجتمع.

وتسائل سماحة الشيخ:ما قيمة ما عنده من مال؟ والمال يزول، وما قيمة ما عنده من منصب؟ والمنصب يزول، وما قيمة العلم الذي لا ينتفع منه؟ لقد جاء في الدعاء الاستعاذة من هذا العلم (وأعوذ بك من علم لا ينفع)، ما الفائدة من عالم ينغلق على نفسه ولا ينفع الناس؟

وأضاف سماحة الشيخ: إذا لم توظف الكفاءات في مصلحة الناس تصبح سببا للوم والعتاب والتوبيخ على صاحبها من الناس ومن الله سبحانه وتعالى، إذًا مطلوبٌ من الوجياء أن يكون لهم دور داخل المجتمع، وأن يكون لهم أيضا دور خارج المجتمع، وذلك بأن يشكلوا جسورا بين مجتمعاتهم وبين الآخرين، لأن أسوء ما يعيشه مجتمع من المجتمعات هي حالة الانكفاء والانطواء، لا يتداخلون مع الآخرين، ولا يتداخل الآخرون معهم.

إن حالة الانكفاء والانطواء ضارة، وذلك لأنها تتيح الفرصة لرسم صورة مشوهة عن المجتمع، إذا كان الناس لا يعرفون المجتمع ولا يدرون بحقيقة أوضاعه، ووجد مغرضون من صالحهم أن تسوء العلاقات بين شرائح المجتمع يقومون بنقل صور مشوهة عن هذا المجتمع للآخرين، نحن نعيش اليوم تحديات كبيرة في ما يرتبط بالمحافظة على وحدتنا في أوطاننا كعرب ومسلمين، نحن نعرف أن البلاد العربية والإسلامية يوجد بها تنوع قبلي، وعرقي، ومذهبي، وهناك جهود تبذل لكي لا تكون العلاقة بين هذه الشرائح في المجتمع علاقة سليمة إيجابية، وإنما يستطيع الأعداء فعل ذلك إذا وجدوا أرضا خصبة لذلك، ومن مظاهر هذه الأرضية المناسبة هو الانكفاء والقطيعة.

إذا تقطعت طرق التواصل بين هذه الشريحة وتلك فإن الفرصة تكون مناسبة ومتاحة لتشويه الصورة، ولنقل المعلومات الخاطئة، لذلك فإن رجالات المجتمع ووجهائه يتحملون مسئولية كبيرة من أجل تحقيق التواصل بين شرائح المجتمع في الوطن الواحد، ومع الجهات المسئولة، لا بد للوجهاء من أن يقوموا بدور من أجل توضيح الصورة، ومن أجل أن تكون هناك ثقة متبادلة، وتعاون في خدمة المصالح العامة، إننا في وطننا هذا ولله الحمد ننعم بنعمة الوحدة، كشعب واحد في بلد واحد بعد أن كانت هذه البلاد مجزئة أصبحت كيانا واحدا، وبلدا في ظل دولة واحدة، لكن هذه الوحدة تحتاج إلى حماية، وصيانة لنحافظ عليها، نحن لا نعيش في صحراء خالية من التأثيرات، فهناك عوامل عالمية وإقليمية وداخلية لا تريد لأوطان المسلمين أن تستقر، ولا تريد للوحدة أن تتم، ودونك ما حصل في الصومال، والسودان ويحصل في العراق وأفغانستان ولبنان، إن هذه الأحداث يجب أن تدق جرس الإنذار لكل الشعوب والمجتمعات حتى تتمسك بوحدتها، وتحافظ على تماسكها، وإلا فالأعداء لا يريدون بنا خيرا، وإن عوامل الجهل والانحراف والفساد، والتعصب المقيت موجودة في كل مجتمع وفي كل بلد، ولا يجب أن نترك الساحة خالية لهم، من هنا فإن الوجهاء في المجتمع سواء كانوا من علماء الدين أو من رجال المال والأعمال، أو من الكفاءات وذوي المناصب، عليهم تحمل مسئوليتهم في صنع حالة من التواصل، والانفتاح.

وأبان سماحته أن وجود مشاكل في المجتمعات ينبغي أن يكون دافعا للانفتاح وليس للانغلاق، وذلك للسيطرة عليها ولكي لا تتفاقم وتزداد، يجب ألا تكون هذه المشاكل مبررا للقطيعة.

ثم تحدث سماحة الشيخ الصفار عن الفقيد والفائدة التي يجب أن نأخذها من سيرته رحمه الله، قال: لقد سمعت عنه رحمه الله أنه كان يولي العلاقات اهتماما كبيرا، حيث كان على صلة بالمسئولين في البلاد، وبالوجهاء والشخصيات البارزة في مختلف مناطق الوطن، بل كان يسر أيما سرور عندما يستضيف أحدا، وأتذكر أنني رأيته في مجلس العلامة الأستاذ السيد علي السيد ناصر حفظه الله في الدمام، فكان يصر إصرارا عجيبا على دعوتي لزيارته، ثم أخبرني سماحة السيد وآخرون أن هذا الرجل سعادته في أن يستضيف الآخرين، وأن يتواصل معهم، ولقد سمعت عنه الكثير من الأحاديث الطيبة وبالخصوص على صعيد التواصل ومد جسور العلاقة مع أفراد وشرائح المجتمع.

وختم سماحة الشيخ الصفار حديثه بالطلب من الجميع أن يواصلوا هذا النهج، فالانغلاق والانطواء يضرنا جميعا، فنحن بحاجة للانفتاح والتواصل، حتى نفوت الفرصة على الجهلاء من داخلنا، والأعداء من الخارج.
كما دعا أبنائه أن يواصلوا هذه المسيرة، وتواصل العلاقة مع جميع الشرائح.

وقد شارك في الحفل الدكتور محمد الهرفي والشاعر جاسم الصحيح بالإضافة إلى متحدثين من عائلة الفقيد.

صور من حفل التأبين: