المُهِمـَّة: إنقاذُنا!

.. عندما لا نغطي العالمَ حولنا بالصفات والوصمات المسبقة وقوالب الزوايا الحادة سينبلج عالمٌ جديدٌ، جميلٌ متساوٍ مفتوحُ الأفق صافي السماء ونقي الأرض، والحب يسيلُ أنهارا .. ولكنا بتصوراتنا الذهنية المسبقة شوّهنا عالمَنا، وشوهنا عواطفـَنا، فسال الدمُ أنهاراً بالحروب التي أشعلها الإنسان ضد الإنسان، دائما بسببٍ واحد: عاطفةٌ مشوهة نتيجة تصورٍ مُسبَق!

في ديوانية الشيخ "حسن الصفار" بالقطيف دخلتُ وهو يتكلم عن الإخاء فوق تراب واحدٍ تحت سماءٍ واحدة، وتكلم عن صفاء النوايا، وتكلم عن إظهار العواطف الإيجابية والتخلي عن مظاهر العواطف الملتهبة سلبا.

نحن لا نتشارك فقط في قارب واحد، بل في حياة واحدة، وأن التعاضد ليس مسألة اختيار، ولا خيار، بل هو حتمية تفرضها رغبتنا وأمانينا وآمالنا بأن نعيش في أمان شامل .. ولن يكون هناك مواثيق للأمن في المستقبل متى تصدّعنا جُزُرا متباعدة عاطفياً، وكل جزيرة تريد أن تقضي على الجزيرة الأخرى لتستأثر بكامل البحر، رغم استحالة هذا الاستئثار، إلا أنه يبقي احتمال الدمار.

وكان في المجلس الرحب نساءٌ ورجال، والنساءٌ كلهن بحجابٍ صارم أو بالنقاب، وفي صف معتزل عن صف الرجال، إلا أن النساءَ كـُنَّ هن صاحبات المناسبة، وهن موجودات ليعرضنها على الرجل الذي يحترمن ويقدرن، وعلى أصحاب الرأي والتأثير في المجتمع، أما المشروع فهو مشروعٌ وطنيٌ حميدٌ، لم يكن لتوّه سيبدأ بل بدأ، ويبدو أنه حقق ما يهدف عند مَنْ زُرْنَ المشروعَ من نساء الوطن من مثقفات وعاملات اجتماعيات ونابهات فكريات، وهو التقاربُ والتفهم الصحيح.

أما المشروع فعنوانه المرفرف هو: تواصل. مجموعة من نساء القطيف ونواحيها يمددن أياديهن لكل أبناء الوطن كي يتواصلوا ويتحابوا ويعملوا من أجل وطن واحد، لأنه الوطن الذي يعيشون فيه، وفيه سيعيش أولادُهن من بعد.

أعرف أن السيدة "فوزية آل هاني" وصاحباتها اشتغلن على المشروع بجديةٍ من بداياته، ولما كنت في مجلس الصفار والمشروع يعرض أمامَنا بأهدافه وما أنجَز، كن قد مضين في المشروع، وحققن الكثير، وزرنهن سيدات مثلهن من أرجاء البلاد، ومنهن من عبرن عن أن غشاوة رُفعت عن أعينهن عنها حتى رأين بأم العين .. على أي حال السيدات ينادين: "تعالوا وزورونا سواء عن طريقنا، أو حتى بالزيارات غير المعلنة وادخلوا أماكننا واسمعوا خطب شيوخنا واعرفوا ما يدور في طقوسنا، وإن رأيتم أو سجلتم ما يسيء لأصل إسلامي متعمدا أو كشعيرة متبعة فمعناها أن ما قيل عنا وانتشر صحيح، وإن لم تلمسوا شيئا من كل ما أشيع وقيل فستعلمون أنها مجرد تضخيمات وتهويلات تباعد بين أجزاء الأمة .. كل ما نريد أن نتقارب، وأن نتحاب وأن نترك ما يعيق مسيرتنا وتطوير مجتمعاتنا.. نريد أن ننقذنا كلنا..".

قلتُ في مداخلةٍ طلبوها إن هنا وأمامي يتحقق أمران، وأقولها لكم صراحة، فأنتم أقلية ومن طبع الأقلية كما يسجله علم حضارات الإنسان (الأنثربولوجي) هو التذمر ورغبة الانفصال، وهنا تسجلون أمراً تاريخيا تغييرا بأنكم تطلبون التواصل وشد جدار الأمة، وأنتم أيضا الأقلية الأخرى (أي 1×2) في المعنى النفسي والحقوقي هذه المرة كنساء، وكان من حقكن التظلم وطلب الإنصاف، ولكنكن أنتن من سخرتن جهودكن لطلب التحاب والتواصل والتساند وربط أطراف البلاد.. إنه تاريخٌ يُسجَّل.

وكان صديقي و(سِمِيي) نجيب الخنيزي موجودا ضمن أصحاب الرأي وتكلم بفصاحةٍ عن مكوّنات المجتمع، وعن أهمية المرأة السعودية كمكوّن رئيس في بناء الأمة، ولم تتمالك إحدى الحاضرات حماستها فصفقتْ إعجابا.

هل جماعة "تواصل" مقصورة على النساء الشيعيات؟ كان سؤالي، وجاء الجواب حاضرا: "لا، لرجال وكل نساء المنطقة بلا تفرقة، والآن نبحث عن واحدة : أختك أم تمام..".

وكان الجوابُ شافياً!

السبت 19 شعبان 1431هـ - الموافق 31 يوليو 2010 - العدد 6137