سماحة الشيخ الصفار يتحدث عن دور المسجد في حياة المجتمع الإسلامي

مكتب الشيخ حسن الصفار
أعدّ التقرير: أ. تركي العجيان.

تحدث سماحة الشيخ حسن الصفار في خطابه الأسبوعي عن دور المسجد في حياة المجتمع الإسلامي، مؤكداً أهمية المسجد وإعماره، وقال فيه حديثه: إن لإعمار المسجد جانبان: الإعمار المادي، والمعنوي، مضيفاً أن الإعمار المادي يتمثل في: بناء المساجد، وتهيئة وسائل الراحة فيه، وتنظيفه، وصيانته، وفيه ثوابٌ كبير. وأما الإعمار المعنوي فيتمثل فيه الأدوار الثلاثة الرئيسة للمسجد، وهي: المهمة الروحية، المهمة الثقافية والتعليمية، والمهمة الاجتماعية. مدعّماً حديثه بالنصوص القرآنية وأحاديث الرسول الأعظم ، ومؤكداً على ضرورة التعاون الإيجابي من أجل تحقيق الإعمار المعنوي للمسجد من خلال أدوارة الرئيسة.

كان ذلك في الكلمة التي ألقاها سماحة الشيخ الصفار ظهر الجمعة 27 ربيع الأول 1426هـ (6 مايو 2005م).

وهذه فقرات من هذا الخطاب:

قال الله العظيم: بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللّهَ فَعَسَى أُوْلَـئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ (التوبة، 18).

الحديث حول: دور المسجد في حياة المجتمع الإسلامي، بمناسبة إعادة تجديد بناء مسجد الفتح بالقطيف.

المسجد جزءٌ أساس من تركيبة المجتمع الإسلامي، فمن الأيام الأولى التي جاء فيها رسول الله للمدينة المنورة، وعمل على بناء المجتمع الإسلامي، كان المسجد أول عمل اتجه الرسول والمسلمون لإنجازه. بل حتى قبل أن يدخل المدينة حين إقامته في قبا لأيام قلائل، ومع ذلك أسس فيها المسجد المعروف (مسجد قبا). وتُشير السيرة الشريفة أن رسول الله كان يشارك المسلمين بنفسه في بناء المسجد.

من هنا كان للمسجد أهميته في حياة المجتمع الإسلامي، فحيث ما كان هناك مسلمون وإن كان عددهم قليلاً، لابد وأن يحرصوا على بناء مسجد. لماذا؟

كل إنسان له بيته الذي يُمارس فيه حياته الخاصة والشخصية، ولكن من أجل أن تتوثق الصِّلات بين الناس، ومن أجل أن يُديروا ويُمارسوا شؤونهم العامة، يحتاجون إلى مكانٍ مشترك، غير الأمكنة الخاصة لكل واحدٍ منهم، فأراد الله تعالى أ، يكون هذا المكان المشترك منسوباً إليه سبحانه وتعالى، فكان هو المسجد: ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً (الجن، 18).

والمسجد مكان عام موقوفاً وقفاً عاماً للمسلمين. وكما نعلم أن الوقف نوعان: وقف عام، ووقف خاص، لفئة من الناس. في الأشياء العامة يجوز التخصيص في الوقف، ما عدا المساجد إذ لا يصح وقفها بوقف خاص. وقد اختلف الفقهاء في مسألة تحقق الوقف أم لا، قسمٌ منهم قالوا بإلغاء الوقفية، وقسم آخر بصحة الوقف وبطلان التخصيص.

وردت أحاديث كثيرة تؤكد على فضل وأهمية بناء المساجد وإعمارها، كالنص المشهور في كتب الحديث السنية والشيعية، عن رسول الله أنه قال: «من بنا مسجداً ولو كمفحص قطاء، بنا الله له بيتاً في الجنة». وهناك أحاديث كثيرة بهذا المضمون في كتب الحديث عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام).

الآية الكريمة التي بدأنا بها الحديث تؤكد أن إعمار المساجد شرف كبير، لا يناله ولا يتستحقه كل إنسان، إنما من كان يحمل صفات خاصة فإنه يستحق هذا الشرف والتوفيق، ﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللّهَ فَعَسَى أُوْلَـئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ.

