الليلة الأولى: سماحة الشيخ الصفار يُطالب المسلمين بالتأمل في الأحاديث التي تدعو لتخليد ذكرى الإمام الحسين (ع)

القطيف: تركي مكي علي

طالب سماحة الشيخ حسن موسى الصفار المسلمين بالتأمل في الأحاديث الواردة حول اهتمام رسول الله بمقتل أبي عبد الله الحسين عند ولادته وأيام رضاعته وطفولته، وهي في المصادر المعتمدة عند جميع المسلمين. واستشهد سماحته بنماذج من هذه الروايات الموثوقة في مصادر المسلمين.

جاء ذلك في محاضرة الليلة الأولى من المحرم 1427هـ، والتي يُحييها سماحته في حسينية (مأتم العدواني) بدبي. وكان عنوان المحاضرة: تخليد العظماء والمعطيات الحضارية.

واشتملت على أربعة محاور:




* من هم العظماء؟

* الاستفادة من العظماء.

* منهج القرآن في تخليد العظماء.

* موقعية إحياء سيد الشهداء أبي عبد الله الحسين .



المحور الأول/ من هم العظماء؟




في بداية محاضرته سلّط سماحة الشيخ الصفار الضوء على تعريف العظماء، وقال: العظماء هم العناصر الكفوءة المتميزة من بني البشر، والذين يكون لهم تأثير في الحياة الإنسانية. مؤكداً أن نسبة العظماء إذا قورنت بالمليارات من البشر الذي عاشوا على الأرض، قليلةٌ جداً، والسبب أن القلة من البشر هم الذي يتوجهون إلى كفاءاتهم ويفجرونها.

وأضاف: أصل اشتقاق كلمة العظماء من العظم، لأن العظم هو أقوى عنصر في جسم الإنسان ويتميز بصلابته، فالعظيم إذن هو الإنسان القوي الذي يتميز بصلابته وقوته في المحيط الذي يعيش فيه.

وقسّم سماحته عظمة الأشخاص إلى قسمين: فبعضهم تكون عظمتهم في ذاتهم دون أن تعكس على الواقع الاجتماعي، بينما آخرون يُفعّلون تلك العظمة اجتماعياً، مشيراً إلى أن الروايات تؤكد على أهمية الشخص الذي يكون له تأثيرٌ في مجتمعه أكثر من الشخص الذي تكون عظمته ومكانته مقتصرةٌ عليه، جاء في الرواية: («عالم يُنتفع بعلمه خيرٌ من عبادة سبعين ألف عابد»)، وفي رواية أخرى: («عالم واحد أفضل من ألف عابد وألف زاهد»)، كما أن هناك روايات تميز بين الغني الشاكر والفقير الصابر، جاء في الرواية: («الغني الشاكر أفضل من الفقير الصابر»)، لأن الغني الشاكر ينتفع المجتمع بغناه، أكثر من الفقير الصابر الذي تكون فائدة صبره له شخصياً.

وأنهى سماحته حديثه في هذا المحور بتأكيده على أن بعض الأشخاص تنحصر عظمتهم في المجال الدنيوي فقط كالمخترعين، والمكتشفين، وآخرون تنحصر عظمتهم في الجانب الروحي فقط، بينما يجمع أناسٌ بين العظمة في الجانب الدنيوي والروحي معاً وهم بالطبع من النوادر في العالم الإنساني.



المحور الثاني/ الاستفادة من العظماء




لا شك أن الإنسان ذا الكفاءة هو ثروة عظيمة في الحياة، ولذلك عند الحديث عن التنمية البشرية يأتي التأكيد على أن أهم مواردها هو تنمية الكفاءة عند الإنسان، ولذلك المجتمع الذي يمتلك كفاءات وعظماء فهو يمتلك أهم وأعظم ثروة.

وأضاف: ليس كل المجتمعات تستفيد من كفاءاتها وعظمائها، إنما ذلك يتأتى للمجتمعات التي ينتشر فيها الوعي والمعرفة، بينما المجتمعات الجاهلة تموت فيها الكفاءات، ولذلك ورد عن رسول الله : («ثلاثة يشكون إلى الله: القرآن المهجور، والمسجد المهجور، وعالمٌ ضاع بين جهّال»)، وقال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب : («الناس أعداء ما جهلوا»)، وفي شعر يُنسب له : والجاهلون لأهل العلم أعداء.

