وقفة مع الصفَّار.. في نظرته إلى السِّلْم الاجتماعي

حسن آل حمادة *

صدر للأستاذ حسن آل حمادة مقالةً يتحدث فيها عن نظرة سماحة الشيخ إلى السلم الاجتماعي، والمقالة تحت عنوان: وقفة مع الصفار .. في نظرته إلى السلم الاجتماعي.

وقد تم نشر هذه المقالة في جريدة الوسط البحرينية، وكذلك جريدة الحياة.

وفيما يلي النص الكامل لهذه المقالة:

الكتاب: السِّلم الاجتماعي.. مقوماته وحمايته.

المؤلف: حسن الصفار.

الناشر: دار الساقي، بيروت.

سنة النشر: ط1، 2002م.

الصفحات: 143 صفحة، قطع وسط

الكتاب الذي نستعرضه هنا صادر عن دار الساقي، بعنوان: (السلم الاجتماعي: مُقوماته وحمايته)، وكان في الأصل محاضرة تفضل بإلقائها العلامة الشيخ حسن الصفَّار، في الندوة الأسبوعية التي تقام مساء كل يوم أحد في مجلس الدكتور راشد المبارك بالرياض، بتاريخ: 5/صفر/1422هـ، وقد نُشر ضمن هذا العمل -المنشور عام 2002م- نص الحوارات والمداخلات التي شارك بها نخبة من الأساتذة.

في التوطئة التي كتبها الدكتور محمد علي الهرفي، قال فيها: ((إن هذا المبحث في هذا الوقت من تاريخ الأمة الإسلامية، هو ما تحتاج إليه هذه الأمة، وهو ما أدعو جميع المثقفين إلى الحديث عنه ومناقشته والعمل على إخراج هذه الفكرة إلى حيز الواقع)). وهاأنا أستجيب لهذا الدعوة الواعية، محاولاً التعريف بهذا المجهود الذي قدمه الشيخ الصفَّار، وهو رائد في الدعوة إلى مثل هذه الأُطروحات، فقد سبق وأن كتب عن: (التعددية والحرية في الإسلام)، كما كتب عن: (التنوع والتعايش)، وصدر له مؤخراً كتاب: (التسامح وثقافة الاختلاف)، إضافة لهذا الكتاب المهم، الذي يجدر قراءته من قبل المهتمين بتغيير واقع المجتمعات العربية والإسلامية التي أُشبعت عنفاً في أكثر من بلدٍ ومكان.

السِّلم -كما يقول الصفَّار- كلمة واضحة المعنى، تعبّر عن ميل فطري في أعماق كل إنسان، وتحكي رغبة جامحة في أوساط كل مجتمع سويّ، وتشكل غاية وهدفاً نبيلاً لجميع الأمم والشعوب.

وكما يذكر ابن منظور: السَّلْم والسِّلْم، الصُّلْح. وتسالموا: تصالحوا. والخيل إذا تسالمت تسايرت لا تهيج بعضُها بعضاً. والتسالُم التصالُح. والمسالمة: المصالحة. وحُكِي السِّلْم والسَّلْم: الاستسلام، وضد الحرب.

وقد أشار الكاتب إلى أننا يمكن أن نتحدث عن "السِّلْم أو الحرب على صعيد علاقة المجتمع بمجتمعات أخرى، أو يكون على مستوى الوضع الداخلي للمجتمع والعلاقات القائمة بين أجزائه وفئاته)). ص24. وألمح إلى أنه سيتحدث عن السِّلْم داخل المجتمع نفسه.

الأمن والتقدم:


((إن تحقق السلم الاجتماعي -كما يؤكد الكاتب- عامل أساسي لتوفير الأمن والاستقرار في المجتمع, وإذا ما فُقدت حالةُ السلم والوئام الداخليين أو ضعفت، فإن النتيجة لذلك هي تدهور الأمن وزعزعة الاستقرار)). ص27.

