سماحة الشيخ الصفار يدعو لممارسة التفكير

مكتب الشيخ حسن الصفار
أعدّه: أ. تركي العجيان

دعا سماحة الشيخ حسن الصفار لممارسة التفكير واستخدام العقل، مؤكداً أن خاصية التفكير هي أهم تجلٍ لنعمة العقل، وأن هناك تفاوتٌ بين أبناء البشر في استخدام عقولهم وتفكيرهم، وذلك لسببين: الأول ذاتي، والآخر بيئي. وأضاف سماحته: إن الإسلام يُربي الإنسان على التفكير في كل شيء، مستعرضاً جملة من آيات القرآن الحكيم والروايات والنصوص التي تؤيد ذلك.

وعن العوامل التي تُنمي حالة التفكير عند الإنسان، قال سماحته: هناك عدة عوامل أهمها: الالتفات إلى إمكانية الفكر، الثقة بالنفس، النشاط، البيئة.

كان ذلك في الخطاب الأسبوعي لسماحته، والذي ألقاه ظهر الجمعة 5 ربيع ثاني 1426هـ (13 أبريل 2005م)، في مسجد الفتح بالقطيف.

وهذه فقراتٌ من هذا الخطاب

منح الله تعالى الإنسان قدرة التفكير وهي أهم تجلٍ لنعمة العقل، وقد تُستخدم الكلمتان على نحو الترادف، فيُقال العقل ويُقصد به الفكر، ويُقال التعقل ويُقصد به التفكر، وبالعكس.

والفكر هو أن يتأمل الإنسان، ضمن عملية داخلية، الأمور والأشياء لكي يتخذ موقفاً تجاهها. والتفكير مطلوبٌ من الإنسان، كما أن، كل عضوٍ من أعضاء جسم الإنسان له نشاط، وله وظيفة يؤديها، فإن وظيفة عقل الإنسان الأساسية هي التفكير، لإدراك الأمور.

والتفكير يكون في أبعادٍ مختلفة: فقد يكون التفكير في القضايا النظرية الفكرية، لاتخاذ رأيٍ معين، وتبني فكرةٍ معينة. وقد يكون التفكير في القضايا العملية، تجاه حدثٍ معين، أو تجاه شخصٍ معين.

بعض الناس لا يستخدمون تفكيرهم، وهم قلة من البشر، وهؤلاء ينطبق عليهم قول القرآن الكريم: ﴿إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً. وهناك قسمٌ من الناس يُفكّرون في كلّ شيء، وهم قلة أيضاً. الأكثرية من الناس يستخدمون عقولهم وتفكيرهم في بعض الأشياء دون بعض، وفي بعض القضايا دون بعض.

وللتفاوت بين أبناء البشر في استخدام عقولهم وتفكيرهم سببان:

الأول: ذاتي، يرجع للإنسان ذاته، فكلما كان الإنسان أكثر تقدماً وتطوراً، كان أكثر استخداماً لعقله وفكره.

الثاني: البيئة التي يعيش فيها الإنسان، فبعض البيئات تدفع الإنسان للتفكير، وبعضها تقمع حالة التفكير عند الإنسان.

ففي المجتمعات المنفتحة يرى الإنسان نفسه مندفعاً نحو التفكير، لأنه دائماً يُطرح امامه أكثر من خيار، وأكثر من رأي، فيجد نفسه مندفعاً لتبني هذا الرأي أو ذاك، وهذه الفكرة أو تلك.

ولكن في مجتمعاتٍ أخرى ليس هناك أمام الإنسان سوى رأي واحد، وبذلك يُلغى دور العقل.

فمثلاً في بعض الدول العربية هناك انتخاب لرئيس الجمهورية، وفي الدول المتقدمة كذلك، ولكن الفارق أن في تلك المجتمعات أمام الإنسان أكثر من مرشح فيستخدم الإنسان عقله وتفكيره لاختيار من يُرشحه، أما في بعض المجتمعات العربية ليس أمام الإنسان سوى مرشّح واحد فقط، وبذلك أفرغ مضمون الترشيح من محتواه فبقي الاسم فقط.

وكذلك الحال بالنسبة للآراء والأفكار، في بعض المجتمعات يجد الإنسان محفزاً للتفكير، لوجود آراء مختلفة ومتعدد، وفي بعض المجتمعات تكون هذه الحالة عقيمة.

الإسلام يُربي الإنسان على التفكير في كل شيء. فعلى الإنسان أن يسعى لكي يكون له رأيٌ في كلِّ شيء، بحيث لا يسير إلا على هدى، يقول تعالى: ﴿وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ. ولذا نجد أن آيات القرآن الكريم تحض على التفكير: ﴿أفلا يتفكرون، ﴿أفلا يتدبرون، ﴿وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ، ﴿لعلكم تتفكرون، ﴿لعلكم تتذكرون.

والأحاديث والروايات في هذا الجانب كثيرة، فعن الإمام الصادق أنه قال: «تفكّر ساعة خيرٌ من عبادة سنة».

ومن الناحية العملية نجد أن الإسلام يُوجب على الإنسان البالغ أن يؤمن بأصول الدين عن اقتناع لا عن تقليد. وبالتالي ينبغي على الإنسان أن يُعمل فكره وعقله حتى يصل إلى قناعة عن طريق الدليل والبرهان في جميع الأصول العقدية. أما في المسائل الفقهية فباعتبار أنها كثيرة وأدلتها تحتاج إلى نوع من التفرغ والبحث، لم يوجب الله تعالى على كل الإنسان أن يكون له رأي في كل مسألة من المسائل الفقهية. ولكن إذا استطاع الإنسان أن يُكوّن له رأياً في جميع المسائل الفقهية عبر الاجتهاد والاستنباط فهو أفضل. وناقش العلماء: أيهما أفضل العمل بالاحتياط أم بالاجتهاد؟ والرأي الذي توصل إليه المحققون هو أن العمل بالاجتهاد أولى من العمل بالاحتياط.

