د. توفيق السيف يُشيد بجراءة سماحة الشيخ الصفار لإعلانه تحريم وتجريم سب الصحابة

مكتب الشيخ حسن الصفار
أشاد الدكتور توفيق السيف في مقال له بجرأة سماحة الشيخ حسن الصفار حيث أعلن بصراحة انه يحرم ويجرم شتم صحابة الرسول عليه الصلاة والسلام، رغم انه لا يعتقد بعصمتهم ولا يمنع نقد التجربة التاريخية التي خاضوها، مؤكداً على تمتع سماحته بمصداقية تضفي أهمية خاصة على أقواله.

وهذا نص المقال



أريد الإشادة هنا بشجاعة الشيخ حسن النمر، الفقيه الشيعي السعودي، الذي أعلن صراحة انه يحرم ويجرم شتم صحابة الرسول عليه الصلاة والسلام، رغم انه لا يعتقد بعصمتهم ولا يمنع نقد التجربة التاريخية التي خاضوها وبهذه المناسبة فاني أشيد أيضا بشجاعة فقيه سعودي آخر هو الشيخ حسن الصفار، الذي سبق إلى إعلان مثل هذا الموقف. ويتمتع كلا الرجلين بمصداقية تضفي أهمية خاصة على أقواله. فكلاهما مشهود له بسعة العلم ويحمل لقب حجة الإسلام، وكلاهما يتمتع بنفوذ بين قومه، وبثقة كبرى المرجعيات الدينية، كما يحظى الصفار باحترام كبير بين شيعة العالم.

وتكمن أهمية تصريحات الرجلين في الظرف الخاص والمكان الذي شهد إعلانها. خلال السنوات الثلاث الأخيرة تبلور بين السعوديين، الشيعة والسنة، شعور عميق بان عليهم وضع حد للجدل المذهبي السقيم الذي اضر بوحدتهم الوطنية وأوشك في الوقت نفسه أن يقوض أخلاقياتهم الدينية.

منذ زمن طويل تحول الجدل المذهبي إلى تجارة رابحة لعدد من الرجال، من الشيعة والسنة. وكان من الأمور المعروفة في مجتمعات الخليج إن اقرب الطرق إلى الشهرة هو خوض هذا النوع من الحروب الوهمية. فالداعية الأبرع في اصطناع القصص حول فساد عقيدة الطرف الآخر، هو الأقدر على النفاذ إلى قلوب الناس. وكانت الكتب الأكثر رواجا هي تلك التي تسرد الجدالات التاريخية والمعاصرة بين الفريقين. وفي الحقيقة فان كلا من الطرفين، الشيعة والسنة، كان قد تصور نفسه يخوض حربا ضروسا في الدفاع عن عقيدته.


لكنها لم تكن – في حقيقة الأمر – سوى حرب رمزية، فيها من الوهم كثير ومن الحقيقة اقل القليل. فهم لا يتجادلون حول تطوير بلادهم، ولا حول مستقبل أطفالهم، ولا يختلفون على سبل التحول إلى مجتمع صناعي ينافس المجتمعات المتقدمة، ولا يناقشون سبل تطوير العلم والمعرفة في مجتمعاتهم، ولا يطرحون أبدا أي مسألة تتعلق بسبل النهوض الحضاري واكتساب القوة الذاتية.

بل ينصب همهم كله على إثبات صحة أو بطلان ما جرى قبل أربعة عشر قرنا من الزمن، وتحديد المسئول عن تلك الحوادث التي مضى زمنها ومات أصحابها وأكل عليها الدهر وشرب كرات ومرات، ولم يعد لها من وجود في واقع الناس، سوى الوجود الرمزي إذا لم نقل الوهمي. بكلمة أخرى فان هؤلاء الناس مشغولون بحروب بين كائنات رمزية، لها مسميات ولها عناوين، لكن ليس لها وجود مادي في الواقع حروب يستوي فيها النصر والهزيمة، فلا المنتصر رابح ولا المهزوم خسران. ولهذا السبب بالذات فان قادة تلك الحروب وجنودها لا يكلون عنها ولا يملون منها، فهي أشبه بالعاب الفيديو التي يستمتع بها الأطفال أيما متعة فينتصرون أو ينهزمون دون أن يتحركوا من أماكنهم.

