كيف نستثمر المال قبل فقده؟

مكتب الشيخ حسن الصفار

﴿وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ[سورة الأنعام، الآية:49].

هناك حقيقة مهمة غالبًا ما تغيب عن أذهان البشر رغم إدراكهم ومعايشتهم لها، وهي أنّ كلّ الإمكانات المادية الموجودة تحت أيديهم، إنّما هي إمكانات مؤقتة زائلة لا محالة. ذلك أنّه وبالرغم من وضوح كثير من الحقائق أمام الإنسان، إلّا أنّه يتجاهلها ويتجاوزها، في سلوكه وتعامله، غفلة أو استرسالًا مع الأهواء والرغبات، ومن تلك الحقائق، ما يُعنى بعلاقة الإنسان بما تحت يده من المصالح والمكاسب، من قبيل الثروة والممتلكات والمناصب والجاه. فجميع هذه الإمكانات، ليست مضمونة الدوام للإنسان، ولا الإنسان مضمون الدوام لها، وإنّما العلاقة بينه وبينها علاقة مؤقتة محدودة، يجهل الإنسان تمامًا وقت نهايتها.

ولا حاجة لمزيد من الاستدلال على حقيقة الافتراق المحتوم بين الإنسان وإمكاناته، لشدة وضوحها. فلطالما رأى الجميع كم أنّ كثيرين كانت تحت أيديهم إمكانات ثم فقدوها، من الصحة والثروة والمنصب. سيما وقد رأى الجميع في عصرنا الراهن، أشخاصًا كانت بيدهم كلّ وسائل القوة والسلطة والثروة، فإذا بعضهم بات بين عشية وضحاها خلف قضبان السجون، وآخرون باتوا مطاردين يبحثون عن ملاجئ لهم، ليس على صعيد الحكّام وأعوانهم وحسب، وإنّما حتى على مستوى الناس العاديين من التجار والأثرياء ورجال الأعمال، كما جرى في العراق وسوريا وليبيا، الذين كانوا منعّمين إلى أن استعرت مناطقهم بالحروب والاضطرابات، ليضطروا للخروج من مناطقهم، والعيش في الخيام تحت وطأة الحرّ الشديد والبرد القارس، فهؤلاء الملايين من اللاجئين لم يكونوا كلّهم فقراء معدمين، وإنّما هناك من بينهم من كانوا من الأثرياء والمقتدرين، ولكن دارت بهم عجلة الزمان.

وحتى لو لم تأتِ الحوادث والنكبات على ما تحت يد الإنسان، وبقيت عنده كلّ الإمكانات، فهل يضمن لنفسه البقاء حارسًا عليها إلى الأبد؟ أم أنّ من المحتوم أن يفارقها، ليكون بذلك أمام حتميتين، إمّا أن يذهب المال عنه، أو يذهب هو عن المال.

القلق ليس مطلوبًا بل حسن التصرف

إنّ النصوص الدينية كثيرًا ما تركز على حقيقة مفارقة الإنسان لما تحت يديه. لا لكي يعيش الإنسان قلقًا مضطربًا، فالحياة القلقة خلاف ما أراده الله تعالى القائل:﴿أَلَا بِذِكْرِ اللَّـهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ، وإنما يأتي استحضار هذه الحقيقة، لكي يحسن الفرد التعامل مع ما تحت يده من إمكانات. قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَىٰ كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ، والخطاب موجّه هنا للراحلين لعالم الآخرة، عند الاحتضار، ونزع الروح عن الجسد، وأول لحظات دخول عالمهم الجديد. فقد جاء الإنسان إلى الحياة الدنيا فقيرًا ضعيفًا عاجزًا، لا يستطيع أن يدفع عن نفسه مكروهًا، ولا يكسب لها شيئًا، حتى إذا حانت ساعة الخروج منها، يكون في حالة أشدّ من الأولى. فإذا كان في استقباله ساعة ولادته أجواء من حنان الوالدين وعطفهما، حيث الأم الحنون والأب الشفيق، فمن يكون إلى جانبه ساعة يدلى في حفرته يوم موته، أوَليست هذه حالة من الضعف أشدّ وأقسى من الأولى؟ هذا هو المصير الذي ينتظر كلّ إنسان، وهذه هي الحقيقة التي ستصدم كل أحد ذات يوم، حتى لو أمعن في تجاهلها أمدًا طويلًا، لذلك فليستعد، وليتهيأ لتلك الساعة.

