الشيخ الصفار يستأنف دروسه الفقهية بدعوة إلى الالتزام بجوهر الأحكام الدينية

مكتب الشيخ حسن الصفار
أعده: هاني الشبيب

استأنف سماحة الشيخ حسن الصفار دروسه الفقهية في مجلسه بقضية اجتماعية هامة تشكل محوراً رئيساً في العلاقة بين الزوجين، وذلك مساء يوم الخميس 14 صفر 1426هـ الموافق 24 مارس 2005م.

استفتح سماحة الشيخ درسه بالآية الكريمة: ﴿وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النَّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لَّتَعْتَدُواْ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلاَ تَتَّخِذُوَاْ آيَاتِ اللّهِ هُزُوًا وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِّنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُم بِهِ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (231) سورة البقرة.

بادئ ذي بدء.. تحدث سماحة الشيخ عن مضامين الآية الكريمة قائلاً : أنها تتحدث عن قضية هامة ترتبط بفك العلاقة بين الرجل وزوجته، هذه العلاقة التي هي من أشد العلاقات التي تنعقد بين طرفين في هذه الدنيا، وقد عبر عنها القرآن الكريم في آياتٍ كثيرة تعبيراً خاصاً كقوله تعالى:﴿وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا (21) سورة النساء، مشيراً إلى أن الآية الكريمة قد عبرت عن هذه العلاقة بالميثاق الغليظ. فحينما يحدث لأي ظرف من الظروف أو سبب من الأسباب ما يقتضي فصل هذه العلاقة يعبر عن هذا الأمر بالطلاق.

مبيناً أن أصل الطلاق في يد الرجل إلا في حالات معينة يكون باستطاعة المرأة أن تطلب الطلاق وهي مبينة في الفقه الإسلامي كما أن الحاكم الشرعي يقف بصف المرأة حين تكون محقة.

ثم تطرق سماحة الشيخ في الحديث عن ما ينبغي على الشخصين المنفصلين من انفصالٍ بمعروف أو بإحسان، وأن الإحسان أعلى مرتبة من المعروف.

ثم قال " ومن المؤسف جداً أنه في كثير من الأحيان تكون حالة الطلاق، حالة انفصال سيئة خلافٌ لما يؤكد عليه القرآن الكريم وهذا خللٌ كبيرٌ ".

واستطرد سماحته في توضيح الأحكام الشرعية وما يترتب عليها عند المرأة التي تعتد والمرأة التي لا عدة لها قائلاً : " فالمرأة بعد أن تطلق تعتد إذا كانت غير صغيرة، والمرأة الصغيرة غير البالغة، وعقد عليها ثم طلقت لا عدة عليها، واليائس المطلقة لا عدة لها، وكذلك المرأة غير المدخول بها ليس لها عدة، فبمجرد أن يحدث الطلاق يعتبر طلاقاً بائناً وهذه صورٌ مستثناة، وفي غير هذه الحالات المرأة تعتد وعدتها ثلاثة أطهار (ثلاثة قروء).و المرأة الحامل عدتها وضع الحمل.

ثم بين سماحة الشيخ أنه ما دامت المرأة في العدة فيحق للرجل أن يرجعها ﴿أو سرحوهن بمعروف ، ثم أشار إلى معنى التسريح في اللغة العربية أصله ترك الدابة في المرعى تأخذ حريتها، كما أنه يستخدم أيضاً في حالة ترك طرف لآخر بدون قيد أو شرط ، ثم تساءل عن معنى ﴿لا تمسكوهن ضراراً لتعتدوا ؟ حيث أجاب سماحته: أن هناك من يحاول الإضرار بزوجته في آخر يوم لها من عدتها بغية الإهانة أو الإضرار بها كما تشير إلى ذلك جملة من الروايات، مشيراً إلى قول الإمام الصادق : الرجل يطلق حتى إذا كادت أن يحلّ أجلها راجعها ثم طلقها، يفعل ذلك ثلاث مرات فنهى الله عز وجل عن ذلك، وهدف هذا الإضرار في كثير من الأحيان لتصفية حسابات قديمة بينه وبين زوجته، والقرآن يحذر من هذا الأمر ﴿ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه ، وما يحدث - في بعض الأحيان - من محاولة البعض بالانتقام أو تصفية حسابٍ ما، مع الطرف الآخر ظناً منه أن انتصار، بينما هو في حقيقته عدوان وظلم للنفس.

بعد ذلك لفت سماحة الشيخ الحضور إلى نقطة هامة جداً في إشارة للآية الكريمة ﴿ولا تتخذوا آيات الله هزواً متسائلاً : ما معنى قوله تعالى : تتخذوا آيات الله هزواً ؟
فأجاب أن الهزو أو الهزء لغة: هو الاستهانة والاستخفاف، فتارة يكون الهزو بشخص معين أو الاستخفاف والاستهزاء بجماعة بداعي المزاح والسخرية أو بداعي التوهين والتكذيب، وكلا الأمرين حرام لما يسببه من خللٍ في العلاقات الاجتماعية وتفكك للمجتمع.

وتارة يكون الاستهزاء بأفكار وعقائد وتشريعات، فالآية الكريمة تتحدث عن الاستهزاء بالمفاهيم والقوانين الدينية، فكيف لمسلمٍ أن يتخذ آيات الله هزواً ؟ والخطاب في الآية الكريمة موجه للمسلمين.

فأجاب : أن المتأمل في الآية الكريمة وما شابهها من الآيات كما يبدو، أن الاستهزاء بمفاهيم الدين وأحكامه، معناه التحايل على الأحكام والتشريعات وذلك بالتظاهر بالإيمان بها والسير عليها، لكنه في واقع الأمر يخالف هذه الأحكام ويفرغها من محتواها، ففي قضية الطلاق على سبيل المثال يعلق الرجل زوجته، مدعياً أنه يستخدم حقه الطبيعي وما ينص عليه الشارع المقدس، لكن غرضه أو غايته – في ذاته - الإضرار بها لا الرجوع إليها.

وشدد سماحته على حرمة هذه الأمور شرعاً وإن كانت بصبغة شرعية، كما أنه ضرب أمثلة توضيحية أخرى تحدث في المجتمع كقضية الخمس والزكاة وما يحدث من البعض من تلاعب بأحكام الدين فقبل أن يحل رأس سنته وقبل حلول الحول، يهب الرجل ماله لشخص آخر لمدة معينة حتى إذا جاء وقت الخمس لا يدفع شيئاً، وكذلك في الحج حال استطاعته يهب أمواله إلى أخيه أو أي شخص آخر بغرض التهرب من الفريضة، متناسياً أن الله يعلم السر وأخفى، وهذا مصداقٌ من مصاديق اتخاذ آيات الله هزواً، وفي الختام دعا الحضور سماحته إلى الالتزام بجوهر المفاهيم الدينية وليس الحالة الشكلية وإفراغ المفاهيم من مضامينها، وبعد ذلك أتاح المجال لأسئلة الجمهور الكريم الذي تفاعل بشكلٍ إيجابي مع هذه القضية الهامة التي تمثل حالة مرضية.