السب والشتم منهجيةٌ خاطئة

مكتب الشيخ حسن الصفار
ألقى سماحة الشيخ حسن موسى الصفار كلمةً ظهر يوم الجمعة الموافق 12 جمادى الآخرة 1425هـ، تحدث فيها عن ضروة اتخاذ منهج التخاطب بأحسن الحديث منهجاً عاماً لحياة البشرية جمعاء وللمسلين بصورة خاصةً ذلك لأن دينهم يأمر بذلك من خلال آيات القرآن الحكيم والأحاديث الشريفة.

وفيما يلي نص الكلمة:

هناك إرادتان متصارعتان في حياة البشر:
الأولى: الإرادة الإلهية، التي تريد للناس أن يعيشوا حياة الوئام والانسجام.
الثانية: الإرادة الشيطانية، التي تريد أن يعيش الناس حالة الاحتراب والشقاق.

إن الله تعالى في شرائعه يوجه الناس إلى ما يُقرب بين قلوبهم، وما يجعلهم يعيشون بشراً متحابين، بينما يُريد الشيطان أن يعيش الناس متحاربين متقاتلين؛ كما يقول تعالى: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ (المائدة، 91).

الإرادة الإلهية التشريعية تتمثل في الكثير من الآيات القرآنية، والنصوص الشرعية، والتعاليم التي تُبعد الناس وتنهاهم عما يُثير بينهم الشقاق والفتن. ومن تلك الآيات الحكيمة قوله تعالى: ﴿وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوّاً مُبِيناً * رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً (الإسراء، 53-54). وقد اختلف المفسرون في المقصود من لفظة ﴿لِعِبَادِي إلى رأيين:

الأول: أن المقصود بها المؤمنون.

الثاني: أن المقصود بها عموم الناس، وهذا الرأي هو الأرجح، فالناس جميعاً عباد الله تعالى.

وفي الآية توجيه صريح، لا غموض فيه، بأن يسلك الناس الخطاب الأحسن في تعاملهم مع غيرهم. وواضحٌ أن الآية تعني العباد الذين بينهم اختلاف، إذ من الطبيعي أن يتخاطب المتآلفوون والمتحابون بخطابٍ حسنٍ فيما بينهم.

ولماذا يُوجه الله تعالى الناس لهذا التوجه؟ الآية الكريمة تبين السبب: ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوّاً مُبِيناً، ذلك لأن الخطاب السيء والانفعالي يُعطي الفرصة المناسبة للشيطان ليزرع الفتنة والشقاق، والخطاب الحسن يُفوّت تلك الفرصة.

من يريد الخير للبشرية، عليه أن يدعو إلى الوئام بين أبناء البشر مهما اختلفوا ومهما تعددت وتنوعت مشاربهم.

والآية الأخرى تلفت إلى حقيقة مهمة جداً، وهي: أن بعض الناس يُجيز لنفسه أن يُسيء القول للآخرين، على اعتبار أن الآخرين أعداءٌ لله، ومطرودون من رحمة الله. وهذه الحالة موجودة عند كثيرٍ من الناس، وتمارس باسم الدين والإسلام؛ سواء كان الآخر على دينٍ آخر، أو على مذهبٍ آخر.

الله تعالى في هذه الآية يُريد أن يُعالج هذه الحالة، بأن يقول للإنسان أنه ليس من حقك الفرز بين الناس من حيث قربهم وبعدهم عن الله تعالى، فالنتائج والعواقب لا يعلمها إلى الله تعالى: ﴿رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً.


هذه هي أخلاق وآداب الإسلام كما تؤكدها آيات القرآن الحكيم: ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً (البقرة، 83). وتؤكدها الأحاديث الشريفة والروايات الواردة عن أهل البيت (عليهم السلام)، ومنها «أن رجلاً أخذ بلجام دابة رسول الله وقال: يا رسول الله ما أفضل الأعمال؟ فقال : ((إطعام الطعام، وإطياب الكلام)) ». «ويقول أمير المؤمنين : ((من عذب لسانه كثر إخوانه))». «وقال سليمان بن مهران -أحد تلامذة الإمام الصادق : دخلت على الإمام جعفر الصادق وعنده جماعة من الشيعة وهو يوصيهم ويقول لهم: ((كونوا لنا زيناً، ولا تكونوا علينا شيناً))، ((قولوا للناس حسناً، واحفظوا ألسنتكم، وكفوها عن الفضول وقبيح القول))».

إذن آيات القرآن الكريم والأحاديث الشريفة والروايات الواردة عن أهل البيت (عليهم السلام) كلها تريد أن تربي الإنسان المؤمن، فضلاً عن عامة الناس، على أن يكون التخاطب فيما بينهم خطاباً حسناً، وليس على أساس السب والشتم والقذف واللعن.

