الشيخ الصفار يُصدر كتاباً عنوانه: كيف نقرأ الآخر

مكتب الشيخ حسن الصفار

اسم المؤلف: حسن موسى الصفار
اسم الكتاب: كيف نقرأ الآخر
عدد الصفحات: 80 صفحة
الطبعة: الأولى 2004م
الناشر: الدار العربية للعلوم

صدر لسماحة الشيخ حسن موسى الصفار كتاباً عنوانه «كيف نقرأ الآخر؟».

ويتضمن هذا الكتاب نص المحاضرة التي ألقاها سماحة الشيخ حسن الصفار «حفظه الله» في منتدى الدكتور راشد المبارك بالرياض مساء يوم الأحد 20 شوال 1424هـ الموافق 14 ديسمبر 2003م والتي جاءت تحت عنوان «كيف نقرأ الآخر؟».

كما يتضمن هذا الكتاب نص الحوار الذي أجرته مجلة «الجسور» مع سماحة الشيخ حسن الصفار وقد أثار هذا الحوار في وقته صدىً واسعاً وتفاعلاً كبيراً في أرجاء الوطن العربي، باعتباره بادرة غير مسبوقة في تاريخ الصحافة الوطنية وأجواء الحالة الدينية. كما أنه يشكل نموذجاً للمكاشفة والتعارف المباشر من أجل فهم أفضل، وإزالة والإلتباس وسوء الفهم بين أطراف المجتمع.


مقدمة الكتاب:


الجهل بالآخر والقراءة الخاطئة له هي نتاج خلل اجتماعي ثقافي.

فالمجتمع السويّ تعبّر فيه كل الأطراف عن نفسها، وتظهر آراءاها ومواقفها بصراحة ووضوح، حين تتوفر الحرية للجميع، وتتساوى فرص التعبير عن الذات، فتتعرف الأطراف على بعضها بشكل مباشر دون وسائط وحواجز.

أما إذا سادت المجتمع أجواء غير عادلة، وعانت بعض أطرافه من التهميش والتمييز، فستجد نفسها مضطرة إلى الانكفاء والانطواء، مما يفسح المجال لتشويه صورتها من قبل الأطراف ذات المصلحة في تغييبها وتهميشها.

وعلى الصعيد الثقافي فان الثقافة السويّة تدفع نحو الانفتاح على الآخر، والمعرفة الموضوعية له، والتفاعل معه أخذاً وعطاءً، واحترام خصوصياته.

بينما ترفض التوجهات الثقافية التعصبية الاعتراف بالآخر، وتحظر التواصل معه، والانفتاح عليه، وتعمم عنه صورة نمطية مشوهة.

ولأن معظم مجتمعاتنا تعاني من هذا الخلل الاجتماعي الثقافي فإنها تعيش أزمة في المعرفة المتبادلة بين الأجزاء المكونة لوجودها الاجتماعي والوطني.

فقد تجد من يضمهم وطن واحد، أو تجمعهم لغة واحدة، أو ينتمون إلى دين واحد، إذ يتنوعون في توجهاتهم ضمن الإطار المشترك، يعيشون حالة من التباعد والجهل ببعضهم بعضا، فترتسم عند كل طرف صورة غير صحيحة عن الطرف الآخر.

إن الجهل بالآخر والخطأ في قراءته يشكل ظلماً للذات والآخر، حيث يحرم الإنسان نفسه من معرفة الحقيقة ويضللها عن إدراك الواقع، مما يمنعه من التفاعل الإيجابي مع الآخرين.

كما أن ذلك ظلم للآخر بإساءة الظن فيه، وبخسه حقه، وقد يؤسس للحيف والعدوان عليه.

وعلى المستوى الاجتماعي والوطني فإن جهل أطراف المجتمع ببعضها، يؤدي إلى انعدام قدرتها على التعاون والانسجام، ويهدد وحدة المجتمع وتماسكه، ويفتح ثغرة في جدار أمن الوطن واستقراره.

إن التعرف على الآخر الداخلي لم يعد مجرد مسألة ثقافية فكرية، بل أصبح قضية اجتماعية وطنية، تتأثر بها وحدة المجتمع، وترتبط بالاستقرار والأمن الوطني.

لذلك تهتم المجتمعات المتقدمة بوضع برامج وسياسات لاستيعاب كل الشرائح والوجودات التي تشاركها العيش في رحاب كياناتها الوطنية، وإن كانت حديثة الانضمام والتشكل، كالجاليات الوافدة، والمهاجرين واللاجئين، وذلك بالاعتراف بخصوصياتهم، وإتاحة الفرصة لهم للتعبير عن ذاتهم، وتمكينهم من ممارسة حقوقهم المشروعة، ضمن إطار المواطنة، وقوانين اللجوء والإقامة.

يتحدث تقرير صحفي حديث نشرته جريدة الحياة بتاريخ 3 مايو 2004م عن أوضاع المسلمين في السويد تحت عنوان (برنامج ديني مسيحي في إذاعة سويدية يحتفل بعيد المولد النبوي الشريف) بما يلي:

«فوجئ المستمعون عند السادسة إلا ربعاً صباحاً بصوت الشابة ليلى عبده (22 عاماً)، السويدية من أصل اريتري، عبر أثير القناة الأولى في الإذاعة السويدية شبه الرسمية، وهي تقرأ : ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ[1] ، مذكرة باحتفال مسلمي العالم بالمولد النبوي الشريف.