ولقد أحسن الصفَّار بإشارته لهذه العلاقة المتبادلة بين السلم والتقدم، فبغير وجود حالة من الأمن لا يمكن لمجتمع أن يتقدم، أو يتطور، أو يتطلع نحو مزيد من الإنجازات التي من شأنها أن تصل به إلى شاطئ الرفاه، إذ سينشغل المجتمع في حال كهذه مع مشاكله الداخلية وستعمل كل جهة من فئات الصراع من أجل الاستحواذ على أكبر مساحة ممكنة من ساحة المعركة، لتفرض بالتالي شروطها على الآخرين, وما حدث في لبنان وأفغانستان والجزائر والصوامل، ليس خافياً على إنسان.

وعن الرؤية الإسلامية حول مسألة السلم، يمكننا القول بأن الإسلام يمثل أكبر وأشمل دعوة للسلم والسلام والآيات التي تتحدث عن ذلك تجاوزت خمسين آية، كما يشير المؤلف، ومنها قوله تعالى: ﴿يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام[المائدة:16]. ((كما يوجه الإسلام الأمة المسلمة إلى إنشاء العلاقات السلمية القائمة على البِر والقسط والإحسان مع الأمم الأخرى. أما المواجهة فهي محصورة في حدود من يمارس العدوان ضد الإسلام والمسلمين، أو يمنع حركة الدعوة إلى الله تعالى. يقول تعالى: ﴿وقاتلوا في سبيل الله الذين يُقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين[البقرة:190].

فإذا ((كانت هذه دعوة الإسلام على المستوى العالمي وفي العلاقة بين الأمة وسواها، فمن الطبيعي أن تكون أكثر تأكيداً وإلحاحاً على الصعيد الداخلي))ص32. يقول تعالى: ﴿إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدوني[الأنبياء:92]. ويقول تعالى: ﴿واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداءً فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً[آل عمران:103].

((وفي إشارة واضحة إلى الآثار التدميرية للنزاع الداخلي يقول تعالى: ﴿ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين[الأنفال:46]. فنتيجة النزاع الفشل وانهيار القوة. أما الآية الكريمة رقم 208 من (سورة البقرة)، فهي أمر واضح ودعوة صريحة للالتزام بالسلم الاجتماعي، وتقرير له كشعار للمجتمع، وتحذير من الانزلاق عن مساره. يقول تعالى: ﴿يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدوٌّ مبين[البقرة:208].

وحول هذه الآية أشار الصفَّار إلى أن أكثر المفسرين قالوا إن المقصود من السِّلْم في الآية الكريمة هو الإسلام والطاعة لله، إلاّ أن بعض المفسرين رجَّح أن يكون المقصود هو السلم بمعناه اللغوي أي الصلح والمسالمة وترك النزاع والاحتراب داخل المجتمع. وهو الرأي الراجح بالفعل))ص34.

مقومات السلم الاجتماعي:


وقد حددها الباحث في ثلاث، هي: السلطة والنظام، العدل والمساواة، ضمان الحقوق والمصالح المشروعة لفئات المجتمع.

((فلا يمكن الحديث عن سلم اجتماعي في حال غياب الدولة، بل سوف تعم حينها الفتنة والاضطراب والدمار))ص44. ولاحصانة لدولة إن لم تعمل بالعدل والمساواة، ((فالمجتمع عائلة كبيرة. وعدم المساواة بين أبنائه، وتمييز بعضهم على البعض الآخر، جَوْر يزرع الضغائن والأحقاد، ويُضعف حالة الموَّدة والإخاء))ص46.

والأمثلة على ذلك كثيرة، وأمامنا مثال إيجابي تحكيه تجربة دولة (سنغافورة)، فبالرغم من أنها تتكون من أربع مجموعات عرقية، وتتعدد فيها الديانات إلى ست ديانات، إضافة لتعدد الأحزاب حيث تصل إلى عشرين حزباً؛ إلا أنها ومع ذلك تعيش حالة من السلم والاستقرار الداخلي، ((وهما ثمرة طبيعية ناتجة عن حالة المساواة والاحترام المتبادل بين الأطراف التي يتشكل منها الشعب هناك))ص62. بينما الصراع والنزاع في دولة (راوندا) هما نتيجة حتمية لسياسة الإقصاء والتمييز والاضطهاد، بالرغم من وجود مجموعتين عرقيتين فيها، الأولى: الهوتو 90%، والثانية: التوتستي 9%. علماً بأنهما ينتميان إلى أصل واحد، ودين واحد، إذا يتبعون الكنيسة الكاثوليكية.

