اليوم تنشر مقالاً للشيخ محمد الصفار عنوانه: السعودية ليست كلها تشدداً

مكتب الشيخ حسن الصفار
نشرت جريدة اليوم السعودية مقالاً للشيح محمد الصفار تحدث فيه عن استضافة سماحة الشيخ حسن الصفار لمنتدى الروضة بجدة.

المقال تحت عنوان: السعودية ليست كلها تشددا، ونُشر يوم السبت 21 ذو الحجة 1426هـ (20 يناير 2006م).

وهذا نص المقال:


كنت بالفعل منشغلاً بالكتابة في موضوع آخر بغية عرضه على القراء الكرام، لكن الجلسة التي جمعتني بوجوه طيبة، ذات حس ديني مسؤول ووطني عال غيرت وجهة نظري، فانصرفت عما أكتب فيه لأتتلمذ على تلك الجلسة باستماع وإنصات وانبهار لما كان يدور فيها من نقاش جميل، كان ذلك يوم الثلاثاء 17/12/1426 هـ في منزل أخي فضيلة الشيخ حسن الصفار.

الضيوف الذين حلوا علينا هم فضيلة الدكتور الشيخ عدنان الزهراني إمام جامع النهضة بجدة، ورجل الأعمال الحاج واصف كابلي صاحب منتدى الروضة بجدة، والأستاذ الباحث زيد الفضيل، والأستاذ عبد الله الزهراني، وعلى شرفهم وكرامتهم دعي لفيف من المشايخ والوجهاء في المنطقة.

لقد كان الحديث متشعباً وملامسا لما يهم الوطن والمواطن، وقريبا من تحديات المرحلة والوضع المستجد في المنطقة ، لذلك لم يغفل الجميع تلمس الطريق السليم والعاصم من كل هذه التحديات وهو رص الصف وتضيق الفجوة والتحابب بين أفراد المجتمع وأطيافه المختلفة، وهي المسيرة التي بدأها خادم الحرمين الشريفين بملتقى الحوار الوطني وواصلتها المملكة بخطوتها المهمة في مؤتمر مكة المكرمة.

فوائد جمة استفدتها من مائدة الجلسة العامرة بالفكر المسؤول والحرية المنضبطة والرؤى الإسلامية الأصيلة المحبة للإنسان والمحترمة لخياراته.

سأشير هنا وبشكل خاطف (ومتناثر لا رابط بينه) إلى بعض ما دار في اللقاء من اضاءات أتصورها في غاية الأهمية، مع الأخذ بعين الاعتبار أن كل إضاءة تحتاج إلى بحث مستقل ومستفيض لأنها تحمل جوهراً فكرياً وثقافياً يتطلب بحثاً هادئا، وإحاطة تامة وأحياناً تأصيلاً فقهيا لا غنى للمتدينين عنه.

التآخي بدل التقريب:


لم يرد في القرآن الكريم لفظ التقريب، وهو المصطلح الذي يتناوله الطرفان سنة وشيعة على امتداد جغرافيا العالم الإسلامي، في محاولة منهما لردم الهوة بين هذين التشكيلين المهمين، لقد أثير في الجلسة إلى مبدأ التآخي كبديل لشعار التقريب، فالتآخي مصطلح قرآني ورد في قول الله سبحانه وتعالى ﴿إنما المؤمنون إخوة كما انه العمل المهم الذي نهض به الرسول في المدينة المنورة حين آخى بين المهاجرين والأنصار ثم آخى بينه وبين علي بن أبي طالب .

وهو من حيث الدلالة والإيحاء أقوى صداً وأكثر وقعاً في النفس لما لكلمة الأخوة من معاني الولادة من رحم واحد ودم واحد وهو الوصف الذي يمكن أن يطلق على الشيعة والسنة باعتبارهما متولدين من رحم الدين الواحد، وشأنهما في اختلافهما شأن الاختلاف الحاصل في المذاهب والآراء في كل طائفة منهما.

الأخوة تعني النصرة حال وقوع الظلم على احدهما، كما تعني النصح والتسديد حين يتعدى احدهما حدوده فيظلم ويعتدي، وهي بذلك تشكل حماية للدين وللحقوق وطريقاً للعزة والكرامة.