وأكد أن من أهم الأمراض النفسية التي تحول دون أن يأخذ العظماء وأصحاب الكفاءة موقعيتهم في المجتمع هو الحسد، ذلك لأن الإنسان الذي لا يمتلك الكفاءة ومصاب بعقدة نفسية ينزعج من بروز الكفاءات وخصوصاً مَن يعملون عمله. ويقول الشاعر في مدحه للإمام علي :

إن يحسدوك على علاك فإنما متسافل الدرجات يحسد من علا


وأعطى سماحته نموذجاً بالمجتمعات المتقدمة كأمريكا وأوروبا لاهتمامها بالكفاءات وتنميتها، بل واستقطاب الكفاءات من مختلف أنحاء العالم، حتى باتت بعض الشعوب تُعاني من (هجرة الأدمغة).

وأضاف: الاستفادة من العظماء لا تقتصر على فترة حياتهم، وإنما ينبغي استمرار الاستفادة منهم بعد رحيلهم أيضاً، موضحاً أن السبب يكمن في وجود شيئين:

الأول/ التراث الذي يتركه العظماء (الأفكار، المعارف، العلوم، والسيرة)، ولذلك يقول الإمام علي في مقارنته بين العلم والمال: («العلم خير من المال») إلى أن يقول: («هلك خزان الأموال وهم أحياء والعلماء باقون ما بقي الدهر، أعيانهم مفقودة وأمثالهم في القلوب موجودة»).

الثاني/ ألَق شخصياتهم ليكونوا نماذج تقتدي البشرية بها في مسيرة حياتهم.

وأشار إلى مشكلةٍ تعيشها الكثير من المجتمعات، وهي أنهم في حياة العظماء لا يهتمون بهم، ولكن بعد رحيلهم تسود حالة من الاهتمام الواضح بهم، ويُمثل هذه الحالة قول الشاعر العربي:

لألفينك بعد الموت تندبني وفي حياتي ما زودّتني زادا


وآخر يقول:

ترى الفتى يُنكر فضل الفتى ما دام حياً فإذا ما ذهب

لجّ به الشوق على نكتة يكتبها عنه بماء الذهب




المحور الثالث/ منهج القرآن في تخليد العظماء.




أوضح سماحة الشيخ الصفار أن القرآن الكريم وجه البشرية للاهتمام بالعظماء، وتمثل ذلك في عدة جوانب:

أولاً- تحدث القرآن الكريم عن العظماء، ولذلك تحدث عن الأنبياء والأولياء، لتخليد ذكرهم،فتجد أن هناك مجموعة كبيرة من سور القرآن الكريم بأسماء العظماء، والسبب الذي يؤكده القرآن الكريم في تخليد هؤلاء العظماء: ﴿ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمْ اقْتَدِهِ (الأنعام، 90).

ثانياً- القرآن الكريم يذكر صفات هؤلاء العظماء التي ميزتهم عن غيرهم: ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَبِيّاً (مريم، 54-58).

ثالثاً- القرآن الكريم يذكر المواقف المشرقة للعظماء والتي يريد الله تعالى من البشرية أن تأخذ منها الدرس والعبرة، فيتحدث القرآن عن معاناة الأنبياء والابتلاءات التي واجهتهم، ﴿وَإِذْ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً (البقرة، 124).

رابعاً- القرآن الكريم يشد الأجيال الإنسانية إلى مواقع وآثار حياة هؤلاء العظماء، ﴿وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى (البقرة ، 125)، وكل مشاعر الحج إنما هي تخليد لسيرة والمواقف التي سار عليها نبي الله إبراهيم . وأضاف: وفي تخليد قصة أصحاب الكهف يقول تعالى في نهاية عرض القصة: ﴿قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً (الكهف، 21)، بيان على تقرير القرآن وموافقته على تخليد المكان الذي يكون فيه قبر النبي أو الولي.

