تقديم كتاب «النفحات الولائية في العقيلة الهاشمية»

مكتب الشيخ حسن الصفار

الكتاب: النفحات الولائية في العقيلة الهاشمية
المؤلف: الدكتور عصام عباس
الطبعة: الأولى 2001م، دمشق

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وآله الطاهرين.

واضح جداً تأثير الصاحب والصديق على نفس الإنسان وسلوكه ومكانته الاجتماعية، حيث يكتسب الإنسان غالباً من صفات صاحبه وصديقه وتنتقل إليه بعض أفكاره وعاداته، إما لاقتناعه بتلك السمات التي يأخذها من صاحبه، أو بفعل تطبعه وتكيفه النفسي من خلال المعاشرة.

وصورة الإنسان في أنظار الآخرين ومكانته عندهم تتأثر أيضاً بنوعية من حوله من الأقران والأصحاب.

لذلك ورد في الحديث عن رسول الله : ((المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل)) وفي حديث آخر عنه : ((اختبروا الناس بأخدانهم فإنما يخادن الرجل من يعجبه نحوه)) وقال أمير المؤمنين : ((جالس العلماء يزدد علمك، جالس الحلماء تزدد حلماً)).

وإذا كان أثر مصاحبة الصالحين وهم على قيد الحياة واضحاً، فهل لصحبتهم بعد مغادرتهم الدنيا وموتهم أثر...؟

نعم...  وأكبر الأثر؛ فمن صحب ولياً من الأولياء المفارقين للحياة اكتسب من صحبته الخير الكثير.

إن كل واحد منا يتمنّى لو كان معاصراً لأحد من أهل البيت أو لأحد من الأولياء من أبنائهم وتلامذتهم ليحظى بمصاحبتهم ومجالستهم. ولكنّ الفرصة لا تزال سانحة، والمجال موجود.  فالأولياء لا تنقطع حياتهم بالموت بل هم أحياء خالدون عند ربهم يرزقون ﴿وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فحياتهم المعنوية مستمرة، وبركات وجودهم دائمة، وآثار فضلهم باقية.

إن مصاحبة الأولياء بعد وفاتهم تكون بالعيش في أجواء سيرتهم وتاريخ حياتهم. ولذلك تأثير وانعكاس كبير على نفسية الإنسان وسلوكه.

كما إن مجاورة مراقد الأولياء تعتبر من أرقى سبل وألوان مصاحبتهم فالعيش بالقرب من حرم وضريح أحد الأئمة والمعصومين أو أبنائهم الطيبين يتيح للمجاور فرصة التتلمذ على يد صاحب المرقد، والانتهال من منهله العذب، والاغتراف من خيراته وبركاته.

إن جوار المرقد المقدس يجعل صاحب المرقد نصب العين، وملء النفس، ومرأى القلب، ولا يخفى أثر ذلك ودوره في صياغة الوجدان وتوجيه السلوك.

وتشاء حكمة الله تعالى جريان الكرامات وظهور البركات عند المراقد المقدسة؛ حيث يلتجئ المحتاجون، ويتوسل إلى الله تعالى بأوليائه المضطرون، وذلك على مشهد ومرأى من المجاورين، مما يؤكد في نفوسهم الثقة بالله، والانشداد إلى أوليائه.

من ناحية أخرى؛ فإن المراقد المقدسة تجتذب المؤمنين وتستقطب الخيِّرين من كل بقاع الأرض، فيأتون لزيارتها أو مجاورتها، مما يوفّر فرص التلاقي والتعارف والتواصل مع شبكة واسعة من المؤمنين الأخيار والصالحين الأبرار على امتداد رقعة الأرض.

ولا شك إن وجود الروح المقدسة والجسد الطاهر لصاحب المقام له إشعاع من البركة، وطيف من الرحمة بفضل الله تعالى وكرمه يغمر قلوب ونفوس مجاوريه، ويهيّئ لهم أسباب الخير في حياتهم.

تلك هي بعض عطاءات الجوار لمراقد الأولياء.

وقد يُشكل إنسان على هذه الحقيقة بما يرى من وجود عناصر غير صالحة ولا طيبة حول بعض المراقد المقدسة، لكننا لا نتحدث عن نتائج حتمية بل عن فرص ونفحات لا تلتقطها إلا النفوس المهيّأة، والقابليات المستعدة.

وكم عاش مع الأنبياء والأئمة والأولياء أناس لم ينالوا شرف الاستفادة من تلك الصحبة، ولا توفقوا للارتشاف من ذلك النمير الصافي بل كان حظهم الحرمان والشقاء.

فهنيئاً لمن يسعد بجوار مرقد مقدس، ويمنحه الله تعالى قابلية الاستفادة والاستثمار للأجواء المعنوية التي يعيشها، ويتوفق للتتلمذ في مدرسة القيم والمثل، ويكون في مستوى التقاط النفحات الإلهية من البركة والرحمة.

والأخ الفاضل الدكتور عصام عباس أراه نموذجاً بارزاً ومثلاً حيّاً لهذا التوفيق الكبير؛ فقد أنعم الله عليه بجوار مرقد الحوراء زينب عقيلة الطالبيين وبطلة الهاشميين عليها وعلى آلها أفضل الصلاة والسلام.

إنه يعيش ذكر السيدة زينب في كل حين، ويستحضر شخصيتها كل آن، ويملأ بصره وبصيرته برؤية قبة حرمها الطاهر في كل لحظة من نافذة مكتبه المطلّة على المقام المقدس.

فهو متخصص في طب الأجسام، لكنه يستثير الإيمان والثقة في نفوس مراجعيه ليعطي العلاج والدواء مفعوله في أجسامهم، وقد حدثني الكثيرون من مراجعيه عن مهارته الطبية، وقدرته العلاجية، لكنه يُرجع كلَّ ذلك إلى لطف الله وبركة السيدة زينب ؛ فالشفاء من الله تعالى ﴿وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِي والبركة من السيدة الطاهرة، والعلاج والدواء وسيلة وأداة تؤتي مفعولها بإذن الله تعالى.

لقد تعرفت على الدكتور عصام قبل عدة سنوات ببركات السيدة زينب ورأيت آثار جوار السيدة زينب واضحة بارزة في حياته وسلوكه.

وهذه النفحات الولائية التي يقدمها في مدح العقيلة الهاشمية واحد من تلك الآثار حيث يتجلى في كلماتها ومقاطعها صدق الولاء، وعمق المحبة، والتصميم على الإتباع والإقتداء.  كما تبرز هذه النفحات موهبته الأدبية لتتكامل مع كفاءته العلمية الطبية، مُتَوْجَةٌ بحسن خلقه وجميل تعامله الذي امتلك به قلوب عارفيه.

فحيَّى الله الدكتور عصام عباس أديباً وشاعراً وطبيباً حاذقاً وصديقاً وفيَّاً، وزاده الله توفيقاً ونشاطاً وعطاءً في جميع المجالات، وكثّر في رجالات الأمة أمثاله.  والحمد لله رب العالمين.

حسن موسى الصفار
دمشق/ السيدة زينب
16/5/ 1419هـ