لمحة على خطاب الشيخ الصفار

مصطفى المزعل

يوفر موسم عاشوراء فرصة مميزة للاستزادة الفكرية والثقافية والروحية لدى الناس، ليس فقط حول قضية الإمام الحسين ، بل في شتى جوانب الحياة، سلسلة من المحاضرات المتنوعة يُعدها الخطباء خصيصا لهذا الموسم الإستثنائي لينشرو ما لديهم من علم وثقافة لعامة الناس، وعادة ما تكون مجالس عاشوراء ذات خصوصية مذهبية، أي أن الخطاب المطروح يكون محددا بنطاق ضيق وموجه للمجتمع المحلي وقضاياه، وهو أمر جيد ومطلوب لكن الإستغراق في هذا الجانب وحكر المنبر الحسيني ضمن أطر ضيقة يُعد إضعافا له، فالمطلوب هو تعزيز الخطاب العام الموجه للأمة، والذي يهتم بطرح مواضيع تشغل الرأي العام وتجعل خطابنا يتعدى الأطر الضيقة ليصل لنطاقات أوسع، فرسالة الحسين رسالة عالمية وليست حكرا لطائفة معينة.

خطاب سماحة الشيخ حسن الصفار في موسم عاشوراء لم يخرج عن نطاق قضية الحسين ، لكنه خرج من الحدود الضيقة للمنبر التقليدي، ووجه خطابا مرتبطا بشكل مباشر بثورة الحسين وموجها للأمة يحاكي همومها، ويصب في الوقت نفسه في هم من هموم مجتمعنا وهو الهم السياسي، هذا النهج وهذا الخطاب ليس جديدا على سماحته، فالمتابع لخطبه وكتبه يُدرك تماما أن الطرح الإصلاحي السياسي الهادئ البعيد عن الصدامات الاجتماعية والحكومية هو نهج متأصل في فكره وليس بالأمر الجديد، وإنما أعطى الشيخ هذا العام مساحة أكبر للجانب السياسي وقدم سلسلة من المحاضرات السياسية العميقة بأسلوب سلس تستوعبه الشريحة العظمى من الناس، اختار الصفار الحديث حول مواضيع مهمة على الصعيد السياسي، كالحديث عن الدستور وأهمية فصل السلطات والمجالس النيابية والتمثيل الشعيبي وغيرها من المفاهيم السياسية التي ينبغي على مجتمعات الوطن العربي استيعابها، وخصوصا في ظل الأوضاع السياسية الراهنة التي تتطلب مستوى عالٍ من الوعي إذا ما أرادت المجتمعات الخروج من أزماتها الراهنة لترتقي لمصاف الدول المتقدمة ديمقراطيا، والتي تمتلك مجتمعات مدنية واعية ونشطة، هذه المجتمعات لم تصل لما وصلت إليه بانقلاب عسكري أو ثورة في «يوم وليلة»، بل وصلت بجهود متراكمة وثورة من الحراك الفكري والشاط المدني الذي أفرز مجتمعات ناضجة وواعية بحقوقها وواجباتها السياسية، في مجتمعنا نحن بحاجة ماسة لبذل المزيد من الجهد للرقي بمستوى الوعي السياسي والنشاط المدني.

الخطاب المنبري هو أحد الأدوات المهمة التي يجب أن تُستثمر بالشكل المطلوب لإعطاء المجتمع جرعات ثقافية فكرية في المجال الذي يلامس هموم الناس ويحاكي الأوضاع الراهنة، هذا الخطاب الذي نتحدث عنه يصب في الدرجة الأولى في المجتمعات، لكن الحكومات الذكية هي التي تُنصت بآذان صاغية لآراء المفكرين في بلادها وتأخذ بالنصيحة، خصوصا عندما يتجاورز الخطاب وضع اليد على الجرح إلى توفير علاج لهذا الجرح، فخطاب الشيخ الصفار لم يكتف بالإشارة للخلل، بل تعدى ذلك ليقدم حلول عملية مبنية على تأصيل إسلامي وتجارب ناجحة للمجتمعات المتقدمة ديمقراطيا.