سماحة الشيخ الصفار يستضيف سماحة الشيخ المبارك

مكتب الشيخ حسن الصفار
زار سماحة العلامة الشيخ حميد المبارك، رئيس محكمة الاستئناف الجعفرية في مملكة البحرين، مجلس سماحة الشيخ حسن الصفار، ليلة السبت 27/3/1426هـ (6 مايو 2005م)، وحضر اللقاء جمع من العلماء والخطباء وطلبة العلوم الدينية من القطيف والإحساء وافتتح اللقاء فضيلة الشيخ محمد عبد العال مقدماً شيئاً من السيرة الذاتية للضيف الكريم من أبرزها:

أنه يتقلد حالياً المناصب التالية:
- رئاسة محكمة الاستئناف الجعفرية
- عضو مجلس القضاء
- عضو المجلس الإسلامي الأعلى في مملكة البحرين
ولد سماحته في سنة 1963م ، وتتلمذ في مدينة قم في الأصول على يد الشيخ الوحيد الخرساني وفي الفقه على يد الشيخ التبريزي حفظهم الله جميعاً، وهو بالإضافة إلى مسؤوليته تلك، فهو خطيب حسيني بارز وخطيب جمعة في مسجد الإمام المنتظر (عج) في دار كليب، وله بحوث ومقالات منشورة على موقعه في الإنترنت.

ثم تحدث سماحة الشيخ حميد المبارك حول (صلاحية الإسلام لكل زمان) وفيما يلي تلخيص لأهم الأفكار التي طرحها سماحته:

من أكبر التحديات الكلامية في العصر الحاضر إثبات صلاحية الإسلام لكل زمان ومكان خصوصاً بعد اضمحلال الجدل حول حقانية الدين في نفسه، ونحن وإن أمكننا أن ندعي خاتمية الدين تستتبع صلاحيته لكل زمان لأنه لو لم يكن كذلك لاحتيج إلى دين جديد، إلا أن ذلك لا يعفينا من عناء الإثبات التحليلي الذي يرقى بالفكرة عن المصادرة والادعاء الفوقي.

ومنشأ الإشكالية هو فرض مواكبة الدين الوحياني المفروض ثباته بثبات الوحي للواقع المتحرك دون توقف.

وحسب ما بأيدينا فإننا نتعقل اتجاهين في مقام حل الإشكالية:

- الاتجاه الأول: فصل الدين عن الحياة المتحركة وفرضه خاصاً بالثابت وهو الجانب الروحي العبادي، وخلافاً لسوداوية النظرة عند الكثير من الناس ضد هذا الاتجاه إلا أننا نتعقل في التخفيف من عبئ الدين وحمايته من تقلبات الحياة وإبقاؤه في رتبة المطلق المقدس، ولا ينافي ذلك كمال الدين، لأن كمال الأشياء نسبي إضافي، فكمال البيت بصلاحيته للسكنى لا بصلاحيته لكل شيء، وكمال الدين بحسب ما أُعد له وما أريد به، ونجد أن الأديان قد اختلفت في غاياتها سعة وضيقاً،إلا أن هذا الاتجاه يصطدم بالنصوص التي دلت على أن لله في كل واقعة حكماً وأن هذا الدين فيه حتى أرش الخدش.

- الاتجاه الثاني: دعوى التحريك في وعاء الثابت، فالدين إطار ثابت وبالإمكان التحريك أو فرض الحركة داخله. ويمكن أن نتعقل لهذا الاتجاه عدة آليات العلاقة بينها ليست مانعة جمع.

الآلية الأولى: التوسل بالأحكام الثانوية التي من شأنها تعطيل الأحكام الأولية في مواردها ولكن هذا في الحقيقة على مقولة الدين.

الآلية الثانية: التوسع في النظر إلى الملاكات وإدخال فقه المقاصد بشكل جدي في البحث الفقهي والأصولي، وفي هذا السياق ما دعى إليه بعض العلماء المعاصرين من إعادة النظر في فهم نصوص النهي عن القياس على أساس أن تلك النصوص سيقت لمعالجة بعض المذاهب الفقهية التي اتجهت إلى الإفراط في الأخذ بأدنى مشاكله بين الموضوعات، وأن الفهم السائد لتلك النصوص أدى إلى قولبة الفقه في اتجاه تغلب عليه الشكلية على حساب روح النص وجوهره.