خامساً- القرآن الكريم يأمر بتخليد العظماء، ﴿وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِي الأَيْدِي وَالأَبْصَارِ * إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ * وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنْ الْمُصْطَفَيْنَ الأَخْيَارِ (ص، 45-47).

وأشار إلى النقطة الفارقة بين العظماء على المستوى الماديين والإلهيين، فالماديون إنجازهم لا يتعدى الحياة الدنيا وهم يأخذون نصيبهم وثوابهم فيها، أما الإلهيون فأنظارهم متوجهة نحو الآخرة، ولذلك يوجهون كفاءتهم بالاتجاه الصحيح، ويخدمون الناس بأكبر خدمة، ويقرر القرآن الكريم عظم مكانتهم: ﴿تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الأَرْضِ وَلا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (83، القصص).



المحور الرابع/ موقعية إحياء ذكرى سيد الشهداء أبي عبد الله الحسين .




أكد سماحة الشيخ الصفار أننا مدعوون لتخليد ذكر العظماء ضمن المنهج القرآني الذي يريد أن يُربي البشرية على تخليد العظماء لترسم طريقهم وإتباع سيرتهم، وكذلك من خلال النصوص الواردة عن النبي محمد وعن أهل بيتهم الكرام (عليهم السلام) وهي كذلك تدعونا للاهتمام بتخليد ذكر العظماء.

وأضاف أن المنصف حينما يقرأ سيرة أهل البيت لا يملك إلا أن يُقر بعظمتهم وسمو مكانتهم من بين بني البشر كافة، مشيراً إلى كتاب الباحث الأمريكي (مايكل هارت) حول أهم مائة شخصية في تاريخ البشر، وطبع عام 1978م في أمريكا وترجم إلى مختلف اللغات، وباعتباره كان منصفاً فإنه جعل أعظم شخصية هو النبي محمد . وكذلك ما كتبه (جورج جرداق) حول أمير المؤمنين في كتابه: الإمام علي صوت العدالة الإنسانية، وهو مسيحي. وأيضاً ملحمة الغدير للأديب المسيحي (بولس سلامة) والتي يقول فيها:

جلجل الحب في المسيحيِّ حتى عدَّ من فرط حبه علويا

لا تقل شيعةٌ هواة عليٍّ إن في كلِّ منصفٍ شيعيَّا

يا سماء اشهدي ويا أرض قرّي واخشعي إنني ذكرت عليا


وأضاف: ضمن هذا السياق تأتي أهمية إحياء وتخليد ذكرى أبي عبد الله الحسين وتأثير ثورته في مسيرة الأمة الإسلامية، فلو لا ثورة الإمام الحسين لكان للإسلام مسارٌ آخر، ولأصبحت السلطات الأموية والعباسية هي مصدر الإسلام، ومصدر التشريع الإسلامي. لكن هذه الثورة نبّهت الأمة والأجيال إلى أن هناك قيم ومبادئ، وحينما يكون هناك انحرافٌ عنها فإن على الأمة مواجهة هذا الانحراف، لا أن تقبل به حتى يكون الانحراف مشروعاً ويكون الفساد مقبولاً.

وأكد سماحة الشيخ الصفار أن لتخليد هذه الذكرى أصل من الشرع والعقل، وتأكيدٌ من النصوص النبوية بخصوص إحياء وتخليد ذكرى أبي عبد الله ، ومن ذلك ما تنقله السيرة التاريخية لرسول الله وأنه كان يُبدي اهتماماً بلغاً بقضية ألإمام الحسين قبل حدوثها بأكثر من نصف قرن من الزمان، وفي ردٌ على مَن يتعجب مِن التعاطف الاستثنائي للشيعة مع هذه القضية العظيمة.

وطالب كل المسلمين أن يتأملوا في الأحاديث الواردة حول اهتمام رسول الله بمقتل أبي عبد الله الحسين عند ولادته وأيام رضاعته وطفولته، وهي في المصادر المعتمدة عند جميع المسلمين. واستشهد سماحته بنماذج من هذه الروايات الموثوقة في مصادر المسلمين.