هناك مجموعة من العوامل تُساعد الإنسان على أن يستخدم التفكير، أو يتعوّد على التفكير. ذلك لأن التفكير مهارة أكثر من كونه علم يُدرس، وكما قال أحد الباحثين: ربما تجد عالماً ولكنه لا يُفكّر. والمهارة تنمو بالممارسة، فكلما مارس الإنسان عملية التفكير أكثر قوي فكره وتمرّست عنده حالة التفكير. أما إذا لم يتعوّد أن يُفكّر، عندها تُصبح عنده حالة كسل وخمول ذهني.

ما هي العوامل التي تُنمي حالة التفكير عند الإنسان؟


أولاً- الالتفات إلى إمكانية الفكر.

ينبغي على الإنسان أن يلتفت دائماً إلى استخدام عقله في أي شأنٍ من الشؤون. البعض من الناس يغفلون عن إمكانية عقولهم فيسترسلون في الحياة دون أن يكون لفكرهم وعقلهم دورٌ حاضر في حياتهم، وهذا خطأٌ كبير.

ومن الملاحظ أن كثيراً من الناس يعجزون حتى عن أبسط الأمور كاستخراج المسائل الفقهية التي تعصف بهم من الرسالة العملية، فتجدهم يتصلون بأحد المشايخ لكي يأخذوا جواب مسائلهم الفقهية، وبذلك يُضيعون على أنفسهم فرصة التعرف على لغة الرسالة العملية، ومواقع المسائل الفقهية فيها، وقد لا يكون من تتصل به من المشايخ حاضراً وبذلك تبقى في جهل بالمسائل. إضافةً إلى ذلك تتوفر المسائل الآن في أقراص مدمجة وبإمكان من لديه توجه في هذا الجانب استخدام هذه الوسيلة المتطورة، المهم أن لا يبقى الإنسان في جهل أو عجز عن بلوغ ما يريد.

ثانياً- الثقة بالنفس

هناك قسم كبير من الناس لا يرى نفسه أهلاً للتفكير في بعض المجالات، وهذا خلاف الحق، إذ أن أكبر قضية يُمكن أن يُفكر فيها الإنسان وهي وجود الله –سبحانه وتعالى- لم يجعلها الله تعالى لفئة دون أخرى، بل أوجب على جميع خلقه أن يُفكّر فيها ويتخذ قراراً ذاتياً فيها.

نعم هناك قضايا تخصصية، وهنا ينبغي الرجوع فيها للمتخصصين، وحتى في المسائل التخصصية فإن طريق الوصول إليها بحاجة إلى تفكير، وكمثال إذا كنت مريضاً فإنك لا تمتلك القدرة على التفكير في العلاج، ولكن ينبغي عليك التفكير في طريق العلاج.

إذن يبغي أن تكون للإنسان ثقة بنفسه، فالله تعالى منحه عقلاً، وعليه أن يُفكّر ويُعمل عقله في مختلف الأمور التي يواجهها.

ونحن نجد الآن في الولايات المتحدة الأمريكية، وهي أكبر دولة في العالم، ولكن مختلف فئات الشعب الأمريكي، وفيهم أناس عاديون، يُشاركون في انتخاب رئيس هذه الدولة العظمى، ولا يحجم أحد عن ذلك بحجة أنه ليس أهلاً لذلك.

وكذلك الحال بالنسبة للدستور الذي تُقرّه أي حكومة لإدارة الدولة، فمن الملاحظ أنه في الدول المتقدمة يُقر هذا الدستور بموافقة الشعب عليه، ولا يقولن أحدٌ أنا لا أستطيع أن أعطي رأياً في دستور الدولة، بل الكل يُشارك ويُدلي برأيه، موافقةً أو اعتراضاً.

وفي سيرة الرسول الأعظم والأئمة (عليهم السلام) نجد أن أناساً عاديين يسألون رسول الله أو الإمام أسئلة استفهامية على أحكام شرعية أنزلها الله تعالى، ومع ذلك يُجيبهم الرسول أو الإمام بكل رحابة صدر، وفي ذلك دليلٌ على أنه من حق الإنسان أن يُناقش، ويعترض لمعرفة الحقيقة.

ثالثاً- النشاط

التفكير عملية ليست بسيطة، وهي بحاجة إلى نشاط ذهني كبير، فإذا كان الإنسان مصاباً بكسل في هذا الجانب فإن عملية التفكير عنده تكون صعبة. ولذا نجد أن القيادات التي تُدرك حجم المسؤولية التي تتحملها، تأخذ مسألة التفكير من جهدهم الشيء الكثير، ذلك لأن التفكير ليس شيئاً بسيطاً. ومثاله الفقيه الذي يستنبط حكماً شرعياً، كيف تأخذ هذه المسألة من جهده ووقته، يُقلّب الآراء، ويجمع المعلومات، فالتفكير يحتاج إلى بذل جهد، حيث تحتاج العملية إلى جمع معلومات حول الموضوع المراد التفكير فيه، إذ كلما كانت المعلومات أكثر كان التفكير أصوب، وبذلك يكون النشاط والتحرك الجاد مهماً جداً في مسألة التفكير.

رابعاً- البيئة

أحياناً تكون البيئة مشجعة على تفعيل عملية التفكير للمنتمين إليها، وأحياناً يكون العكس.

والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمدٍ وآله الطاهرين