إنها المرة الأولى منذ 74 عاماً التي تخالف فيها القناة الأولى للإذاعة السويدية روتينها الصباحي (صلوات الصباح) المتعلق بالديانة المسيحية وتكسر القاعدة، متيحة لشابة مسلمة أن تقرأ القرآن وتتحدث عن سيرة الرسول لمدة ثماني دقائق على الهواء. تقول ليلى التي كانت في الخامسة عندما هاجرت مع أهلها من اريتريا إلى السويد إن (عامة الناس لا يعرفون المعنى الحقيقي للقرآن. أنا أريد أن أوصل ما قاله الرسول حول كيفية تعامل الناس مع بعضهم بعضاً، إذ أن المواضيع المتعلقة بالأخلاق والمبادئ شبه مختفية في مجتمعاتنا). ليلى المسلمة هي مثال للفرد الملتزم دينياً وفي الوقت نفسه تمكنت من الاندماج في المجتمع السويدي، فهي تعمل سكرتيرة في وزارة الخارجية السويدية لكنها حريصة على أن تصلي خمس مرات في اليوم، إذ أن (الصلاة هي وقت يختلي الإنسان بنفسه ويراجع أعماله، وهذا ما يفعله المسلم).

من الواضح أن هناك رغبة سياسية واجتماعية لإظهار الوجه الإيجابي للجالية المسلمة في السويد، فبعد أحداث 11 أيلول (سبتمبر) 2001 سلطت كل الأضواء على الجالية المسلمة وعلى أعمال الفرد المسلم في المجتمع السويدي. وحصلت أحداث عدة تذكر بالعنف والإرهاب، منها اعتقال أشخاص يعتقد بأن لهم علاقة بتفجيرات مدريد وتفجيرات الدار البيضاء، لذا حرص رئيس وزراء السويد يوران برشون منذ مدة على زيارة المسجد الكبير في العاصمة ستوكهولم وأطلع من القيّمين على المسجد على أوضاع المسلمين، وحرص على التركيز أمام الصحافة على أن (الدين الإسلامي هو ثاني دين في السويد ويجب أن نتعايش مع بعضنا بعضا). وهناك صحف يومية واسعة الانتشار تعمل لإبراز المضمون السلمي الحقيقي للدين الإسلامي من خلال مواضيع اجتماعية وحوارية مختلفة. لكن خطوة الراديو السويدي لها أبعاد اجتماعية إيجابية قد تكون أهم من زيارة برشون للمسجد، فالمعروف إن برنامج (صلوات الصباح) في القناة الأولى مخصص للديانة المسيحية فقط».

وقبل سنوات أعلن مجلس إدارة المدارس العامة في أوكلاند بولاية كاليفورنيا في الولايات المتحدة الأمريكية اعترافه باللهجة العامية التي تستخدم في أحياء السود لغة قائمة بحد ذاتها.

«ففي تصويت تم بالإجماع دعا مجلس إدارة هذه المدارس كل المعلمين إلى تعلم (إنجليزية السود) (بلاك إنغليش).

وهي المرة الأولى في الولايات المتحدة التي يتم فيها رسمياً الاعتراف بلهجة عامية تتميز بشذوذ عن قواعد اللغة. ويشكل التلاميذ السود 53 في المائة من الطلاب الـ 52 ألفاً في المدارس العامة في أوكلاند. وتتميز (إنجليزية السود) المعروفة أيضاً باسم (إيبونيكس) باستخدام أفعال في طريقة خاطئة وازدواجية النفي في الجملة ذاتها.

وأوضحت كاري سيكريت المعلمة في مدرسة بريسكوت أوكلاند أنه قبل اتخاذ هذا القرار كان الأستاذ يطلب من التلميذ الذي يتكلم بلغة (إيبونيكس) أن يترجم ما يقوله إلى اللإنجليزية العادية.

وأرجع المجلس أصل هذه اللغة إلى اللغة التي كان يستخدمها العبيد الذين اقتيدوا إلى الولايات المتحدة من النيجر والكونغو وهي رائجة خصوصاً في أحياء السود الواقعة في وسط المدن الأمريكية.

وأعرب بعض المعلمين عن معارضتهم لهذا الإجراء لأنه في نظرهم سيزيد من التمييز الذي يتعرض له التلاميذ السود. ويرى المعارضون أيضاً أن هذا القرار يشكل اعترافاً بفشل النظام التربوي غير القادر في رأيهم على تلقين اللغة الانكليزية إلى التلاميذ.

في المقابل اعتبر البعض أن هذا الإجراء سيؤدي إلى احترام هذه اللغة التي غالباً ما يسخر منها التلاميذ البيض»[2] .

