صلاة الجمعة مظهر لقوة الجماعة

" ومن الطبيعي أن لا تستجيب كل الساحات الشيعية فورا لدعوات التطوير والإصلاح، لوجود رأي محافظ متجذر في عمق المجامع ولوجود مراكز قوى تستفيد من الواقع السائد، ولأن الناس – عادة – لا يتخلون بسرعة عما ورثوه من أسلافهم، وألقوه زمنا طويلا. لكن المراهنة قائمة على ارتفاع مستوى الوعي عند جمهور الناس، وعلى المزيد من التقدم في الأوضاع الاجتماعية الوطنية المتجاوزة لسياسات التمييز والإقصاء، فإن ذلك كفيل بتشجيع توجهات الانفتاح والاعتدال لمختلف شرائح المجتمع ".

هذا ماجاء في مقدمة كتابه «الجمعة شخصية المجتمع الإسلامية» للشيخ حسن الصفار، الذي تناول فيه قضية لاتقل أهمية وشأناً عن مختلف القضايا التي يسعى الشيخ الصفار إلى معالجتها ضمن معطيات الخطاب الإسلامي، الذي يحاول سماحته رسم فلسفة معالمه وأبعاده من خلال دعواته المستمرة وكتاباته المتنوعة التي تكشف مدى قناعاته الراسخة وإيمانه القوي بما يطرحه من أفكار ومواضيع جوهرية تشجع على الانفتاح وحب التعايش مع الأخر المختلف فكرا وعقيدة، وتحدُّ من ملامح الانغلاق والانعزال على الذات.

ولعل أكثر المجتمعات تضررا من حالة الانغلاق هم الشيعة، نتيجة التهميش والتمييز الطائفي الذي مارسته الحكومات السياسية في كثير من الحقب التاريخية، وهذا شكلَّ حالة طبيعية أثرت على طبيعة علاقة الشيعة بالأوساط الأخرى، وعلى ممارسة دورها الطبيعي في الحياة الاجتماعية والسياسية.

 يقول الشيخ الصفار: " ومن القضايا الدينية الاجتماعية التي تأثرت لدى معظم المجتمعات الشيعية بواقع العلاقة غير الإيجابية مع محيطهم قضية «صلاة الجمعة» حيث حرم منها الشيعة في الكثير من أزمنتهم وأوطانهم ".

ويضيف: " ويبدو لي أن السبب الرئيس لذلك هو شعورهم بالاستضعاف والتهميش، بينما صلاة الجمعة مظهر لقوة الجماعة، ومنبر لإعلان خطابها الديني الاجتماعي ".

وكتاب سماحته «الجمعة شخصية المجتمع الإسلامية» هو محاولة جادَّة منه للإسهام في معالجة المشكلة وتجاوزها من خلال نشر ثقافة الجمعة التي رسمتها النصوص الواردة، يقول الشيخ الصفار: " ومن خلال التأمل في تلك النصوص الواردة يمكنني القول بكل ثقة وتأكيد: أن الجمعة ترسم وتحدد معالم شخصية المجتمع الإسلامي ".

 ويبقى الرهان لتجاوز هذه الحالة في مجتمعاتنا على ارتفاع مستوى الوعي عند جمهور الناس وتزايد النخب المعتدلة المتجاوزة لسياسات التمييز والإقصاء، فعلى النخب الواعية من الشيعة أن تعمل – الآن - أكثر من ذي قبل في تشجيع الناس للإقبال على صلاة الجمعة،وخلق الأجواء المناسبة لإشاعة ثقافة معتدلة، وتنمية أواصر التواصل والانفتاح مع النخب المعتدلة في مجتمعنا، لذا رأى الشيخ الصفار هذا المنهج في تواصله مع الأطياف الأخرى، ووجد في إحياء صلاة الجمعة أحد جسور ذلك التواصل.

يقول الشيخ الصفار:" لذا نرى الآن إحياء صلاة الجمعة في الأوساط الشيعية التي تجاوزت تلك المشاعر السلبية، وقررت التعبير عن ذاتها بجلاء ووضوح "، مضيفاً: " إن إقامة صلاة الجمعة إضافة إلى قيمتها الذاتية كفريضة وشعيرة إسلامية ، هي مؤشر إلى تطور إيجابي داخل المجتمع وفي علاقته بمحيطه ".

ولك - أخي القارئ - أن تقضي وقتاً ممتعاً مع هذا الكتاب وأنت تتصفح صفحاته بتأمل وموضوعية،حينها سيشعرك المؤلف أنك شريك معه في البحث والدراسة، بدون تكلُّف أو تملُّل، وإن اختلفت معه إلى ماذهب إليه في طريقة مناقشته للموضوع، إلا أنك ستكنُّ له كل التقدير والاحترام نظير جهده وشفافية بحثه، كما ستكتشف وتدرك مدى غزارة علم وعمق فكر هذا الشيخ الجليل، بل سترى نفسك أمام لوحة متعددة القراءات، تتشكل بألوان الطيف.

سيهات