ينبغي أن يدرك الإنسان أنّ ما تحت يديه ليس ملكية ذاتية له، وإنما هو مخوّل فيه من قبل الله تعالى. لذلك جاء في الآية الكريمة قوله تعالى: ﴿وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ، وفي ذلك إشارة إلى أنّ الأموال والأملاك ليست ملكية ذاتية للإنسان، بقدر ما هي أموال أعطاه الله تعالى التخويل فيها، أي منحه حقّ التصرف فيها. ولا يظنّن أحدٌ أن تلك الأموال جاءته عن استحقاق ذاتي، وإنما هو تخويل من الله تعالى له، وفي لحظة ما ينزع منه هذا التخويل، حتى يغدو فجأة غير مخول التصرف في كلّ ما جمع وراكَمَ طول حياته.

إنّ إدراك الحقيقة السابقة على نحو جيّد، يعني أن يبادر الإنسان إلى حسن التصرف في الأموال والممتلكات التي بين يديه. بأن يسرع في الاستفادة منها، وأن يتمتع بالخير الذي أعطاه الله إيّاه، لا أن يسترسل في اللهث خلف مراكمة الثروة والممتلكات، فيعيش لاهيًا بتصاعد أرقام أرصدته المالية في البنوك، على حساب استمتاعه بحياته وأمواله. إنّ هذا لا يعني في المقابل أن يتكاسل الإنسان عن كسب الرزق، حيث جاء عن رسول الله : «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ يَرَى عَبْدَهُ تَعِبًا فِي طَلَبِ الْحَلَال»[1]  ، ولكن إذا لم تنعكس هذه الأموال والإمكانات على حياة الإنسان، فما الفائدة منها؟

وإنه ليصدق في بعضهم قول أمير المؤمنين في البخيل: «يَعِيشُ فِي الدُّنيا عَيْشَ الفُقَراءَ، وَيُحاسَبُ فِي الآخِرَةِ حِسابَ الأَغِنياء»[2]  ، فلا يتمتع هؤلاء بالخير الذي وهبهم الله إيّاه من جهة، ومن جهة أخرى يحاسبون في الآخرة على كلّ مثقال ذرة من ذلك الخير، وفي المقابل ورد عن الإمام الصادق : «لَا خَيْرَ فِيمَنْ لَا يُحِبُّ جَمْعَ الْمَالِ مِنْ حَلَالٍ يَكُفُّ بِهِ وَجْهَهُ وَ يَقْضِى بِهِ دَيْنَهُ وَ يَصِلُ بِهِ رَحِمَهُ»[3]   فالإنسان يجمع المال من الحلال لينفقه على نفسه وأهله.

الاستمتاع بالثروة والخير

هناك نصوص دينية كثيرة تحضّ الإنسان على الاستمتاع بما عنده من الخير. وإلّا ما المسوّغ في أن يلهث المرء خلف جمع الأموال والممتلكات على مدار الساعة، ثم لا يستمتع بها، ولا يمتّع بها عائلته والمحيطين به، إنّ التصرف على هذا النحو يأتي مناقضًا لصميم النصوص الدينية، كقوله تعالى: ﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّـهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ، أوَليس في هذا دعوة صريحة لأن يستمتع المرء ويمتّع من حوله بما عنده من الخير؟ وجاء عن الإمام الكاظم أنّه قال: «إنَّ عِيالَ الرَّجُلِ اُسَراؤُهُ، فَمَن أنعَمَ اللّه ُ عَلَيهِ نِعمَةً فَليُوَسِّع عَلى اُسَرائِهِ، فَإِن لَم يَفعَل أوشَكَ أن تَزولَ تِلكَ النِّعمَةُ»[4]  .

