جريدة الرياض: الشيخ حسن الصفار وأمريكا والورقة الطائفية

جريدة الرياض سعود عبد الله القحطاني

* إن عدوان الولايات المتحدة على العراق واستمرار احتلالها له، وما رافق هذا الوضع من رعب وإرهاب وانعدام للأمن، يدل على زيف كل الشعارات التي تطرحها أمريكا حول حقوق الإنسان وانتهاك الحريات الدينية.

كان رد الشيخ حسن الصفار على تقرير الخارجية الأمريكية حول الحريات الدينية رداً وافياً وشافياً وصارماً في آن واحد، وقد أوضح في رده حقيقة وقوف جميع المواطنين السعوديين ضد كل تدخل خارجي في شؤون بلادهم.

جاء رد الشيخ حسن الصفار معبراً عن رأي الكثير من اخواننا المواطنين الشيعة في هذه البلاد، والذين يراعون مصالح الوطن والطائفة الشيعية -أيضاً- في نظرتهم للأمور على المستوى البعيد.

والقارئ لتصريح الشيخ الصفار يخرج منه بالحقائق التالية:

1- إن ليس للولايات المتحدة الأمريكية أن تتحدث عن حقوق الإنسان وهي من ترعى العدوان الصهيوني المتكرر في فلسطين.

2- إن عدوان الولايات المتحدة على العراق واستمرار احتلالها له، وما رافق هذا الوضع من رعب وإرهاب وانعدام للأمن، يدل على زيف كل الشعارات التي تطرحها أمريكا حول حقوق الإنسان وانتهاك الحريات الدينية.

والمتمعن بين السطور في خطاب الشيخ يقرأ فيه تلميحاً أن اللعب في الورقة المذهبية لم ينجح في العراق، بل كان فشله واضحاً وذريعاً، ولم يجر على العراق إلا المصائب والويلات.

3- إن العرب والمسلمين يتعرضون لحالات تمييز عرقي وديني في الولايات المتحدة ذاتها.

4- تأكيد الشيخ على رفض المواطنين الشيعة اللعب بالورقة المذهبية في الوطن السعودي، وأنقل هنا كلام الشيخ بالنص لأهميته : (ويهمني أن أؤكد هنا أن المواطنين الشيعة في المملكة العربية السعودية يرفضون التدخلات الأجنبية في شؤون بلدهم، وهم جزء لا يتجزأ من وطنهم، ويرفضون استخدام اسمهم للضغط والابتزاز من قبل أي جهة أخرى).

وإذا كان الشيخ الصفار حازماً في رده ومصرحاً بوطنيته، فإنه كذلك كان واقعياً في تصريحه، حيث بين أن (وإذا كانت لديهم (المواطنين الشيعة) مشكلات فإنهم كبقية مواطنيهم يتواصلون مع حكومتهم لمعالجة هذه المشكلات) فالشيخ لم ينكر وجود بعض المشاكل، والتي لا تخلو منها أمة من أمم العالم أجمع على اختلاف هذه المشاكل، غير أنه أوضح أن حل هذه المشكلات لن يكون عن طريق الأجنبي كائناً من يكون، وأكد على ( ضرورة تفويت الفرصة على الأعداء والطامعين بترسيخ الوحدة الوطنية ومعالجة الثغرات ونقاط الضعف، وأن يأخذ الحوار الوطني مساره الحقيقي في تفعيل الإقرار بالتعددية المذهبية التي أقرتها توصياته، وعدم إتاحة المجال لأي ممارسات و إثارات طائفية لا يستفيد منها إلا الأعداء ) .

حقيقة أنا معجب جداً بكلام هذا الشيخ الجليل، الذي ضرب درساً مجانياً في الوطنية والأخلاق والحصافة السياسية في تصريحه الأخير .

إن المواطن الشيعي هو شريك لأخيه السني في هذه البلاد، يتساوى وإياه في الحقوق والواجبات، ويشترك معه في مصلحة الحفاظ على هذا الوطن موحداً و قوياً كما كان وكما سيكون إن شاء الله .

إن المواطنة حق، ولا يقلل من هذا الحق الصريح اختلاف مذهبي أو إقليمي أو قبلي، فالكل متساوون أمام القانون، وإذا كانت هناك تجاوزات حصلت في الماضيين القريب والبعيد، فلابد من التسليم بأن دولتنا مازالت حديثة نسبة إلى غيرها من الدول الأخرى، كما أن ثقافة التعدد والاختلاف والذوبان في مفهوم الوطن مازالت حتى الآن - ربما - مفهوماً جديداً على عقلية بعض السعوديين.