وفي خاتمة البحث تطرق الصفَّار بإيجاز إلى ثلاثة محاور وضعها تحت عنوان: (الحصانة والوقاية)، وهي: نشر ثقافة السلم، والتربية الأخلاقية، وإصلاح ذات البَيْن.

وهي محاور ينبغي التركيز عليها وترجمتها عملياً بعيداً عن واقع التنظير، وهنا يلزم أن نتكلم بصوتٍ مسموع، لنقول: ما هي البرامج المعمول بها من قبل الحكومات العربية والإسلامية، والتي نستشف منها نشراً لثقافة التسامح والسلم بين أفراد المجتمع الواحد؟ وعلى سبيل المثال: ماذا قدمت حكوماتنا من برامج وخطوات عملية من أجل تجسير الفجوة بين السنة والشيعة؟ وما هي خطتها الحكيمة في التعامل مع الأقليات كالمسيحيين أو الأقباط... الخ. وأين وسائل الإعلام الحكومية عن هذه المسائل؟ وهل يعنيها شيء من ذلك؟ أخشى أن تأتي الإجابة لتقول بأن هذه الرؤى في وادٍ، والحكومات العربية والإسلامية في وادٍ آخر.

وقبل أن نكَّف ألسنتنا عن سياسة الأنظمة الرشيدة أقول: متى سنضع مناهج تعليمية تتناسب مع معتنقي كل مذهب؟ لنشهد على سبيل المثال دروساً دينية تنسجم مع المذهب الشيعي في البيئات الشيعية، ومناهج وفق المذهب السني في البيئات السنية وهكذا.. متى يتحقق ذلك؟ عسى أن يكون قريباً.

وللاقتراب من الفكرة بشكل أوضح أنقل لكم معاناة مُرَّبٍ للأجيال يعمل في دولة عربية، يقول ما ملخصه: باعتباري مدرساً شيعياً، أقوم بتدريس مادة (التربية الوطنية) في المرحلة الثانوية في (...) فقد تعرضت لأسئلة محرجة من قبل الطلاب، يسألونني خلالها عن حقهم كطلاب شيعة في دراسة مواد التربية الإسلامية وفق معتقدهم الشيعي!! وقد أُستفزَّ من قبل البعض، عندما يقولون لي: أو ليس هذا الأمر من جملة حقوق المواطن؟

فتحقيق مطلب السلم الاجتماعي -الذي ينادي به الصفَّار وآخرون- لن يتم في أي بلد من البلدان، إلا بعد أن نعطي المواطن حقوقه كاملةً، ولنطلب منه بعد ذلك القيام بواجباته، وبلداننا ليست بخارجة عن هذا السياق. فنحن بحاجة للقدوة في هذا الشأن. ولن يكتب للتربية الأخلاقية النجاح، إن هي سُطِرَّت كمواعظ وقصص على الأوراق، ولم تجد لها في الواقع العملي مجالاً للتطبيق. والقدوة التي أعني: تتمثل في الساسة والعلماء، ولنا في الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) خير قدوة وأسوة، فهو وبالرغم من كونه الحاكم المُهاب، إلاَّ أنه ومع ذلك سمح لمعارضيه (الخوارج) أن يدخلوا المساجد ليقولوا ما يشاءون، كما أنه لم يمنع عنهم العطاء، ولم يبدأهم بقتال.. أليس في هذا المثال العملي تربية أخلاقية لمن يحمل شعار الإسلام في هذا الزمان؟

وفي خاتمة هذه السطور أبارك للشيخ الصفَّار هذا العمل، وهذه الرغبة الصادقة في لم الشمل لما فيه مصلحة الإنسان، بعيداً عن دينه ومعتقده؛ فالناس -كما يقول ربيب الوحي الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)- صنفان: إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق.

كاتب سعودي «القطيف»