- الاتجاه الثالث: الخروج عن الفهم الحرفي المجرد للنص وإسقاط اطلاقيته من خلال تقييده بملاحظة ظرفه وسياقه التاريخ للنص وهو يعني حصر الثبات في الحكم المنصوص بمصاديقه المعهودة في زمن النص والتحرك بغير المعهود في زمن النص داخل دائرة الأصل العلمي، وقد صرح بهذا صاحب الجواهر في بعض المسائل، وقد يكون المراد هذا أيضاً، مراد الإمام الإمام الخميني رحمه الله في مقولته الشهيرة وهي تغير الأحكام بتغير الزمان والمكان، ولكن المهم هو إمكانية ترتب نتائج كبيرة فقهياً على هذا الاتجاه، ويمكن أن يرجع إليه فتوى السيد الخميني في الشطرنج وحصر المنع في حالة كونه قمارياً وأن نقل عنه تمسكه بقرينة لفظية في الرواية، ولعل مما يترتب على هذا الاتجاه التفصيل المتداول في بعض الكلمات بين الربا الاستهلاكي وبين الربا الاستثماري وحصر دليل حرمة الربا بالأول باعتبار أنه هو السائد في زمن النص.

- الاتجاه الرابع: البناء على أن التشريعات في باب النظم ناظرة إلى الحد الأدنى فلا يجوز الإنقاص عنه وليس في صدد التقييد بالحد الأعلى فلا مانع من الزيادة عليه مع اقتضاء تطور النظم السياسية والاقتصادية، فلا يجب مثلاً الاقتصار على موارد الزكاة بل يجوز الزيادة عليها بجعل الضرائب على السلع والخدمات وكذا موارد الاحتكار، وفي الشأن السياسي ملاحظة مقتضيات العدل حسب تطور النظم البشري كاستقلال السلطات مثلاً، ومن الذي تبنوا هذا الاتجاه مفكر الابستومولوجيا السيد عبد الكريم سروش.

- الاتجاه الخامس: البناء على أصالة النظم وأن ما جاء من تفاصيل في أبواب المعاملات والنظم فهي تطبيقات ويختلف التطبيق من زمان إلى زمان. وبناءً على هذا الاتجاه فلا حد أدنى ولا أعلى للنظم يقتضيها النص إلا التأطير القيمي العام المتمثل في العدل والنظم وقد يدعى إمكانية تقرير ذلك من دعوى الشيخ الأصفهاني الكمباني (قدس سره) في إمضاء النكتة العقلائية.

ولهذا الاتجاه لوازم واستتباعات في غاية الخطورة على الفقه، ومع ذلك فلا نرى وجود مشكلة ثبوتية فيه، إذا أنه ما هو المانع من تأسيس فقهي جديد إذا كان لا يصطدم مع مسلمات الشريعة الواضحة وليس الاجماعات الفقهية المدركية، إلا أن المشكلة الحقيقية في هذا الاتجاه هي الإثبات.

- الاتجاه السادس: التفصيل في أبواب المعاملات، النصوص التشريعية والنصوص التدبيرية. بلحاظ أن النبي صلى الله عليه وآله كان يمارس دور الحكومة والتدبير لمجتمعه وهو حالة متغيرة كما كان يمارس دور التشريع الديني الذي له ثبات واستقرار، فالنصوص التدبيرية لا تعبر عن قضية تشريعية ثابتة وقد يمثل لذلك بالنصوص الواردة في باب الإحياء ( من أحيا أرضاً فهي له) إذ أن تطبيق هذا القانون في زمن التقنية له مخاطر كبيرة وذلك لما يمكن أن توفره المكننة من قدرة هائلة لرؤوس الأموال بحيث لو أطلق العنان لاختل التوازن الاقتصادي والاجتماعي بشكل مريع. وممن تبنى هذا الاتجاه الإمام الشيخ شمس الدين رحمه الله في كتابه (التجديد الفقهي)، والإشكالية في هذا الاتجاه تنحصر في تشخيص الضابطة التي تميز بها النصوص التدبيرية عن غيرها.

وأعقب حديثه مداخلات من بعض الأفاضل الحاضرين وفي الختام كان تعقيب لسماحة الشيخ حسن الصفار شاكراً للضيف الكريم زيارته وحسن عرضه لأفكاره النقدية الجريئة مؤكداً على ضرورة التواصل الفكري والثقافي بين العلماء في المنطقة الخليجية داعياً الجميع لمأدبة العشاء على شرف الضيف الكريم.