اليوم العالمي لضحايا تجارة الرقيق

 

الإمام عليّ : «أيُّهَا النّاسُ! إنَّ آدَمَ لَم يَلِد عَبدًا ولا أمَةً، وإنَّ النّاسَ كُلَّهُم أحرارٌ»[1] .

يصادف يوم الخامس والعشرين من شهر مارس اليوم العالمي لإحياء ذكرى ضحايا الرّق وتجارة الرقيق عبر المحيط الأطلسي، الذي أعلنته الأمم المتحدة عام 2008م.

ومن المهم جدًّا الوقوف عند هذه المناسبة ليتعرف الجيل المعاصر على مآسي الرّق وتجارة الرقيق التي هي من أسوأ انتهاكات حقوق الإنسان في تاريخ البشرية.

ومن أجل أن نفهم تطور الحياة الإنسانية، ونستحضر أسباب تجارة الرّقيق ونتائجها والدروس المستخلصة منها، وآثارها التي لا تزال قائمة متمثلة في التيارات العنصرية البغيضة.

كما تُبرز هذه المناسبة الجرائم التي ارتكبها الأوروبيون بحقّ الشعوب والمجتمعات المستضعفة.

الأوروبيون تجارة الرّق واستعباد البشر

لقد مارس الأوروبيون تجارة الرّقيق عبر الأطلسي طيلة أربعمئة سنة، اختطفوا خلالها 17 مليون شخص من قراهم ومناطقهم في أبشع صور الاستعباد والاستغلال.

ولا يشمل هذا الرقم الأشخاص الذين لقوا حتفهم أثناء الطريق ورموهم في البحر، أو تركوا جثثهم في البر، حيث أشارت التقارير إلى أنّ واحدًا على الأقلّ من بين كلّ ستة عبيد قد لقي مصرعه خلال رحلة النقل، بسبب الظروف العسيرة وغير الصحية. وهذا يعني حوالي ثلاثة ملايين شخص.

كانت السفن المحمّلة بالبضائع التجارية، تغادر الموانئ الأوروبية، متجهة إلى غرب أفريقيا، حيث يقومون بتبادل هذه البضائع مقابل أفارقة مستعبدين، إما أسرى من الحروب المحلية، أو مختطفين من عوائلهم قسرًا.

ثم تبدأ السفن المشحونة بالعبيد الأفارقة رحلتها لتمرَّ بالمستعمرات الأمريكية والأوروبية في الكاريبي، وأمريكا الجنوبية، لأخذ أرقّاء منها أيضًا، ثم يباعون جميعًا في أنحاء أمريكا وأوروبا، وكانت الدول الرئيسة لتجارة الرقيق إسبانيا والبرتغال وهولندا وإنجلترا وفرنسا.

إلغاء العبودية والرّق

صنع الأوروبيون من الرّق تجارة عالمية شملت مختلف البلدان، وعليها كانت تعتمد الحركة الزراعية والحرفية في معظم الدول، وكان امتلاك العبيد بمثابة الاستثمار، إذ أمكن للسيد أن يشتري العبد أو الأَمَة ثم يبيعهما بسعر أعلى.

وكان التجار الهولنديون يقومون بتصدير العبيد من القارة الهندية في القرن السابع عشر. كما مارس البريطانيون تجارة العبيد منذ وصولهم إلى سواحل المحيط الهندي في القرن السابع عشر وحتى سنة 1790، عندما حظرت شركة الهند الشرقية البريطانية تجارة العبيد في مستعمراتها في الهند. وشهد القرن السابع عشر وصول تجار العبيد الفرنسيين إلى المحيط الهندي، وممارستهم تجارة العبيد التي استمرّت حتى القرن التاسع عشر.

واستمرت هذه التجارة أربعة قرون إلى القرن التاسع عشر، وازدهرت العديد من المدن الأوروبية بمكاسب الصناعات الزراعية على ظهور العبيد الأفارقة.

حيث كانوا يُسخّرون في الزراعة وحفر الأنفاق والبناء ومهام الخدمة والتنظيف ومختلف الأعمال الشاقة.