أما الأمر الثاني، فإنّ على الإنسان أن يحوّل الثروة غير المضمونة التي بين يديه إلى ثروة مستقبلية مضمونة. فإذا ما كان الإنسان متيقّنًا من أنّه سيذهب عن هذه الثروة أو تذهب عنه، وهناك طرق لتحويل هذه الثروة إلى معين مستقبلي لا ينضب، فَلِمَ لا يفعل ذلك؟.

وفي مثال بارز على هذا، ما تمتلكه بعض الدول من صناديق سيادية، يكمن غرضها الأساس في تعظيم الثروات الوطنية لاستثمارها مستقبلًا، وعلى غرار ذلك يستطيع الفرد فعل الشيء نفسه مع ثرواته الشخصية ليستفيد منها دائمًا وأبدًا، في دنياه وآخرته، وذلك من خلال الإنفاق منها على أمور الخير، وعلى كلّ ما ينفع الناس، ويعمر الحياة، وهذا هو الاستثمار الأمثل للثروة والإمكانات، فذلك ما يهب الإنسان الأجر والثواب من ربّ العالمين، ويبقي له الذكر الجميل بين الناس، أما الحرص الشديد على حفظ المال، فإنّ مصيره الفراق عن مالكه، شاء الإنسان أم أبى، ولطالما رأى الجميع كيف فارق الكثيرون ثرواتهم وممتلكاتهم مرغمين.

الادّخار للآخرة

وقد وردت نصص دينية كثيرة تحث الإنسان على حسن التصرف في أمواله حتى تنفعه في دنياه وآخرته. جاء عن رسول الله أنه قال: «إن لك في مالك ثلاثًا شركاء: أنت، والتّلف، والوارث، فإنِ استطعت أن لا تكون أعجزهم فافعل»[5]  ، وورد عن أمير المؤمنين أنه قال: «خَيرُ مالِكَ ما أعانَكَ على حاجَتِكَ»[6]  ، كما ورد عن الإمام الحسين أنه قال: «مالُكَ إن لَم يَكُنْ لَكَ كُنتَ لَهُ، فلا تُبقِ علَيهِ فإنّهُ لا يَبقى علَيكَ، وكُلْهُ قَبلَ أن يَأكُلَكَ»[7]  ، إنّ الإنسان مخيّر بين أن يجعل المال في خدمته، أو يصبح هو خادمًا وعبدًا للمال، فيبذل في توفيره ومضاعفة أرقامه كلّ وقته وأعصابه، ليخرج في النهاية خالي الوفاض. والحال أنّ الإنسان هو من يجب أن يسخر المال لخدمته لا العكس. قال أمير المؤمنين: «إنَّ خَيرَ المالِ ما أورَثَكَ ذُخرًا وذِكرًا، وأكسَبَكَ حَمدًا وأجرًا»[8]  .

من هنا نخلص إلى أنّه في الوقت الذي يشجع فيه الدين الإنسان على الكسب الحلال، فإنه لا ينفكّ يذكره بحقيقة الفراق الحتمي بينه وبين ثروته وممتلكاته، لا ليحبط معنوياته، وإنّما ليدفعه نحو صرف ثروته في المصارف الصحيحة، من خلال التوسعة على عياله وأقربائه، وإفادة مجتمعه، وخدمة دينه، وإحياء القيم النبيلة، ومن دون ذلك لا قيمة للمال والثروة.

 

الخطبة الثانية: اليوم العالمي للعدالة الاجتماعية

 ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ[سورة الحديد، الآية:25].

