الصفّار يرصد حقوق الإنسان في الفقه الإسلامي

صحيفة المدينة نايف كريري - جازان

صدر للباحث والمفكّر الشيخ حسن بن موسى الصفّار كتاب حمل عنوان «موقعية حقوق الإنسان في الفقه الإسلامي»، في إضافة جديدة للصفار حول موضوع حقوق الإنسان التي اهتم به وطرحه عبر عدد من كتبه السابقة. والكتاب في أصله عبارة عن ورقة قدمها المؤلف للمؤتمر الثاني للهيئة العالمية للفقه الإسلامي المنعقد بعنوان «الفقه الإسلامي وتحديات العصر» في الفترة 15-16 ربيع الأول 1430هـ بمدينة اسطنبول. وتحدث المؤلف فيه عن ريادة القرآن الكريم في إعلان حقوق الإنسان والتأسيس لمنظومة متكاملة من المبادئ والمفاهيم والإجراءات التي تقرر تلك الحقوق وتعزز تحقيقها وحمايتها مستشهدًا بعدد من الآيات القرآنية، مستعرضًا نماذج من السنة النبوية في بعدها العملي المتمثل في الممارسة القيادية للرسول والتي خلص المؤلف في نهايتها إلى أن سيرته تعد أفضل نموذج تطبيقي في تاريخ البشرية لمبادئ حقوق الإنسان.

وفي محور «حقوق الإنسان في حياة الأمة» أشار المؤلف إلى الواقع السيئ للأمة الإسلامية وانعكاس ذلك على الجانب الثقافي والمعرفي وتأثير ذلك في الفقه الإسلامي كتضخم أبواب العبادات في مقابل تقلص أبواب السياسات وما يرتبط بالشؤون العامة للأمة أو إلغائها من الدراسة والبحث الفقهي أو خضوع بعض الفقهاء للواقع السياسي وتشكل آرائهم الفقهية وفق هذا الواقع ومثل لذلك ببعض ما جاء في كتاب الأحكام السلطانية للماوردي.

وعن أسباب القصور في الفقه الإسلامي تحدث المؤلف عن تأثير الجانب الذاتي وتسرب الذاتية في العمل الاجتهادي وخصوصًا عند معالجة الواقع الاجتماعي ناقلًا بتصرف -كما أشار- أربعة منابع لخطر الذاتية في الممارسة الاجتهادية وذلك عن كتاب «اقتصادنا» للشهيد السيد محمد الصدر، مشيرًا إلى تناول الشهيد المطهري هذه المشكلة في بحثه عن «الاجتهاد في الإسلام». كما دعا المؤلف في كتابه للتنبيه إلى أن نقد الفقه الإسلامي ليس نقدًا للشريعة أو للدين ذاته وإنما هو نقد لما استنبطه أو فهمه الفقيه والذي هو جهد بشري يحتمل الصواب والخطأ. مشيرًا إلى أهمية ودور النقد في إثراء علم الفقه وأصوله مؤكدًا عدم الاستهانة بجهود الفقهاء وإخلاصهم.

وفي المحور الأخير «حقوق الإنسان بين القرآن والفقه» خلص المؤلف إلى التفاوت الواضح والبون الشاسع بين مستوى الاهتمام القرآني بحقوق الإنسان وبين موقعتيها في الفقه الإسلامي مرجعًا ذلك لخضوع نتائج العملية الاجتهادية للبيئة السياسية والثقافية في مجتمعات الأمة الخاضعة لواقع الاستبداد والتخلف وإلى عدم مواكبة الفقه الإسلامي لتطور مسيرة حقوق الإنسان وتقدمها وتصاعد الاهتمام بها إعلاميًا وشعبيًا حيث أشار المؤلف إلى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وملحقاته التي تحظى بدراسة علمية ناقدة تؤصل مواده وفق موازين الفقه الإسلامي وعدم تبني الفقهاء لحقوق الإنسان كعنوان لباب من أبواب الفقه يبحثون فيه ما يرتبط بجوانب هذه الحقوق من مسائل شرعية. مضيفًا بالإشارة إلى عدم مراجعة الفقهاء الفتاوى والآراء الفقهية التي يبدو منها التصادم مع ما أقرته المواثيق الدولية لحقوق الإنسان على صعيد حرية المعتقد والعلاقة مع الآخر الديني وفي مجال الإدارة السياسية وحول دور المرأة ومشاركتها العامة. ونبه المؤلف إلى عدم تجاهل بعض المبادرات التي قام بها بعض العلماء المفكرين وانعقاد بعض المؤتمرات واللقاءات العلمية لمقاربة موضوع حقوق الإنسان على ضوء الشريعة الإسلامية والمهتمة بهذا الموضوع.

واتفق المؤلف في كتابه مع ما ذكره الشيخ حيدر حب الله في «فقه الجهاد في الإسلام» من أن الفقه الإسلامي، كسائر العلوم البشرية، يحتاج إلى إعادة هيكلة وتبويب كل فترة لتستجيب لطبيعة التطورات من جهة، كما تدفع العلم نفسه نحو المزيد من الإنتاج. مشيدًا بالتجربة الرائدة للفقيه الراحل السيد محمد الشيرازي على هذا الصعيد حيث أفرد في موسوعته الفقهية، أجزاء لعناوين مستحدثة في البحث مثل: فقه البيئة وفقه المرور وفقه العولمة وفقه الاجتماع وفقه السياسة وفقه الإدارة وغيرها.

وفي نهاية الكتاب تمنى المؤلف أن تضع الجهات العلمية والتعليمية والمراكز الدينية مقررًا لتدريس حقوق الإنسان ضمن برامجها الدراسية وأن يشرع الفقهاء بتناول موضوع حقوق الإنسان في أبحاثهم العالية «بحث الخارج» وأن تضم رسائلهم العملية فصلًا حول هذا الموضوع وإعادة بحث المسائل الفقهية التي يبدو منها التعارض مع مواثيق حقوق الإنسان بجرأة وشجاعة، تلتزم بضوابط الشرع، وتتجاوز تحفظات الأجواء الفقهية السائدة والخاضعة لرأي السلف.

«لقراءة الكتاب اضغط هنا»

الأربعاء 6/7/1432هـ - 8/6/2011م - العدد: 17577