الرؤيــة

عن الشخصية الناجحة في الحياة قال جمع من العلماء هي الشخصية التي تتضح أهدافها وتتخذ السبل الموصلة إليها، فهي تضع هدفاً واضحاً ثم تسعى للوصول إليه، وتسلك السبل المفضية لتحقيقه. وأشار آخرون إلى أنها هي الشخصية التي تكتشف أرضيتها وميولها وتتعامل معها بتنميتها واستنهاضها وتفعيلها لتتحوّل من قوة كامنة إلى فعل حقيقي بناء ومنتج.

كنت قبل أكثر من 4 سنوات أتحدث مع صديق يعمل والده في تجارة الذهب، وهي مهنة مربحة وذات دخل وافر، قلت له: لماذا اتجهت إلى الدراسة الجامعية في (العلوم الطبية) وبين يديك مستقبل من الخير والرزق الحلال؟ أليس الأفضل لك أن تتقن مهنة التجارة في الذهب؟

أجابني بقول قاطع: أنا لا أرى نفسي هنا، وميولي ليست لهذه التجارة مع أني أعرف أن فيها خيراً كثيراً، قلت له:

 

المجتمعات التي لا تأخذ وقتها في استجلاء ودراسة واقعها وتشخيصه بدقة ومهارة وعقل لا تستطيع أن تخدم نفسها، وجُل أعمالها قد تستثمر ضدها، وربما استطاع الآخرون أن يستغلوها لمصالحهم وأهدافهم البعيدة كل البعد عن مصالح هذه المجتمعات وما يرتبط بهمومها.

دوامك طويل، وأوقات عملك متقلبة، فلمَ الشقاء والتعب والخير بين يديك، فأجابني إن راحة نفسي فيما اخترت. الضياع هو مصير الأفراد كما المجتمعات إذا لم تخطط لنفسها، وتعرف ميولها، وتحدد أهدافها، وتتحرّك من وحي تلك الأهداف، وتسير على هديها. إن الانطلاق مباشرة في سياقات البناء والتنمية والتطوير دون تخطيط ومعرفة مخاطرة كبيرة، كما أن الاتجاه لمعالجة المشاكل والأزمات المحيطة بالفرد أو المجتمع مردودها محدود وباهت، ولن يكون مجدياً إذا لم تحدد تلك المجتمعات أهدافها وتعرف على أي أرضية تقف، وضمن أي ظرف تعيش، وإلى ماذا ترمي في بنائها أو علاجها.  التذبذب والانقلاب أثمانهما باهظة ومكلفة في حياة المجتمعات، ولعل من أثمانهما أن تجبرك الظروف على المواصلة حتى آخر طاقة وقدرة وجهد، وإن انقلبت أو توقفت وتراجعت، فالظروف أعقد من لعبة المحافظ والأسهم البنكية التي قد لا تستطيع الانسحاب منها وإن كانت في كل ساعة تخسر وتنتكس. كنت وما زلت أعتقد أن المجتمعات التي لا تأخذ وقتها في استجلاء ودراسة واقعها وتشخيصه بدقة ومهارة وعقل لا تستطيع أن تخدم نفسها، وجُل أعمالها قد تستثمر ضدها، وربما استطاع الآخرون أن يستغلوها لمصالحهم وأهدافهم البعيدة كل البعد عن مصالح هذه المجتمعات وما يرتبط بهمومها. أنهي مقالي بالإشارة إلى أن الرؤية الواضحة تساعد المجتمع في أمر مهم وهو تقريب وجهات النظر بين أطيافه وأفراده ومن ثم التقليل من الاختلافات والتباينات، وإذا ما حصلت تلك الخلافات كأمر طبيعي فإن وضوح الرؤية يساعد الجميع على تجاوز آثارها، لأنهم سيلتمسون العذر لبعضهم، ويردون التصوّرات والمواقف للرؤية والتحليل الذي ينطلق منه كل مختلف، وليس للاتهام والتشكيك والظن المريض.

السبت 11 جمادى الآخرة 1432هـ - 14 مايو (أيار) 2011م - العدد: 13847