ينال مفهوم العدالة الاجتماعية قسطًا وافرًا من الاهتمام، ضمن أروقة الدارسين والمنظرين، ودوائر صنع القرار عبر العالم. وبمناسبة اليوم العالمي للعدالة الاجتماعية، المصادف للعشرين من فبراير من كلّ عام، الذي أعلنته الأمم المتحدة سنة 2007، تحث الأمم المتحدة في هذه المناسبة، مختلف الحكومات، ومنظمات المجتمع المدني، ووسائل الإعلام، على طرح وتعزيز مسألة العدالة الاجتماعية، والاجتهاد في الدعوة إليها، وتحقيقها في مجتمعاتهم.

الحقوق وتساوي الفرص

ويتلخّص مفهوم العدالة الاجتماعية، في أن تتمتع كلّ طبقات وأفراد المجتمع بحقوق وفرص متساوية. حيث يمكن أن يطال غياب العدالة الاجتماعية الأفراد تارة، فيعشيون مظلومين مهمّشين، وتارة أخرى ربما أرخى بظلاله القاتمة على فئات اجتماعية واسعة، ليعيش جميع أفراد هذه الفئة حالة من التهميش والحرمان، من حقوقهم الطبيعية.

وبذلك تعني العدالة الاجتماعية أن يعيش الجميع متساوين في الحقوق وفرص الحياة الحرّة الكريمة، فلا يكون هناك تهميش لأحد، ولا محاصرة أو تقليص لفرصه في التمتع بالحقوق الأساسية في الحياة. كما تعني التوزيع العادل للثروة والموارد، إضافة إلى وجود الضمان الاجتماعي للحالات الخاصة، من شرائح كبار السن، والمرضى، وذوي الاحتياجات الخاصة. فلا يكون هناك في المجتمع فئة أو شريحة أو طبقة، تعاني التهميش والعيش كمواطنين من الدرجة الثانية؛ نتيجة لانتمائها العرقي أو الديني أو الجنسي، وتقتضي العدالة الاجتماعية أيضًا، ألّا تعيش فئة في المجتمع حالة من الدونية الحقوقية والاقتصادية، كالنساء، والعمالة الوافدة.

العدالة هدف الأنبياء

إنّ العدالة الاجتماعية بالمعنى الشامل لها، تمثل هدف الرسالات السماوية. ذلك أنّ أنبياء الله لم يبعثوا لإشاعة الأجواء العبادية والروحية في مجتمعاتهم وحسب، وإن كان من صميم مهمتهم الرسالية توجيه الناس نحو عبادة الله، غير أنّ الاستهداف الأساس لهم أن تهيئ هذه العبادة الناس لإقامة العدل فيما بينهم، في شتى مجالات الحياة، قال تعالى: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ، فقد جاء أنبياء الله بالبينات لا بالادّعاءات المجردة، وعضدوا رسالاتهم بالأدلة والبراهين، بعيدًا كلّ البعد عن الخرافات والأوهام والشعارات. وشفعوا دعواتهم بالميزان، في إشارة إلى إقامة العدالة بين الناس، الذين هم شركاء جميعًا في هذه الحياة، قال تعالى: ﴿وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ، لذلك لا يصحّ أن تستأثر فئة بإمكانات وامتيازات الحياة، على حساب الفئات الأخرى.

لا استقرار ولا أمن في غياب العدل

ويمثل تحقيق العدالة ضمانة لاستقرار الحياة الاجتماعية، وأمن الأوطان. حيث إنّه من البديهي جدًّا، إذا ما شعرت فئة بالتهميش على خلفية انتمائها العرقي أو الديني، فإنّ هذه الفئة لا محالة ستتحرك من أجل نيل حقوقها المشروعة، أسوة بباقي الفئات، وربما اندفعت للخوض في ممارسات تخلّ بالأمن والاستقرار. إنّ توفر العدالة هو عامل رئيس هام لحماية المجتمعات من الاضطرابات، وحالات التمرد، وارتفاع نسب الجريمة، والإخلال بالأمن. وهذا ما التفتت إليه الدول والمؤسسات المتقدمة التي تعتقد، أنّ تفاقم الاضطرابات وتزايد حالات الإخلال بالأمن، المتمثل في ارتفاع نسب العنف والجريمة، ينبغي أن يوازيه البحث الجدّي عن الأسباب أولًا، والمرجح أن يكون في طليعتها التهميش، وغياب العدالة الاجتماعية لدى الفئات الضالعة في حالات الإخلال بالأمن، لذلك يمثل محيط التجمعات والأحياء الفقيرة المهمشة، التي تتفشى فيها البطالة والفقر والأزمات، يمثل البؤرة المناسبة والبيئة الحاضنة لمختلف الأزمات.