وبعد اختراع الآلات الصناعية والزراعية حصل نوع من الاكتفاء عن الأيدي العاملة، كما بدأت حالات التمرّد والثورة على الاستعباد وسوء المعاملة في أوساط العبيد، وبدأت تنمو المعارضة الأخلاقية والسياسية لتجارة الرقيق في بريطانيا والولايات المتحدة ومناطق أخرى من أوروبا.

وهكذا بدأت إجراءات التخلّي عن تجارة الرّقيق واستغرقت 80 عامًا حتى تم منع هذه التجارة دوليًا أواخر القرن التاسع عشر.

استعباد الأطفال واستغلالهم

كان الأطفال فريسة سهلة طيّعة بالنسبة إلى سماسرة العبيد وتجّارهم، عن طريق الاختطاف أو بيعهم من جانب أهلهم بسبب الفقر، أو أسرهم في الحروب.

كان يتم استرقاق الأطفال من خلال عمليات الإغارة والاختطاف، أو عن طريق بيعهم من أحد أفراد العائلة، إذ كانت بعض العائلات تبيع أطفالها بسبب الظروف الاقتصادية. فقد دفعت الكوارث الطبيعية كالقحط والمجاعة بعض الآباء إلى بيع أطفالهم، كي يتمكّن أفراد الأسرة من البقاء على قيد الحياة. فالمجاعة التي أصابت مناطق واسعة في المحيط الهندي في سنة 1814 أدّت إلى تزايد ظاهرة بيع الأطفال. وقال شاهد عيان أوروبي: (إنّ الأطفال كانوا يباعون في الأسواق بثمن أقلّ من ثمن شراء كلب أو هرّة).

ونقلت السفن الأوروبية آلاف الأطفال من أفريقيا إلى أوروبا وأمريكا.

وبلغ عدد الأطفال تحت سنّ الرابعة عشرة الذين شحنوا عبر المحيط الأطلسي أكثر من مليون صبي وفتاة.

العبيد في الخليج والجزيرة العربية

وازدهرت تجارة العبيد في الخليج والجزيرة العربية في القرن التاسع عشر. وشكّل العبيد من أفريقيا نحو 11% من سكان الكويت سنة 1905م، و22% من سكان قطر، و28% من سكان الإمارات، و25% من سكان عمان.

وتفيد الإحصاءات أنّ عددهم في القرن التاسع عشر قد بلغ نحو مليون رجل وامرأة عاشوا في منطقة الخليج والجزيرة العربية.

تم إلغاء الرّق رسميًّا في إيران 1929م، وفي البحرين 1937م، وفي الكويت وقطر 1952م، وفي السعودية 1962م، وفي سلطنة عمان 1971م.

وقد صدر مؤخرًا كتاب مهم للدكتور هشام العوضي، أستاذ التاريخ في الجامعة الأمريكية في الكويت، يتناول (تاريخ العبيد في الخليج العربي) اقتبسنا منه معظم الإحصاءات المتعلقة بالموضوع.

موقف الإسلام من الرّق

وقد حرّم الإسلام ومنع الرّق إلّا ما كان عبر الأسر في الحرب المشروعة من باب المعاملة بالمثل، وشجّع على تحرير الرّقيق بمختلف الطرق، وألزم بحسن معاملة الرقيق، والحديث عن موقف الإسلام من الرّق يحتاج إلى حديث مفصل.

مآسي تجارة السّلاح والجنس

إنّ الغربيين الذين مارسوا تجارة الرّقيق في الماضي القريب، يمارسون الآن تجارات لا تقلّ عنها بشاعة وخطرًا على حقوق الإنسان وكرامته، كتجارة السلاح، وتجارة تحريض الشهوات والابتذال الأخلاقي، حتى إنّهم يريدون فرض الشّذوذ الجنسي والمثلية على الشعوب والمجتمعات.

فمتى ستحتفي البشرية بانتهاء مثل هذه الجرائم البشعة؟

هذا ما نأمله ونأمل أن يعمل له الواعون من مختلف الأمم والشعوب.

 

خطبة الجمعة 22 شعبان 1443هـ الموافق 25 مارس 2022م.

[1]  الكافي: ج8 ص69 ح26.