لكن اخطر ما في الجدالات المذهبية هو أنها تولد أو تعزز ثقافة الإقصاء، التي تقود بالضرورة إلى احتقار الطرف الآخر وفي مرحلة أعلى إلى تكفيره، وأخيرا إلى استباحة دمه وما جرى في الجزائر في أوائل التسعينات، وبعدها في أفغانستان واليوم في العراق هو مثال على النتائج الكارثية لمثل هذه الثقافة البائسة منذ العام 2003 شهدت المملكة العربية السعودية ظهور تيار جديد يضم عددا بارزا من رموز النخبة الثقافية والسياسية وقادة الرأي، تيار يدعو الى صياغة جديدة للعلاقة بين الأطياف المتعددة، المذهبية والثقافية، التي يتشكل منها المجتمع السعودي، علاقة تقوم على احترام التنوع والتعدد الذي لا يخلو منه أي مجتمع والتأكيد على الشراكة المتساوية للجميع في التراب الوطني. وكما جرت العادة فقد ارتاب كثير من الناس، في هذا الطرف أو ذاك، في أول الأمر، في مصداقية هذه الدعوة وجدواها، وبدأ بعضهم يتحدث عن خطوط حمراء وصفراء لا يمكن عبورها وكما هي العادة أيضا فان تجار الخيبة قد رفعوا أصواتهم بالتحذير من مفاسد الحوار بين الطرفين وخطره الداهم على عقائد الناس. لكن مع استمرار الحوار الايجابي وشجاعة الرجال والنساء الذين شاركوا فيه، فقد نجح الطرفان في إيصال شريحة واسعة من الجمهور الى فهم مشترك، فحواه ان الجغرافيا قدر، فما دمنا موجودين معا على ارض واحدة فلا يمكن لأحدنا أن ينفي الآخر أو ينكره أو يتجاهله. وان الأخوة والمحبة هي السبيل الوحيد لكي نعيش في أمان وسلام، ولكي تكون حياتنا ومستقبل أطفالنا أكثر جمالا وازدهارا.

في هذا المجال فان جانبا كبيرا من الفضل يرجع الى مبادرة الملك عبد الله بتأسيس مركز الحوار الوطني الذي احتضن حوارات متعددة ساهمت في تظهير هذا التيار الإصلاحي وتطوير طروحاته وعرضها على الملأ. كما أشير إلى الدور الحيوي الذي لعبته جريدة «الوطن» في تجاوز الأوهام الموروثة في الصحافة المحلية التي دأبت على إغفال التعدد الواقعي في الآراء والتوجهات والانتماءات. قامت جريدة «الوطن» خلال السنوات الثلاث المنصرمة بالتأكيد على تعددية المجتمع السعودي ودعت إلى الإقرار به واحترامه وفسح المجال أمام تعبيراته الايجابية

تصريحات الفقيهين الفاضلين النمر والصفار، قابلتها دعوات متعددة من جانب كتاب ودعاة بارزين وشخصيات سياسية محترمة من السنة، تدعو الى التخلص من القيود الثقيلة التي ورثناها من أسلافنا، القيود التي تشدنا إلى الماضي وتحجب عنا رؤية الحاضر والمستقبل القيود التي تعيدنا الى الجدال والصراع حول الأموات والمقابر كلما أردنا أن نتحدث أو نمد أيدينا إلى الأحياء.

يمكن لنا كسعوديين ان نقوم بدور ريادي في إعادة الصفاء واللحمة إلى عالم الإسلام قد لا نستطيع الوصول إلى وحدة إسلامية كاملة. لكن ليس ثمة شك في ان تحررنا من الصراع المذهبي والجدل حول الأموات، سوف يسمح لنا بتوجيه اهتمامنا إلى إعادة بناء حياتنا والتفكير جديا في إصلاحها وتطويرها. أي أن نفكر في بناء المستقبل بدل انشغالنا النفسي والثقافي في الجدل حول الأموات. ﴿ تلك امة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون صدق الله العلي العظيم.