(وتقول أم الفضل في حديثٍ آخر دخلت يوماً بالحسين (ع) على رسول الله (ص) ووضعته في حجره، فحانت مني التفاتة فإذا عينا رسول الله (ص) تهريقان الدموع. فقلت: يا رسول الله مم بكاؤك؟ ماذا أغضبك؟ قال: أخبرني جبرئيل (ع) أن أمتي ستقتل ابني هذا! قلت: ابنك هذا؟ فقال (ص): نعم وقد أعطاني قبضة من تربته الحمراء).

هذا الحديث"/>

تأملات في مولد الإمام الحسين (عليه السلام)

مكتب الشيخ حسن الصفار
أمّ سماحة الشيخ حسن موسى الصفار "حفظه الله" جموع المصلين اليوم الجمعة الموافق 5 شعبان 1423هـ في مسجد سماحة الشيخ علي المرهون حفظه الله بالقطيف. وبعد الصلاة ألقى سماحته كلمةً عنوانها « تأملاتٌ في مولد الإمام الحسين » وقد افتح سماحته الكلمة بحديث عن «أم الفضل «وهي لبابة بنت الحارث زوج العباس بن عبد المطلب عم رسول الله » قالت: دخلت على رسول الله ذات يوم فقلت: إني رأيت حلماً منكراً. فقال : وما رأيت؟ فقلت: إنه شديد! فقال : وما هو؟ قلت: رأيت كأن قطعةً قد قُطعت من جسدك فسقطت في حجري. فقال : خيراً رأيت ستلد فاطمة غلاماً فيكون في حجرك. وماهي إلا أياماً حتى ولدت فاطمة بالحسين فكان في حجري.»

«وتقول أم الفضل في حديثٍ آخر دخلت يوماً بالحسين على رسول الله ووضعته في حجره، فحانت مني التفاتة فإذا عينا رسول الله تهريقان الدموع. فقلت: يا رسول الله مم بكاؤك؟ ماذا أغضبك؟ قال: أخبرني جبرئيل أن أمتي ستقتل ابني هذا! قلت: ابنك هذا؟ فقال : نعم وقد أعطاني قبضة من تربته الحمراء.»

هذا الحديث ورد في عدة مصادر من مصادر المسلمين وبأكثر من جهة: الحاكم النيسابوري ذكره في ثلاثة موارد، والألباني في موردين، وكذلك ذكره أحمد بن حنبل في مسنده وكثيرون. وقد ذُكر هذا الحديث عن جملة من الشخصيات الذين عاصروا الرسول الأكرم رجالاً ونساء: الإمام علي ، ومعاذ بن جبل، وأنس بن مالك؛ وأم الفضل، وزينب بنت جحش، وعائشة بنت أبي بكر ، كلهم ذكروا أنهم رأوا رسول الله يتألم ويبكي لشهادة الإمام الحسين في يوم ولادته المباركة.

كيف نقرا التاريخ؟


ثم تحدث سماحة الشيخ "حفظه الله" عن أهم مشكلة في قراءة التاريخ وهي أن يُتعامل مع التاريخ تعاملاً انتقائياً فتجد أن جهةً ما تُضخم حدثاً معيناً لا لشيء وإنما لأنه يتناسب و أفكارها وتوجهاتها وتتغافل عن الأحداث الأخرى وإن كانت لها أهمية بالغة تفوق ما كانت تُضخمه. وهذا الأسلوب في قراءة التاريخ خطأ وإنما المطلوب قراءة التاريخ قراءة موضوعية غير انحيازية تأخذ الحدث ضمن حجمه الطبيعي.

حادثة فريدة من نوعها


وفي هذا الإطار تحدث سماحة الشيخ عن الحدث التاريخي الذي جرى في يوم ولادة الإمام الحسين وكيف أن الرسول الأعظم بكى وتألم في ذلك اليوم الميمون في حين أنه كان من المتوقع أن تغمر الفرحة قلبه . وتساءل سماحته عن معنى هذا الحدث، وماذا يمكننا أن نستشف منه. وتحدث سماحته في ذلك ضمن ثلاث نقاط:

أولاً- فيما يرتبط بالإخبار عن المغيبات.

في هذه النقطة تكلم سماحة الشيخ عن أن الرسول في هذه الحادثة تحدث عن أمرٍ سيقع بعد 56 سنة، وحدد الشخصية والمكان ومع من سيكون الحدث.

وأضاف سماحته: إننا نجد في القرآن الحكيم آياتٍ تتحدث عن علم الغيب وأنه مقتصرٌ ومحصورٌ في الله تعالى إلا أن يتفضل الله تعالى على عباده بشيءٍ من ذلك، يقول تعالى: ﴿عالم الغيب لا يُظهر على غيبه أحداً إلا من ارتضى من رسولٍ .... وبالطبع فإن رسول الله في مقدمة الذين أطلعهم الله على غيبه، وقد أطلع هو بأمر الله الأئمة على ذلك.

ثانياً- الموضوع يُثبت أهمية الشخص والحدث.


في هذه النقطة تحدث سماحة الشيخ عن أن حديث الرسول المتكرر في أكثر من موضع وأمام أكثر من شخص يدل على أهمية الشخص وهو الإمام الحسين وكذلك أهمية الحدث وهو مقتل الإمام الحسين فهو حدثٌ مميز ومهم واهتمام الرسول الأعظم به قبل وقوعه بأكثر من نصف قرن دليلٌ واضحٌ على أهميته.

وقال سماحة الشيخ: نحن من اهتمام الرسول الأعظم كان اهتمامنا بهذه الحادثة ومن يستفهم عن التفاعل الكبير الذي يُبديه مجتمعنا مع هذه الحادثة فليتوجه باستفهامه لرسول الله لأنه قد تفاعل واهتم بالحدث قبل وقوعه بأكثر من نصف قرن.

ثالثاً- الاهتمام بمستقبل الأبناء.


وفي نهاية المطاف تكلم سماحة الشيخ عن أننا يمكننا أن نلمح من هذا الحدث أهمية الاهتمام بمستقبل الأبناء وخصوصاً في هذا العصر الذي أصبح فيه مستقبل الناشئة فيه كثير من الغموض.

وقال سماحة الشيخ نحن نجد في الدول المتقدمة كيف أنهم يُبدون اهتماماً بالغاً بمستقبل أبنائهم سواءً التعليمي أو المهني، وأيضاً تجد أن الوزارات في تلك الدول لا تهتم بالأمور الآنية فقط، وإنما تسخر جهوداً كبيرةً للتخطيط للمستقبل وللتطوير.

وقال سماحة الشيخ: إن الأمر لا يقتصر على الدول وإنما يتعداه للعوائل إذ أنه ينبغي على كل أسرة أن تؤمن مستقبل أبنائها، وأن تفكّر في ذلك من يوم الولادة.

واختتم سماحة الشيخ حديثه بقوله: إن هذه الحالة يُفترض أن تكون متأصلةً في المؤمن إذ أن بنيته الذهنية يُفترض فيها أنها غير محدودة بأمور الدنيا الفانية وإنما تتعداها إلى ما بعد الدنيا، إلى الآخرة؛ يقول تعالى: ﴿ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، وجاء في الحديث: «من لا معاش له لا معاد له»، وجاء في حديثٍ آخر: «من كان عن أمر دنياه عاجزاً فهو عن آخرته أعجز». كل هذه النصوص الدينية تزرع في نفس المؤمن التفكير إلى ما بعد الوقت المعاش وأن لا يبقى المؤمن في حدود ساعته وزمانه.


  • والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين.