سماحة الشيخ الصفار يُدين الإساءة لشخص الرسول (ص) ويُحذر الأمة الإسلامية في ردود الفعل الانفعالية

مكتب الشيخ حسن الصفار
القطيف: تركي مكي علي. تصوير: عبد الله أحمد المضري

أدان سماحة الشيخ حسن الصفار الإساءة لشخص الرسول الأعظم من قبل بعض الصحف في الدنمارك والنرويج، مؤكداً أن هذا العمل يتنافى مع حرية التعبير عن الرأي التي تزعمها تلك الدول، من جهةٍ أخرى حذّر سماحته الأمة الإسلامية من اتخاذ موقفٍ انفعالي تجاه هذا الحدث، داعياً إلى التفكير في الموقف الصائب الذي يخدم الأمة، مؤكداً على أن الإدانة مهمةٌ جداً ولكن يجب أن يواكبها نشاطٌ وعمل من أجل إبراز شخصية الرسول وتعريف العالم بها.

واستعرض في خطابه الذي ألقاه ظهر الجمعة 27 ذو الحجة 1426هـ (27 يناير 2006م) ومضات من الهدي القرآني في لغة التخاطب والتعامل بين أتباع الديانات والمذاهب في المجتمع الإنساني.


في بداية خطابه، أكد سماحة الشيخ الصفار أن التنوع في الأديان والمذاهب أمرٌ قائم، لا يستطيع أحدٌ إلغاؤه، وحقّ التبشير بالرأي ينبغي أن يكون مكفولاً للجميع. مضيفاً إن العلاقات بين أتباع الديانات والمذاهب المختلفة ينبغي أن لا تكون علاقات عداء وتشنج بل يجب أن تكون قائمة على أساس الوئام والسلام والاحترام المتبادل. واستشهد بالآيات الكريمة التي يقول تعالى فيها: ﴿اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَأَعْرِضْ عَنْ الْمُشْرِكِينَ * وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ * وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (الأنعام ، 106-108)، مؤكداً أنها تؤسس لنهج أخلاقي إسلامي للتعامل بين أتباع الديانات والمذاهب المختلفة.

وأوضح سماحة الشيخ الصفار أن خطابه يتزامن مع ما يحدث بين آونةٍ وأخرى من إساءة للإسلام وانتقاص للمقدسات والرموز وعلى رأسها شخصية الرسول الأعظم ، والقرآن الكريم، خصوصاً بعد أحداث 11 سبتمبر، وآخر ما حصل في بعض الصحف في الدنمارك والنرويج إذ أصدرت تلك الصحف كاركتورات تسيء لشخصية الرسول الأعظم ، مشيراً أن هذه الجهات إنما تقومون بذلك تحت عنوان حرية التعبير عن الرأي، مؤكداً أن الحرية إذا ما وصلت إلى حد التجريح والانتقاص من شأن الآخرين لا تُصبح حرية، إنما تتحول إلى عدوان. وأشار أن هذه الإساءة لم تبق في حدود الصحف والجرائد وإنما تعدّت ذلك إلى المحطات الفضائية، مؤكداً أنه لا يصح المرور على مثل هذا العمل الشنيع مرور الكرام ذلك لأن النبي الأكرم وآله الطاهرين (عليهم السلام) هم أقدس شيءٍ في القلوب، ولذا ينبغي أن يكون للأمة موقفها تجاه مثل هذه الأحداث.

ولمعالجة الموضوع تطرق سماحته إلى عدة نقاط:

أولاً- مكانة الأمم والمجتمعات هي التي تصنع موقعيتها في الأوساط العامة، فإذا امتلكت الأمة رصيداً قوياً من المهابة والعزة فإن احترامها يكون أقوى، وعلى العكس من ذلك حال الأمم والمجتمعات الضعيفة.

وأكد أن الأمة الإسلامية تعيش حالة عميقة مؤسفة من الضعف على مختلف الأصعدة والمجالات: الإعلام، السياسات الدولية، العطاء العلمي، وغيرها، ولذلك تجرأ عليها الآخرون، وأصبحت عرضةً للتهكم والسخرية. وعرض سماحته مقارنة مؤلمة بين واقع الأمة الإسلامية واليهود على هذا الصعيد.

ثانياً- ينبغي أن لا تكون ردة الفعل تجاه هذه الإساءات انفعالية، مؤكداً على ضرورة أن تكون نظرتانا للآخرين نظرة موضوعية متكاملة، فهناك من يُشيد بالإسلام وهم الفئة الأغلب في المجتمعات الأخرى، وأضاف: ينبغي أن يكون ردّنا عقلانياً، فلا نسكت عن هذه الإساءة، ولكن يجب أن نُخطط للأسلوب الأمثل في الرد، إذ لا يصح التعميم.

ثالثاً- علينا أن نعود لأنفسنا، لنسلط الضوء على نقاط الضعف عندنا، فالممارسات التي تقوم بها بعض الجهات الإسلامية أعطت الفرصة للعالم حتى يتخذ منحى السخرية من الإسلام والمسلمين، تلك الممارسات التي تمثلت بمختلف الصور المشاهد من قتل الأبرياء على مشاهد القنوات الفضائية، وخطب الجمعة التي فيها دعاء على جميع اليهود والنصارى بالهلاك دون تمييز بين المعادي وغيره، إضافةً لفتاوى بعض العلماء التي تستنكر مساعدة المنكوبين بالظواهر الطبيعية من المجتمعات غير الإسلامية معتبرةً ذلك نوعاً من أنواع العذاب لهم على كفرهم.

وأضاف سماحة الشيخ الصفار أن هذه الفئات المتعصبة والإرهابية تتحمل النصيب الأكبر تجاه ما تواجهه الأمة الإسلامية من أساليب مختلفة من الإساءة والانتقاص بمكانتها ومقدّساتها.

رابعاً- الإسلام ومنذ اليوم الأول أرسى قواعد الأدب، وأخلاق التعامل، ليُعطي بذلك الموقف الصائب تجاه حالة التنوع والتعدد الديني الطبيعية في المجتمع الإنساني.

وأشار سماحة الشيخ الصفار إلى ومضات من وحي الآيات القرآنية التي تؤصل هذا النهج القرآني:

1- ينبغي الالتزام بالنهج الإسلامي الصحيح الذي أنزله الله تعالى، ﴿اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ.

2- ينبغي أن لا يُمثل التعدد والتنوع عقدة عند الإنسان المسلم، فعليه أن يوجّه خطابه ودعوته للناس، ومن لم يؤمن فليس يضرنا شيء، وينبغي الإعراض عنه دون أن يُعرقل ذلك من مسيرة المجتمع الإسلامي، ﴿وَأَعْرِضْ عَنْ الْمُشْرِكِينَ.

3- على الإنسان المسلم أن لا يُحمل الدعوة إلى الإسلام أكثر مما هو مطلوب من قبل الباري جلّ وعلا، فالله تعالى أعطى للإنسان حريته وعليه أن يختار طريقه في الحياة بنفسه دون إكراه أو جبر، ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ.

4- الله تعالى في هذه الآيات الكريمة يؤسس لآداب التعامل حين يكون هناك اختلاف في المعتقدات، فالحالة العامة عند البشر أنهم إنما يعتنقون ديناً أو مذهباً لاعتقادهم بصحته، والإسلام يُربي أتباعه على حسن الأدب والأخلاق، ويرفض منطق السباب واللعن، ذلك لأن هذا الأسلوب مدعاة لردة فعل مماثلة من الطرف المقابل، ﴿وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ.

ورداً على بعض مظاهر السباب واللعن بين صفوف المسلمين بعضهم تجاه بعض استناداً لبعض الروايات من هنا أو هناك، قال سماحة الشيخ الصفار: إن هذه الروايات فيها نقاش، ومع فرض صحتها فإنها تصطدم مع الأولويات، فالأولى هو إشاعة الأخوة الإيمانية بين المسلمين، وتعميق حالة الوحدة الإسلامية، وسيادة الأخلاق والاحترام المتبادل، وهذا ما يؤكده رسول الله حيث أعلن أن الرحمة والمودة هدف الرسالة التي بُعث بها، فقد ورد عنه : «إني لم أبعث لعّاناً، وإنما بُعثت رحمة، »وورد عنه : «لا ينبغي للمسلم أن يكون لعانا»

وفي نهاية حديثه عن هذا الموضوع أكد سماحة الشيخ الصفار على إدانته لما حصل من إساءة لشخص الرسول مؤكداً على ضرورة أن تتخذ الأمة موقفها الواضح تجاه ذلك على الصعيد الإيجابي والسلبي:

فعلى الصعيد الإيجابي: دعا مفكري وقادة الأمة للسعي الجاد في نشر السيرة العطرة لرسول الله وطباعتها بمختلف اللغات، كما ينبغي أن تُصنع أفلام عن حياة الرسول وتُعرض أيضاً بمختلف اللغات، حتى يتعرف العالم على هذه الشخصية العظيمة.

وعلى الصعيد السلبي: أكد أنه يجب أن نوصل صوت إدانتنا لتلك الدول والجهات التي تصدر منها الإساءة لشخص الرسول عبر سفاراتهم، ومن خلال مختلف الوسائل المتاحة والممكنة.

كما طالب بدراسة موقف المقاطعة الاقتصادية لمنتجات تلك الدول.

وبارك في آخر خطابه نجاح الانتخابات الفلسطينية ونجاح حركة المقاومة الإسلامية فيها، مؤكداً على أهمية موضوع الانتخابات والاحتكام إلى صناديق الاقتراع، لصنع واقع الاستقرار السياسي والمشاركة الشعبية، والتداول السلمي للسلطة في مختلف مجتمعات الأمة، فهو الطريق الأفضل الذي انتهت إليه تجارب المجتمعات البشرية.

جانب من الصور