الضغوط الاقتصادية وهم المعيشة

مكتب الشيخ حسن الصفار
ألقى سماحة الشيخ حسن موسى الصفار كلمةً ظهر الجمعة 20 جمادى الأولى 1425هـ (9 يوليو 2004م) عقب الصلاة تحدث فيها عن الضغوط الاقتصادية والهموم المعيشية التي يمر بها الكثيرون خصوصاً في هذه الحقبة الزمنية، مما قد يُسبب لدى البعض تأزماً نفسياً يعرقل مسيرته الحياتية، وأشار إلى سبل التقدم المعيشي مؤكداً على ضرورة أن يعمل الإنسان بقدر طاقته لا بقدر حاجته، إضافةً إلى حسن التدبير و تقديم الأولويات.

وفيما يلي نص الكلمة:


هم المعيشة والمسألة الاقتصادية فرضت نفسها على أكثر الناس في عصرنا الحاضر وفي مجتمعاتنا المعاصرة ذلك أن متطلبات الحياة قد اتسعت ، كما أن رغبات الإنسان وتطلعاته للرفاهية ولإشباع الرغبات أصبحت لها فنونٌ للإثارة وللتحريض عبر وسائل الإعلام وكذلك الحالة العامة التي يعيشها الناس، بعكس ما كانت عليه في الماضي. وتركت هذه المسألة أثراً كبيراً على الحالة النفسية عند الناس، حيث يعيش الكثير حالة القلق والكآبة والأرق؛ كما أن هناك تأثيرٌ على الحالة العائلية فتحصل في بعض الأحيان مشاكلٌ بين الزوج وزوجته، أو بين الأب وأفراد أسرته، وكل ذلك بسبب الضغوط الاقتصادية. إضافةً إلى ذلك فإن ترتيب حياة الإنسان من حيث الزواج وتوفير السكن وباقي متطلبات الحياة تواجه حالة إرباكٍ عنيف لذات السبب.

قد تمر هذه الحالة على الأفراد، وأيضاً على المجتمعات، ويتفاوت الأفراد وكذلك المجتمعات في مواجهتهم لمثل هذه الحالة، فهناك من يُضيف إلى الضغوط ضغوطاً أخرى بسبب عدم حسن التصرف.

وهنا نؤكد على نقطتين في مواجهة الضغوط الاقتصادية وهموم المعيشة:

أولاً- التحفيز للإنتاجية والعمل.


الكثيرون يريدون أن يترفهوا وأن تتوفر لهم مختلف الرغبات والتطلعات، لكنهم لا يضغطون على أنفسهم باتجاه الإنتاج والعمل، ويكتفي الكثير بمستوى معين من العمل والإنتاج ويقف عنده، ولا يُطالب نفسه ببذل المزيد من الجهد، وهذا خلاف ما نراه عند الأمم الناهضة.

وهذه الحالة لا تعكس الصورة التي يُريدها الإسلام، فهناك العديد من الأحاديث التي تدفع الإنسان باتجاه العمل والإنتاج، ليس بمقدار الحاجة فقط، وإنما بمقدار طاقة الإنسان. في الحديث عن رسول الله أنه قال: «إن قامت القيامة على أحدكم وفي يده فسيلةٌ يُريد أن يغرسها فليغرسها ولا يقولن قد قامت القيامة»، وقد ورد عن الإمام الصادق أنه قال: «إني لأخرج في حر الظهيرة للحاجة قد كفيتها ولكن أحب أن يراني الله أتعب نفسي في طلب الحلال»، وروى محمد بن عساكر عن أبيه أنه دخل على الإمام الصادق فدفع إليه (1700) دينار، وقال له: اتجر لي في هذا المبلغ، و والله ليس لي حاجةٌ في فوائده، ولكن أحب أن يراني الله أتعرض لفوائده.

هكذا ينبغي للإنسان أن يكدح ويتعب، والفرص في بلدنا متاحة والآفاق مفتوحة، ولكن المشكلة هي أن الكثيرين لا يُريدون أن يتعبوا، والقصص التي يذكرها الكثيرون حول تجاربهم في الأعمال الإضافية التي يقومون بها سوى عملهم الرسمي كثيرة وفيها الخير الكثير، ولا يتطلب ذلك شيئاً سوى بذل الجهد والسعي باتجاه العمل والإنتاج.

ثانياً- حسن التدبير وتقديم الأولويات.


يقول تعالى: ﴿وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً (الإسراء، 29)، في هذه الآية الكريمة نهيٌ صريح عن البخل وفي نفس الوقت عن الإسراف والتبذير أيضاً، لأن ذلك مما يسبب الملامة من قبل الناس، وأيضاً الحسرة والندم على ما فات. ولذلك ورد في الحديث الشريف: «حسن التدبير نصف المعيشة». وقال رسول الله : «إني لا أخاف على أمتي الفقر، ولكن أخاف عليهم سوء التدبير في المعيشة».

فتنظيم الجانب الاقتصادي مسألة مهمة، تُساعد الإنسان على تيسير أمور حياته بنجاح. ولكن تجد البعض يتجه للكماليات متغافلاً عن الأمور الأساسية، وهذا مما يُضعف القوة الاقتصادية عند هذا الصنف من الناس.

وقد نقلت الصحف أن ما يصرفه السعوديون على السياحة الخارجية، كما في إحصائية سنة (2000م) حيث بلغ الإنفاق (14) بليون دولار، تعادل (54) بليون ريال. فالسياحة والترفيه أمرٌ ضروري ولكن لا ينبغي أن يكون على حساب الأمور الأساسية في حياة الإنسان.

ومن جانب آخر الصرف الكمالي الزائد على القضايا الاجتماعية المختلفة كحفلات الزواج وما شاكلها، ويكفي أن نعرف أن استثمارات صالات الأفراح في السعودية تصل إلى (500) مليون دولار، لندرك حجم الصرف على الأمور الكمالية في حياة مجتمعاتنا. وأما عن الطعام في حفلات الزواج فحدث عنها ولا حرج حيث الكثير من الإسراف والتبذير في حين يعيش الكثير من أفراد المجتمع حالة الفقر والحاجة.

هذه الحالة تعيشها المجتمعات العربية والإسلامية بشكلٍ عام، وقد نشرت جريدة الشرق الأوسط تقريراً عن مصر بتاريخ (21/6) يتحدث عن ظاهرة دلع الكلاب في المجتمع الراقي في القاهرة، هذه المدينة التي يوجد فيها حوالي مليون طفل مشردين يتسكعون في الشوراع، و (90%) منهم حفاة. ويقول أحد أصحاب المحلات أن قيمة الطوق الذي يلبسه الكلب يكفي لإعالة عائلة مكونة من خمسة أشخاص لمدة شهرين.

نعم تعيش المجتمعات الغربية هذه الحالات الكمالية، ولكن تلك المجتمعات حاجاتها الأساسية متوفرة، فلا إشكال في الاتجاه نحو الكماليات، بعكس المجتمعات العربية والإسلامية.

لذلك علينا أن نربي أنفسنا وأبناءنا على حسن التدبير، ولا يصح أن يُعطى الولد مساحة كبيرة من الحرية في التصرف بالمال لأن ذلك مما يُسبب في عدم مقدرته على إدارة شؤونه الاقتصادية في المستقبل.

وبإمكانك الاستماع إلى الكلمة عبر الوصلة التالية:

media/ent_friday/1425/14250520.asf