لإعمار المساجد جانبان:

الجانب الأول- الإعمار المادي: ويتمثل في بناء المساجد، وتهيئة وسائل الراحة فيه، وتنظيفه، وصيانته، وفي هذا الجانب ثوابٌ كبير.

والمسجد مسؤولية الجميع، مع وجود جهة خاصة قائمة عليه، إلا أنه ينبغي أن يشعر كل مسلمٍ بمسؤوليته تجاه المسجد. وفي ذلك حكمٌ شرعي، فلو دخل أحدٌ مسجداً ورأى فيه نجاسة، فيجب عليه أن يُبادر إلى إزالتها قبل أن يُصلي، إلا مع تضايق وقت الصلاة.

ووردت في هذا الجانب أحاديث حول نظافة المسجد، وكان المؤمنون الأخيار في مختلف المناطق يحرصون على أن يكون لهم دورٌ في نظافة المسجد. ويتضح هذا جلياً في الأماكن المقدسة: الكعبة المشرفة، ومراقد الأئمة (عليهم السلام) فتنظيف هذه الأماكن المقدسة ميزة لا تُعطى إلا لكبار الشخصيات، وكذلك هناك روايات حول إضاءة المسجد، كل ذلك لبيان أهمية الإعمار المادي للمساجد.

الجانب الثاني- الإعمار المعنوي: للمسجد ثلاثة أدوار رئيسة، وينبغي التعاون من أجل إعمار المسجد ضمن هذه الأدوار المتعددة.

الدور الأول: المهمة الروحية، بأن يكون المسجد منبعاً للإلهام الروحي، ولتوثيق العلاقة مع الله سبحانه وتعالى، بإقامة الصلاة، وتلاوة القرآن، وبقراءة الأدعية، والأعمال الأخرى المختلفة.

علينا أن نعمّر المسجد، بحيث أن الداخلين إلى المسجد، يخرجون وروحهم أكثر ارتباطاً وصلة بالله سبحانه وتعالى. ورد في الحديث: «من مشا إلى مسجد يطلب الجماعة، كان له بكل خطوة سبعون ألف حسنة»، وقال رسول الله لأبي ذر: «يا أبا ذر من جلس في مسجد منتظراً العبادة والصلاة، كان له بكل نفسٍ يتنفسه درجة في الجنة، وكانت الملائكة تُصلي عليه مادام في المسجد».
والتعاون في هذا الجانب يكون بالحضور والمشاركة والتفاعل والتشجيع على مختلف الأعمال والنشاطات التي ترتبط بهذا الجانب.

الدور الثاني: المهمة الثقافية والتعليمية، ففي المسجد يسمع الناس تفسير القرآن، وفيه يتعلّم الناس الأحكام الشرعية، ويطلعون على مفاهيم دينهم. ويتحقق ذلك بالسماع أو عبر مختلف الوسائل: توزيع الكتب، والأشرطة، والأقراص المدمجة، وبمختلف الوسائل التي ترفع ثقافة الناس من خلال المسجد. وكم هو جميل أن يُبادر البعض إلى طباعة إحدى الكتب القيمة وتوزيعها على مرتادي المسجد تعزيزاً للدور الثقافي للمسجد.

الدور الثالث: المهمة الاجتماعية، فالمسجد مكان يتعارف فيه أحباب الله على بعضهم بعضاً، وخاصةً إذا كانوا من أماكن متعددة، فمن فوائد المسجد التي يؤكد عليها الحديث الشريف: «ما زار إنسانٌ مسجداً إلا واستفاد إحدى خصال: أخاً مستفاداً في الله، ...» وكم من العلاقات والصداقات تكونت من خلال المسجد، وهي من أفضل الصداقات والعلاقات.

وفي ختام حديثه شكر سماحة الشيخ الصفار الأخوة المؤمنين الذين بادروا إلى تجديد بناء مسجد الفتح واستحداث طابق ثان ليستوعب المصلين، مذكّراً بتاريخ هذا المسجد المبارك حيث كانت صلاة الجماعة والدروس والمحاضرات فيه منذ عام 1395هـ هي البيئة التي تربى من خلالها طلائع الصحوة الدينية في مجتمع القطيف.

وفق الله المؤمنين لإعمار بيوت الله بالبناء والهدى، إنه ولي التوفيق، والحمد لله رب العالمين.