الجمعة شخصية المجتمع الإسلامي

من يتتبع أحكام صلاة الجمعة، يجدها تصل في مصب نهرها إلى صبغ المجتمع بلون خاص، وترسم فيه صورة لمجتمع فاضل ومميز، فالكتب الفقهية ومصادر الحديث تزخر بكم هائل من الروايات والنصوص والتعاليم التي لا ترتبط فقط بأحكامها بل تتجاوز ذلك لتسلط الضوء على آدابها أيضا، هذه الآداب التي تشكل مظهرا يختص به المجتمع المسلم.

«إن إحدى الموسوعات الحديثية وهي «وسائل الشيعة» للحر العاملي «توفي سنة 1104 هـ» بلغت فيها أبواب صلاة الجمعة «60» باباً، اشتملت على «356» حديث ورواية.

أما موسوعة «جامع أحاديث الشيعة» فقد احتوت أبواب صلاة الجمعة فيها على «614» حديث ورواية.

ومن خلال التأمل في تلك النصوص الواردة يمكنني القول بكل ثقة وتأكيد: أن الجمعة ترسم وتحدد معالم شخصية المجتمع الإسلامي.

إن بعض علماء الاجتماع قد عرّفوا مفهوم الشخصية على المستوى الفردي بأنه «تنظيم يقوم على أساس من عادات الشخص وسماته، وهي – الشخصية - تنبثق من خلال العوامل البيولوجية والاجتماعية والثقافية».

فلو أخذنا بهذا التعريف للشخصية على المستوى الاجتماعي، لوجدنا أن صلاة الجمعة والآداب المرتبطة بها تشكل تنظيماً وتكريساً للعادات والسمات التي يجب أن يتقوّم بها مجتمع المسلمين، فهي ترسم وجه المجتمع الإسلامي، وتحدد ملامح صورته».

هذا ما استكشفه سماحة الشيخ حسن الصفار من تلك النصوص والأحكام، فاعتمدها مادة في كتاب «الجمعة شخصية المجتمع الإسلامي».

الثراء الروحي:

فيوم الجمعة الذي هو سيد الأيام كما هو لسان الروايات، وهو مشكّلٌ لملامح الصورة الاجتماعية للمسلمين، فهو يوم حركة ونشاط، والروايات تصفه بـ "خير يوم طلعت عليه الشمس"، يعني أن يتعامل المسلم معه " تعاملاً خاصاً مميزاً، يحرص فيه على استثمار ساعاته في أفضل البرامج والأعمال".ص30

وهو من الفرص المميزة للثراء الروحي فـ " إنما تتحقق إنسانية الإنسان بتكامل فضائله الروحية، وحسن صفاته النفسية، فبمقدار ارتقائه الروحي والنفسي تتجلى قيمته، وتتجسد إنسانيته... وتوثيق الصلة بالله تعالى هو منبع الثراء الروحي".ص76

صلاة الجمعة:

ومن الأعمال التي تثري الإنسان روحيا صلاة الجمعة التي عبّرت الآية القرآنية عن الذهاب إليها بـ: ﴿فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ، لتعطي أهمية بالغة لصلاة الجمعة، وقال الإمام الصادق : «ما من قدم سعت إلى الجمعة إلا حرم الله جسدها على النار».

صلاة النوافل:

ومن أعمال يوم الجمعة: صلاة النوافل، والصدقة، قال الإمام الباقر : «إن الأعمال تضاعف يوم الجمعة، فأكثروا فيه من الصلاة والصدقة».

الدعاء:

وكذا من أعماله الإكثار من الدعاء فقد ورد عن أمير المؤمنين : «أكثروا المسألة في يوم الجمعة والدعاء، فإن فيه ساعات يستجاب فيها الدعاء والمسألة...».

الصلاة على النبي وآله:

ويستحب فيه الصلاة على النبي وآله ففي مستدرك الوسائل، عن النبي : «أكثروا من الصلاة عليّ يوم الجمعة، فإنه يضاعف فيه الأعمال».

فرصة للمحاسبة:

ولأن يوم الجمعة فرصة للمراجعة والمحاسبة "لذلك ورد أن من البرامج المستحبة يوم الجمعة زيارة القبور، لما في ذلك من الموعظة والاعتبار.

روي عن النبي أنه قال: «من زار قبر أبويه أو أحدهما في كل جمعة غفر الله له وكتب برّاً»". ص84

سورة الكهف:

وكذا يستحب في يوم الجمعة قراءة القرآن الكريم، فقد "وردت بعض الأحاديث والروايات التي تحث على قراءة بعض السور القرآنية في يوم الجمعة، وخاصة سورة الكهف، حيث جاءت نصوص حول فضل قراءتها في مختلف مصادر الحديث". ص85

فعن الإمام جعفر الصادق «من قرأ سورة الكهف في كل ليلة جمعة كانت كفارة له لما بين الجمعة إلى الجمعة».