لقد كان الحوار الوطني -بتقديري- بداية حقيقية ومنذ جلسته الأولى لنشر هذه المفاهيم ومن ثم تطبيقها كما يجب أن يكون على أرض الواقع.

إن الغلو والتطرف والتعصب المذهبي ليسو إلا سماً ينخر في الجسد السعودي، وقد وصف سمو ولي العهد العلاج والترياق في كلمته للمواطنين بمناسبة إعلان موافقة خادم الحرمين على قيام مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني بقوله: (وان شعبنا السعودي لا يرضى بديلا عن الوسطية المعتدلة التي ترفض الغلو والتعصب بقدر ما ترفض الانحلال والإباحية) .

لابد أن نعترف أننا والعالم كله يمر في وقت عصيب نتيجة للأحادية القطبية الحالية، كما أن المتربصين في هذه البلاد كثر، وهم لن يفرطوا في أي ورقة يستغلونها في سبيل زعزعة هذا الكيان الشامخ، وفي ظل موجة الإرهاب الحالية، فلا ورقة لهم يلعبون بها، أفضل من ورقة التعصب الديني و التطرف المذهبي.

إن نتائج اللقاءات الوطنية الأربعة هي في واقع الأمر طوق نجاة لنا في هذا البحر المتلاطم الأمواج، والمرحلة والمصلحة وطبيعة الأمور تقتضي التعجيل بتطبيق توصيات اللقاءات في أسرع وقت ممكن.

إن الغلاة والمتطرفين لن يرضوا بتطبيق مثل هذا الفكر المستنير، وسيقاومونه بكل الطرق، هذا صحيح، وهذا هو ديدن الغلاة في كل زمان وفي كل حين، غير أن للحزم مكانه في مثل هذه الحالة، فما جر علينا تسامحنا مع التطرف إلا كل ويل وثبور، وبمناسبة الحديث عن التطرف، فليت تقرير وزارة الخارجية الأمريكية تحدث لنا عن أثر الجهاد ضد السوفييت في أفغانستان - والذي كانت تدعمه الولايات المتحدة بكل قوتها- على تطرف بعض أبنائنا في الوقت الحالي، والذين كان ثمن تطرفهم باهظا علينا بشكل لا يخفى على أصدقائنا الأمريكيين!

لقد اخترنا في وقت سابق أن نكون أصدقاء لأمريكا، غير أن بعض الأصوات الأمريكية كما نشاهد حالياً تريد أن تضع حداً لهذه الصداقة الطويلة المدى، متجاهلة كون السعودية ثقلا سياسيا ودينيا واقتصاديا، قد يكون له في اختيار أصدقائه خيارات أخرى متى ما استلزمت الظروف مثل هذا الخيار، لا أقول هذا الكلام بسبب تقرير وزارة الخارجية الأمريكية، ولكن أقوله بسبب الأصوات المتطرفة التي أخذت تزايد في حملتها الانتخابية على الوطن السعودي.

لقد تناسى ساسة أمريكا وكما هي عادتهم كل مواقفنا السابقة معهم، وجعلوا من أبراج نيويورك قميصاً لعثمان لا أدري كيف تسرب إلى ثقافتهم، ولكن لماذا العجب؟ فقد علمتنا التجارب أن أمريكا التي نحب ثقافتها في داخل حدودها الإقليمية، تتحول إلى وحش كاسر في خارج حدود هذا الإقليم، فسيادة القانون في الداخل، تتحول إلى تجاهل لكل ماهو شرعي في الخارج، وقيمة الإنسان في الداخل تتحول إلى تحطيم لكل ماهو إنساني في الخارج، هذه هي أمريكا، كما عرفتها.

إن بلادنا مهددة، ويجب علينا أن نقف صفاً واحداً تجاه مثل هذا التهديد، لقد كان رهان بعض العراقيين على التدخل الخارجي رهاناً خاسراً بكل معنى الكلمة، فتحت ظل هذا التدخل احتلت البلاد، واستعبد العباد، ومازال العراق مهدداً بحرب أهلية تأكل الأخضر واليابس في أي وقت.

الوحدة والتلاحم هو خيارنا الوحيد حكومة وشعباً، فهذا الوطن ولد ليبقى، رغم كل المصاعب والتهديدات.