وماذا يُريد الإنسان من الخطاب السيء؟ هل للانتقام من الآخرين؟ ومتى كان السب مؤدياً للانتقام؟ إذا كان الآخر صاحب نفوذٍ وقوة فإن السب والشتم لا يُغير من المعادلة شيئاً.

هل أن السب والشتم والخطاب السيء يُغير الواقع الخارجي؟ هل أن السب والشتم يردع الطرف الآخر؟ متى وجدنا أن أصحاب دينٍ أو مذهبٍ يقتنعون برأيٍ آخر نتيجة السب والشتم لدينهم أو مذهبهم؟ إن المسألة على العكس من ذلك تماماً، إذ أن السب والشتم يؤدي إلى نفور الناس من هذا الدين أو المذهب الذي يسلك أتباعه هذه المنهجية.

إذن سبك وشتمك الآخرين لا يُغير من المعادلة الخارجية، ولا يُؤثر فيهم تأثيراً إيجابياً فيجلبهم إلى رأيك وإلى دينك ومذهبك، بل على العكس من ذلك.

وإضافةً إلى ذلك، فإن الدنيا ليست محصورة فيك وفي المخالفين لك، وإنما هناك رأيٌ عام، وأناسٌ محايدون، ومنهجية السب والشتم تجعل الرأي العام والمحايدين في صف الطرف الآخر.

نعم، هناك شيءٌ يجعل الناس يلجؤون إلى السب والشتم، وهو التنفيس عن الحالة النفسية. والبعض يقول أن هناك فائدة إيجابية، وهي: تحصين الناس من التأثر بالظالم، والانخداع به، وهذا أمرٌ صحيح، ولكن ليس على الدوام، وليس في جميع الحالات والمواقف، ولذلك لا يصح أن تكون سياسة عامة، وإنما نستخدم هذه المنهجية في حالات الاضطرار إليها فقط.

وهذا الكلام يتحقق في الخطاب مع اليهود أو النصارى، فالخطاب السيء المتبع لمنهجية السب والشتم ليس في صالح المسلمين أولاً، ويُنفر الجانب المعتدل من اليهود والنصارى من الإسلام.

والمسألة ليست مسألة أن الطرف الآخر يستحق أو لا يستحق، وإنما المسألة راجعة إلى المصلحة العامة.

ويستغرب الإنسان المسلم حينما يرى هذه الخطابات القرآنية والدينية الواضحة، وفي المقابل غفلة الناس عنها والأخذ بحديث هنا، وروايةٍ هناك، وممارسةٍ هنا، وممارسةٍ هناك، ويُعرضون عن هذا المنهج القرآني العظيم: ﴿وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ، وهذه آية قرآنية محكمة وليست متشابهة حتى يتغافل الناس عن المنهج الذي تُقدمه للبشرية جمعاء.

وحينما نقرأ سيرة أئمة أهل البيت نجد التجسيد العظيم لهذا النهج الرباني، ونجد الالتزام الكامل بأخلاق القرآن وآداب الإسلام، وهم يستقون ذلك من رسول الله فهو قدوتهم ومعلمهم ومربيهم. فكان خطابهم لبقاً جميلاً ليناً.

البعض من الناس يضع هذه المفارقة، فيقول: إن الآخرين لا يُقصرون في سبنا وشتمنا على مختلف المستويات، ولكن هل يصح أن تكون مثلهم، أم الواجب أن تتخلق بأخلاق القرآن؟ فهل يصح منك أن تُخالف أخلاق القرآن نتيجة مخالفة الآخرين لها؟ كلا! إن الواجب على الإنسان المؤمن أن يتمسك بأخلاق القرآن وأن يتمثل بسيرة أهل الهدى والرشاد أئمة أهل البيت ، ونحن نقرأ في سيرة الإمام زين العابدين أن رجلاً كان يشتمه، ولكن الإمام تركه وانصرف عنه، ولكن الرجل لم يكتفِ بذلك وإنما لحق بالإمام وأمسك به، وقال له: إياك أعني! فأجابه الإمام : وعنك أغضي! وشتان بين المنهجين.

وأخيراً فإن الانصياع إلى منهجية السب والشتم انهزامٌ وفشلٌ، ولا يعني سوى أن الطرف الآخر استطاع أن يستدرجك إلى فخه، وأن يُلبسك الثوب الذي هو لابسه. والبطولة هي أن تمسك أعصابك وتتمسك بالهدوء، وأن تلتزم بالتعاليم التي أنت مقتنعٌ بها، والمحاسب عليها من قبل الله تعالى. ولكن هذا –بالطبع- يحتاج إلى إرادة، وإلى رزانة، وإلى بيئة مساعدة ومشجعة.

والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمدٍ وآله الطاهرين.



وبإمكانك الاستماع إلى الكلمة من خلال الوصلة التالي:

media/ent_friday/1425/14250612.asf