إنّ معالجة الظواهر السلبية الناتجة أساسًا عن غياب العدالة الاجتماعية، لا يكون من خلال الإجراءات الأمنية فقط، وإنما عبر التنمية المتوازنة، ومعالجة مشاكل الناس. إذ إنه ما لم تتم معالجة الأرضية لنشوء الظواهر السلبية فإنّ ذلك نذير باستدامة هذه الحالات، حيث لن يقدم القمع الأمني حلًّا جذريًّا للمشكلة، كما يمكن أن يتخيّل البعض. ذلك أنّ البيئة الحاضنة ستبقى ولّادة لحالات العنف والإجرام، وهذه سنة الحياة في كلّ المجتمعات.

من هنا ينبغي الوقوف على أسباب الاضطرابات المشتعلة في العالم العربي في الآونة الأخيرة. ولعلّ جانبًا من الأسباب الرئيسة يكمن في الإخفاق في تحقيق التنمية، واستمرار حالات التهميش والحرمان. وطبقًا للتقارير الدولية، هناك ما يربو على 100 مليون إنسان في العالم العربي تحت خطّ الفقر، أي إنّ ثلث المواطنين العرب هم من الفقراء، فما المتوقع من هذا العدد الهائل من البشر الذين يرزحون تحت خطّ الفقر، وهم يعيشون في بلدان حباها الله بالثروات والموارد الطبيعية الهائلة، أوَليس الحالة المتوقعة هي نشوء ظواهر التمرد وحالات الإجرام والإخلال الأمن؟ من هنا ينبغي في سبيل الحدّ من هذه الظواهر أن يجري تحقيق التنمية العادلة في البلاد العربية، مقدمة لتحقيق الاستقرار، والنأي بشعوبها عن الاضطرابات.

إنّ المسلمين الذين يولون اهتمامًا كبيرًا ببناء المساجد وإقامة العبادات، وإحياء شعيرة الحج، ينبغي أن يعلموا بأنّ الهدف الرئيس من الدين هو إقامة العدل بين الناس. فما الجدوى من إقامة ملايين المساجد في البلاد الإسلامية، في حين يرزح مئات الملايين من المسلمين تحت خطّ الفقر والتمييز والحرمان؟

والمأمول أن يثير الاحتفاء باليوم العالمي للعدالة الاجتماعية، التفكير في تحقيق العدالة، بالالتفات إلى المناطق المهمّشة الفقيرة في بلادنا. لأنّ الأرضية الخصبة لكلّ أشكال التمرد والعنف هي الفقر وغياب التنمية العادلة المتوازنة، وبدون ذلك لن نستطيع السيطرة على الظواهر السلبية التي تهدّد مجتمعاتنا، والهبوط بحالات العنف والتمرّد إلى أدنى مستوياتها.

خطبتي الجمعة 1 جمادى الأولى 1436هـ الموافق 20 فبراير2015م
[1] كنز العمال، ج4، ص4، حديث9200.
[2] عيون الحكم والمواعظ، ص٣٣٠.
[3] وسائل الشيعة، ج١٧، ص٣٣، حديث 1.
[4] من لا يحضره الفقيه، الشيخ الصدوق، ج٤ ص402، حديث5867.
[5] كنز العمال، حديث 16147.
[6] بحار الأنوار، ج٧٥ ص١٢.
[7] بحار الأنوار، ج٦٨ ص٣٥٧.
[8] عيون الحكم والمواعظ، ص١٥٣.