الشيخ الصفار يؤكد أن شخصية السيد المسيح (ع) استثنائية بكل المقاييس

أعده: م/ تركي العجيان

أكد سماحة الشيخ حسن الصفار أن شخصية السيد المسيح، نبي الله عيسى بن مريم ، استثنائية بكل المقاييس، فبداية حياته ونهايتها والمعاجز التي جاء بها كانت استثنائية. ودعى إلى ضرورة الاهتمام بشخصية هذا النبي العظيم، وأعزى السبب في كون الاهتمام بهذه الشخصية خاصاً بالمسيحيين إلى الصراع الذي بين المسيحيين والمسلمين.

وأكد أن الاحتفاء بميلاد السيد المسيح أمرٌ مطلوب ومهم فهذا يُكرّس حضوراً لشخصيته في حياتنا وتخليداً لمواقفه.

جاء ذلك في الخطاب الأسبوعي الذي ألقاه الشيخ الصفار ظهر الجمعة 19 ذو القعدة 1425هـ (31 ديسمبر 2004م).


تحدث الشيخ الصفار في بداية خطابه حول الاحتفاء بذكر ميلاد السيد المسيح نبي الله عيسى بن مريم ، مبتعداً عن الاختلاف الحاصل في تحديد يوم ميلاده، ومؤكداً أن هذا الاختلاف نراه واضحاً حتى مع أعظم شخصية في تاريخ البشرية وهو رسول الله . وأشار إلى أن أغلب المسلمين لا يُعارضون الاحتفاء بهذه الأيام ما عدا الاتجاه السلفي الذي يرى بدعية هذا الاحتفاء وحرمته.

وحول السبب في كون هذا الاحتفاء خاصاً بالمسيحيين، قال الشيخ الصفار: بسبب الصراع بين المسيحيين والمسلمين أصبح الاهتمام بالسيد المسيح خاصية مسيحية، مشيراً أن هذا الأمر متمثلٌ عند المسلمين حيث أن الاهتمام بأهل البيت (عليهم السلام) أصبح خاصاً بطائفة معينة وهم أتباع المذهب الإمامي مع أن موقعية أهل البيت (عليهم السلام) لا يُناقش فيها أحد، وهم محل تقدير واحترام جميع المسلمين، ولكن الصراعات المذهبية أدت إلى هذه الحالة.

وأكد الشيخ الصفار أن الاحتفاء بشخصيات الأنبياء والأولياء مهمٌ جداً، فهذا يُكرّس حضوراً لشخصياتهم في حياتنا ويُخلّد مواقفهم التاريخية.

وأضاف الشيخ الصفار: إن السيد المسيح شخصيةٌ استثنائية بكل المقاييس، مع إيماننا بأفضلية الرسول الأعظم ، مشيراً أن تميز السيد المسيح والخصائص الاستثنائية في شخصيته جعلت هناك أرضية لتأليهه والعياذ بالله، وهذا ما نفاه القرآن الحكيم: ﴿لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنْ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الأَرْضِ جَمِيعاً وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، (المائدة، 17).

ومن أبرز الخصائص الاستثنائية التي أشار إليها الشيخ الصفار:

أولاً- بداية حياة السيد المسيح الاستثنائية.

أكد الشيخ الصفار أن حياة السيد المسيح من بدايتها إلى نهايتها مملوءة بالخصائص الاستثنائية، فقد ولد من غير أب، وتحدث في المهد صبياً، وهذا ما تحدثت عنه آيات القرآن الحكيم في سورة مريم، وأشار الشيخ إلى مفردات تلك الآيات الكريمة. يقول تعالى: ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذْ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَاناً شَرْقِيّاً * فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَاباً فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً * قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنتَ تَقِيّاً * قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيّاً * قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُنْ بَغِيّاً * قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْراً مَقْضِيّاً * فَحَمَلَتْهُ فَانتَبَذَتْ بِهِ مَكَاناً قَصِيّاً * فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْياً مَنْسِيّاً * فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلاَّ تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً * وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً * فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً فَإِمَّا تَرَيْنَ مِنْ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيّاً * فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً * يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً * فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيّاً * قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِي الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً * وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ ‎وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً * وَبَرّاً بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً * وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً * ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ، (سورة مريم، 16 – 34).

ثانياً- نهاية حياة السيد المسيح استثنائية أيضاً.

كما أن بداية حياة السيد المسيح كانت استثنائية كذلك نهايتها، وهذا ما تُشير إليه الآيات القرآنية: ﴿وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً * بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً، (النساء، 157 – 158).

وكذلك ما هو ثابتٌ عند المسلمين من عودة السيد المسيح آخر الزمان وصلاته خلف الإمام المهدي المنتظر (عج)، حيث لم يرد مثل ذلك لسائر الأنبياء.

ثالثاً- المعاجز التي جاء بها السيد المسيح استثنائية.

وهذا ما تشير إليه الآيات القرآنية: ﴿إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنْ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ (110، المائدة).

وأكد الشيخ الصفار أنه إذا لم تكن هناك بصيرة إيمانية فإن الغلو قد يتسرب إلى نفوس الناس، وهذا ما حصل فعلاً مع نبي الله عيسى بن مريم ، وأشار إلى مقال للكاتب محمد المحمود في جريدة الرياض (الخميس: 30 أكتوبر 2003م) تحت عنوان: تأملات في شخصية المسيح، يقول فيه: ((ولو أخذنا من داخل المنظومة الإسلامية مثالا على ذلك، لكان المثال الواضح في موضوعنا: شخصية أمير المؤمنين الإمام علي - عليه الصلاة والسلام - وكيف التف الناس حول هذه الشخصية، مبهورين بعظمتها، إلى درجة أنهم لم يستطيعوا التحكم بعاطفة الإعجاب هذه، فغلوا فيها حتى بلغوا بها درجة الألوهية. إن هذا الانبهار الغالي - على بطلانه في غلوه، وليس في انبهاره - لم يأت من فراغ، ولم تكن الشخصية نمطية، ولا ذات صفات يسهل اجتماعها في شخص واحد، وبهذا لم يكن عبثاً، ولا مصادفة إن كان علي بن أبي طالب - عليه الصلاة والسلام - من بين جميع الصحابة، بمن فيهم آل البيت - عليهم الصلاة والسلام - هو الشخصية التي انبهر بها الناس من ناحية، ومن ناحية أخرى انقسموا إزاءها فرقاً، فكانت شخصية يتمايز بها الحق من الباطل)).

واختتم الشيخ الصفار خطابه بالدعوة إلى دراسة شخصية السيد المسيح في جميع أبعادها التي تحدثت عنها الآيات القرآنية تفصيلاً، مؤكداً أن المكتبة الإسلامية تشكوا من ضعفٍ كبير في هذا الجانب فالكتب والأبحاث والخطابات حول شخصية هذا النبي العظيم قليلة جداً، مؤكداً أن شخصيةً كهذه الشخصية الاستثنائية ينبغي أن تحظى باهتمامٍ كبير لا أن يقتصر الاهتمام بها بحدود المسيحيين، مما قد يُسبب خسارةً كبرى للأمة.