القوانين المدنية:


في الوقت الذي اعتقد أنني على حق وغيري على غير الجادة، وفي الوقت الذي اندفع فيه بهذا الشعور إلى التعالي وازدراء الآخر، أي كان ذلك الآخر، مع احتمال قريب وغير بعيد أن يكون هذا الاعتقاد هو ما يربي عليه الآخر أجياله وناشئته أيضاً، في مثل هذه الظروف يكون المستقبل مظلماً كئيباً، وتصبح أمتنا في مهب الريح جراء الصراعات التي يمكن أن تنقدح بإرادة ماكر أعوج، لا يدرك مقاصد الدين ولا يفهم روحه، ولا يعي إنسانيته، وسيصبح تفجير المساجد وأماكن العبادة كما يحصل في العراق وباكستان انتصاراً ومفخرة وشجاعة يتغنى بها المعتوهون من الطرفين - السنة والشيعة -.

فما هو السبيل لرفع الوعي الاجتماعي وحفظه من الوقوع في مصيدة الشيطان، ومستنقع الظلم والتورط في الدماء؟

لقد تقاطع الحاضرون في الجلسة في نقطة مشتركة اعتبروها على رأس الحلول المجدية لهذا الانفلات المحتمل، وهي أن تسعى الدولة إلى سن القوانين المدنية التي تحمي الإنسان وتحفظ حقوقه، ليست الدينية فحسب بل كافة الحقوق ما يتعلق منها بالدين وما يرتبط بالدنيا و أن توجد مجموعة من الروادع العقابية لأي تجاوز لهذه القوانين من أي جهة صدر، وتحت أي مسمى أو ذريعة كان.

لقد كانت أوروبا مشتعلة بالصراعات الدينية المسيحية والتي ذهب ضحيتها الملايين من البشر الأبرياء، وقامت على وقعها العديد من الحروب، لكن القوانين المدنية التي أسستها مدارس حقوق الإنسان وأرست أسسها في المجتمع، وتبنتها الدول في تشريعاتها وقوانينها ساهمت بشكل كبير في الحد من الغلو الديني، وألزمت الجميع بالاحترام المتبادل للإنسان والاعتراف بحقوقه، ومعاقبة المعتدين عليها بقوة وصرامة.

أن التحريض على الآخر في المساجد وعلى أعواد المنابر وفي الأماكن العامة هو جريمة واعتداء على حقوق الإنسان، لابد من تجريم من يقترفها ويروج لها ومن ثم جره مرغماً إلى العقوبة دون أن تأخذنا به رأفة في دين الله، سواء كان من هذا الطرف أم ذاك لان أمثال هؤلاء هم من يشعلون النار, ويعبثون بأمن البلاد وسلامة العباد.

الحوار والاحترام:


ما ألفناه وعرفناه هو أن يكون الحوار مقدمة للتعرف على الآخر واحترامه، لأنك على اقل التقادير ستعرف ما عنده، وستعذره فيما يرى، فإن لم يكن فستكون مطلعاً على خلفية التزامه واعتقاده وعمله وعبادته، وهذا ما يوفر المناخ المناسب للاحترام المتبادل وضمان الحقوق بين الأطراف المختلفة.

ذاك هو ما عرفناه وألفناه، لكن الشيخ عدنان الزهراني فاجأنا بالجديد المتقدم في الطرح، والرحب في الأفق، لقد أكد في اللقاء أننا مأمورون بحفظ الحقوق لبعضنا تحاورنا أم لم نتحاور، فأنا منهي في القرآن الكريم عن الظلم والاعتداء والجور على الآخرين أي كان هؤلاء مسلمون أو غير مسلمين لكن لست مأموراً بالحوار، وفي رأيه أن آية ﴿وجادلهم بالتي هي أحسن تعني أن جاءوا لجدالك فجادلهم بالتي هي أحسن، لكنها لا تعني الذهاب لجدالهم ومحاورتهم.

أن مأمور في نصوص القرآن بالعدل والإحسان والإنصاف والاحترام للآخرين، سواء وضحت لي أفكارهم أم لا، وسواء علمت دليلهم أم لا، وسواء كانوا على حق أم لا.

بقي أن أقول أن مملكتنا مليئة بالأنفاس الواعدة، والقلوب الطاهرة الطيبة، والتشدد هو الصوت المرتفع وليس الجوهر والحقيقة لهذه البلاد.

msaffar45@hotmail.com