ويأتي ضمن هذا السياق ما كشفت عنه أخيراً سلطة الادعاء العام الملكية في بريطانيا بتاريخ 1 / 8 / 2004م عن عزمها على إجراء دورات تدريبية عن الإسلام منتظمة للمحامين الذين يشتغلون على قضايا لها جانب ديني، ورأت أن الهدف هو إعداد المحامين وموظفين السلطة نفسها أيضاً للتعامل بطريقة مناسبة مع المسلمين من أصحاب القضايا. وقالت إن الدورة تستغرق خمسة أيام يطلع خلالها المشارك من المحامين على المبادئ الأساسية للدين وأشكال ممارستها في بريطانيا. ونقل عن (شيمص تايلور) وهو متحدث باسم سلطة الادعاء العام قوله: إن الدورة ستساعد المتدربين على اكتساب فهم اشد تفصيلا للدين الإسلامي، مما سيجعلهم قادرين على تفهم سياق العمل والقضايا التي يتعاطون معها بشكل أفضل[3] .

هكذا تهتم المجتمعات الأخرى باحتضان كل أجزائها وشرائحها حتى المستجدة منها، بينما تفشل بعض مجتمعاتنا في الوصول إلى مستوى التعايش والاحترام المتبادل بين أطرافها المتساوية في العراقة والانتماء الوطني، بسبب الاختلاف في بعض الخصائص والتوجهات.

إن مجتمعاتنا بحاجة إلى سياسة جديدة في نمط علاقاتها الداخلية، فإلغاء الآخر وتهميشه وانتقاص حقوقه مرفوض شرعاً وعقلاً، وما يطرح له من تبريرات وأدلة هي مجرد تفسيرات وآراء أنتجتها بيئة سياسية وثقافية غير سويّة لا تثبت أمام البحث والنقد العلمي، على ضوء محكمات القرآن الكريم وثوابت السنة النبوية، ومعالم الشريعة التي توجب العدل، وترفض الظلم، وتنهى عن بخس الحقوق، وتحمي حرية العقيدة وتدعو إلى التعارف والتعاون بين بني البشر.

كما أن واقع العالم اليوم، بمؤسساته الدولية، وشعاراته حول حقوق الإنسان، وسياسات العولمة والانفتاح، لا مكان فيه لهذه التوجهات الاقصائية التعصبية.

وأوطاننا التي تواجه أقسى التحديات تحتاج إلى تلاحم أبنائها وتماسك شعوبها بتنوعاتهم المختلفة.

وأول خطوة على هذا الطريق تكريس نهج الانفتاح والتعارف داخل المجتمع، بأن يقرأ كل طرف سائر الأطراف بموضوعية وإنصاف. وأن يتاح لكل طرف أن يعبر عن ذاته وتوجهاته.

ويجب أن تسهم مناهج التعليم ووسائل الإعلام وجهات التثقيف في انجاز هذه الخطوة التي تأخرت كثيراً، حتى لا نورّث لأبنائنا وأجيالنا القادمة مآسي تخلفنا، وتركة صراعاتنا وخلافاتنا.

وبين يدي القارئ الكريم جهد متواضع للإسهام في هذا المسعى النبيل.

فقد تلقيت دعوة كريمة من الدكتور راشد المبارك للتحدث في منتداه الثقافي الأسبوعي (الأحدية) في الرياض، بتاريخ (20 شوال 1424هـ _ 14 ديسمبر 2003م) واخترت لحديثي موضوع قراءة الآخر، (كيف نقرأ الآخر؟) وجرى حوار طيب بعد إلقاء الموضوع، مع نخبة من المثقفين الذين تفضلوا بالحضور والمشاركة.

ورأيت أن أقدم هذا البحث للطباعة والنشر، وأضفت له حواراً أجرته معي مجلة (الجسور) وأثار صدى واسعاً وتفاعلاً كبيراً في أرجاء الوطن، باعتباره بادرة غير مسبوقة في تاريخ الصحافة الوطنية، وأجواء الحالة الدينية. كما أنه يشكل نموذجاً للمكاشفة والتعارف المباشر من أجل فهم أفضل، وإزالة الالتباس وسوء الفهم بين أطراف المجتمع.

وإني لأرجو الله سبحانه وتعالى أن يوفق الواعين الغيورين على مصلحة الدين والوطن لبذل المزيد من الجهود من أجل نشر ثقافة التسامح والاعتدال، والدعوة إلى التقارب والوحدة.

مع تقديم خالص الشكر والتقدير للأستاذ الفاضل الدكتور راشد المبارك على دعوته الكريمة، التي كانت السبب في إعداد هذا البحث، كما أشكر الإخوة الكرام في إدارة مجلة (الجسور) لمبادرتهم الرائدة وإتاحتهم الفرصة لي للتخاطب مع جمهور قرائهم الكريم.

 

 

وفق الله الجميع للخير والصلاح والحمد لله رب العالمين.

 

 

 

 

حسن الصفار

16 / 6 / 1425هـ

2 / 8 / 2004م






--------------------------------------------------------------------------------

[1] سورة الحجرات الآية 12.

[2] جريدة الحياة: السبت 11 شعبان 1417هـ، العدد 12353.

[3] الشرق الأوسط، جريدة يومية، لندن 2 / 8 / 2004م.