"ومعلوم أن سورة الكهف تبدأ بقصة الفتية المؤمنين الذين تحدوا فساد عصرهم، والتزموا إيمانهم، وفروا بدينهم، وكأن قراءتها يوم الجمعة لتذكير الإنسان بهذا الدرس العظيم، ليكون حريصاً على المحافظة على دينه، والابتعاد عن كل الأجواء المنحرفة السلبية". ص86

وما نحتاجه لتكتمل صورة المجتمع الأفضل هو التواصل الاجتماعي الذي يؤدي إلى:

• التقارب النفسي الروحي: قال الإمام الصادق : «من سرّ مسلما سرّه الله يوم القيامة».
• التعاون في تيسير شؤون الحياة، قال تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى.
• خدمة الهدف المشترك، قال الإمام أمير المؤمنين «وعَلَيْكُمْ بِالتَّوَاصُلِ والتَّبَاذُلِ وإِيَّاكُمْ والتَّدَابُرَ والتَّقَاطُعَ».

وهنا سؤال يطرح: كيف يكون الجمعة برنامجا اجتماعيا؟

يجيب الشيخ الصفار على ذلك بقوله: "إن أهم برنامج اجتماعي ليوم الجمعة هو حضور صلاة الجمعة، فهي عبادة اجتماعية بامتياز، حيث يجتمع فيها أهل كل منطقة في مكان واحد، يؤدون صلاتهم خلف إمام واحد، ويصغون إلى خطبتين تتناول شؤونهم العامة، وتوجههم لأهدافهم السامية المشتركة، وتذكرهم بالقيم الدينية التي يؤمنون بها.

فيلتقون مع بعضهم في أجواء طيبة مباركة، يسودها النظام وحسن الأدب. ويمكننا أن نفهم من استحباب السبق إلى المسجد، والمباكرة إليه يوم الجمعة، الحرص على تواجد الناس مع بعضهم لوقت أطول، إضافة إلى فرصة التعبد في المسجد" ص96

ويضيف: لقد "تحدثت النصوص عن بعض تفاصيل مراعاة المشاعر وحفظ الاحترام بين المجتمعين لأداء صلاة الجمعة، مثل كراهة أن يفرق الإنسان بين اثنين فيجلس بينهما، أو يأخذ مكان احد آخر"، فقد «نهى رسول الله أن يقيم الرجل أخاه من مقعده ويجلس فيه، الجمعة وغيرها».

بناء مجتمع سليم:

ومن المسائل التي تبني مجتمعا سليما:

• الترفيه عن الأهل، قال : «أطرفوا أهاليكم كل يوم جمعة بشيء من الفاكهة واللحم حتى يفرحوا بالجمعة».
• إعانة الفقراء، فعن الإمام الصادق : أنه قال: «الصدقة ليلة الجمعة ويومها بألف».

النظافة والجمال:

ومن القيم الدينية التي تتأكد يوم الجمعة النظافة والجمال، فـ "إن الله جميل يحب الجمال، شعار أطلقه رسول الله  وأكد عليه أئمة الإسلام ليكون عنواناً لحياة المسلم في ظل بيئة نظيفة، بمظهر أنيق، وذوق جمالي رفيع.

ويمثّل هذه الشعار قاعدة تشريعية ينبثق منها الترحيب بكل مظاهر الجمال والأناقة ضمن الضوابط الشرعية، كما تدل على رفض أي مظهر للقذارة والبؤس.

ويشير الشعار ذاته إلى فلسفة الاهتمام بالنظافة والجمال، من خلال وصف الله تعالى بالجمال وأنه يحب الجمال". ص107

والنظافة التي هي من الإيمان تعني "نظافة الإنسان من القذارة والدنس في البُعدين المادي والمعنوي". ص111، فالمطلوب من الإنسان أن يهتم بنظافة جسمه، ونظافة بيئته، وأيضا مطلوب منه الأناقة والتجمّل، ويوم الجمعة كما جاء في الروايات هو يوم النظافة والأناقة، قال الإمام الباقر : «لا تدع الغسل يوم الجمعة فإنه سنة».

وورد عن الإمام جعفر الصادق أنه قال: تقليم الأظفار، وقصّ الشارب، وغسل الرأس بالخطمي، كل جمعة، ينفي الفقر، ويزيد في الرزق.

العطورات:

كما حثت الروايات على استخدام الطيب والعطورات فـ"الروائح الزكية العطرة تشرح النفس، وتنعش الأحاسيس والمشاعر، وتريح الأعصاب، روي عن رسول الله أنه قال: «الرائحة الطيبة تشدّ القلب» لذا جاءت الأحاديث والروايات تحث الإنسان على استخدام الطيب، وخاصة في يوم الجمعة، وعند الذهاب إلى أماكن العبادة والاجتماع، وحين التقاء الآخرين.

عن أبي عبدالله الصادق قال: كانت لرسول الله ممسكة – من المسك – إذا هو توضأ أخذها بيده وهي رطبة وكان إذا خرج عرفوا أنه رسول الله لرائحته". ص126

التأكيد على الجمعة:

هذا وقد خصت الأحاديث والروايات يوم الجمعة بالتأكيد على أهمية ارتداء الثياب النظيفة الجميلة فيه، واستخدام مظاهر الزينة والأناقة.

عن هشام بن الحكم قال: قال أبو عبدالله الصادق «ليتزين أحدكم يوم الجمعة، يغتسل ويتطيب، ويسرّح لحيته، ويلبس أنظف ثيابه، وليتهيأ للجمعة». ص128

فهل اتضحت معالم شخصية المجتمع الإسلامي، وتأثير صلاة الجمعة عليه؟

باحث وكاتب من القطيف (تاروت)