الشباب وتحمل المسؤولية

مكتب الشيخ حسن الصفار
في ذكرى شهادة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (سلام الله عليه) تحدث سماحة الشيخ في الليلة الأولى من هذه الذكرى المؤلمة ليلة 19 شهر رمضان 1423هـ حول سيرة أمير المؤمنين في فترة شبابه. وقد افتتح سماحة الشيخ خطابه بكلمة لأمير المؤمنين يستعرض فيها بعضاً من إنجازاته في فترة الشباب، يقول أمير المؤمنين : «أنا وضعت في الصغر بكلاكل العرب، وكسرت نواجم قرون ربيعة ومضر، وقد علمتم موضعي من رسول الله بالقرابة القريبة والمنزلة الخصيصة، وضعني في حجره وأنا ولد، يضمني إلى صدره، ويكنفني في فراشه، ويُشمني عرفه، وكان يمضغ الشيء ثم يُلقمنيه، فما وجد لي كذبةً في قول ولا خطلةً في فعل».

بعدها ذكر سماحة الشيخ أن هناك صورةً ترتسم في الأذهان وهي أن قدرة الإنسان على الإنجاز والتأثير في المحيط الذي يعيشه لا تتأتي إلا في الكبر ومرحلة الشيخوخة. وقال سماحة الشيخ: إن هذه الصورة خطأ، وذلك لأن الشباب يمتلك ميزاتٍ عديدة تؤله للقيام بأرقى الأدوار التي لا يُمكن لكبار السن تحملها، وأهم تلك الميزات: أن الشباب يمتلك قوة في الذهن والفكر، وقوة في النفس، وقوة في الطاقة البدنية.

وأردف سماحة الشيخ قائلاً: إن المجتمعات المتطورة هي التي تفسح لمجال تجاه الشباب من أجل تفعيل طاقاتهم واستثمارها، وإلا فإن النتيجة لا تعدوا أحد أمرين:

أولاً- إما أن تتجمد طاقات الشباب.

ثانياً- أو تتفجر طاقاتهم ولكن في الطريق غير السليم.

وأكد سماحة الشيخ على أن هذا العصر هو من أهم العصور التي تدفع الأمة لاستثمار طاقات الشباب وذلك لكثرة المخاطر التي أحيطت بالأمة من كل جهةٍ وجانب.

وقال سماحة الشيخ: إن التحدي الأكبر الذي تُواجهه الأمة هو التحدي الداخلي المتمثل في حالة التخلف التي تعيشها الأمة، وقال: إن التحدي الخارجي ما هو إلا استثمارٌ لحالةٍ التخلف التي تعشش في نفوس الأمة. وحمّل سماحة الشيخ الشباب المسؤولية الأكبر تجاه هذا الواقع لأنهم الأكثر تضرراً منه.

عوائق تحول دون تحمل الشباب للمسؤولية


ثم ذلك تحدث سماحة الشيخ عن أهم عائق يحول دون تحمل الشباب للمسؤولية هو عدم تعاملهم مع معطيات الحياة بجدية إذ أنهم ألفوا حالة اللعب واللهو في مرحلة الصغر، وبتفتق الأحاسيس والعواطف عندهم ببلوغهم سن التكليف تجد أن الكثير من الشباب تُعجبه حالة الاسترسال والاستمرار على الحالة التي اعتاد عليها في صغره.

وقال سماحة الشيخ: إن تعاليم الإسلام تُربي الشاب على تحمل المسؤولية من أول يومٍ يكون فيه مؤهلاً لذلك، وذلك عبر تقرير "سن التكليف" والذي يعني أن الشباب ببلوغه هذا السن أصبح عضواً كامل المسؤولية في المجتمع.

العوامل التي تؤثر في دفع الشباب نحو تحمل المسؤولية


بعد ذلك تحدث سماحة الشيخ عن العوامل التي تؤثر في دفع الشباب نحو تحمل المسؤولية مدعّماً إياها بنماذج من سيرة وحياة إمام المتقين علي بن أبي طالب ، وأهم تلك العوامل:



أولاً- العائلة والتربية الصالحة.

للعائلة دورٌ كبيرٌ جداً في صنع الشاب الذي يتحمل المسؤولية الملقاة على عاتقه، ولكن إذا كان الأب والأم في العائلة متحملين للمسؤولية الملقاة على عاتقهما، ليس فقط تجاه الأسرة وإنما تجاه المجتمع كذلك.

وقال سماحة الشيخ إن من أبرز العوامل التي صنعت شخصية أمير المؤمنين هو أنه ينتمي للأسرة تتحمل مسؤوليتها.

فأبوه: هو أبو طالب الذي ما فتأ يُدافع عن رسول الله وعن الإسلام مضحياً بجاهه ومكانته عند قريش. واستعرض سماحة الشيخ لذلك عدة مواقف تدل على عمق إيمان أبي طالب وتأسى سماحته لما قد دُسَّ في تاريخ المسلمين من أجل تشويه شخصية أبي طالب ، وقال سماحته إن ذلك لا يكون إلا بدافع الحسد والنيل من شخصية الإمام علي ، وقال سماحته أيضاً: إن هذه التفاهات لا تضر بأبي طالب ولا بأمير المؤمنين فمكانتهما عند الله عالية وجزاءهما محفوظ.

وأمه: فاطمة بنت أسد التي كانت تؤثر رسول الله على أولادها في كل شيء، وقال رسول الله في حقها: «كانت أبر الناس بي بعد عمي أبي طالب».



ثانياً- القرين الصالح.


الشاب يتأثر بقرنائه، وفي بعض الحالات قد يتأثر الشاب بقرنائه أكثر من تأثره بعائلته. وهنا وجّه سماحة الشيخ خطابه للطبقة المتدينة من الشباب مؤكداً عليهم بأن لا ينغلقوا على بعضهم، وإنما عليهم أن ينفتحوا على جميع الشباب في المجتمع لاستقطابهم وتفعيل طاقاتهم في مجال الخير.

وقال سماحة الشيخ إذا لم يُبادر الشباب المتدينون بالانفتاح على نُظرائهم في المجتمع فإن التيارات المنحرفة ستقوم باستقطابهم إليهم وبالتالي ستضيع هذه الطاقات الشابة. يقول الرسول الأكرم : «عليكم بالشباب فإنهم أرق أفئدة وأسرع إلى كل خير. إن الله بعثني بالحق نبيا فحالفني الشباب وخذلني الشيوخ»، ويقول الإمام الصادق : «بادروا أحداثكم بالأدب قبل أن يسبقكم إليهم المرجئة».

وبعد ذلك تحدث سماحة الشيخ عن القرناء الذين لازمهم الإمام علي ، وقد طرح أهم وأفضل قرين وهو رسول الله والإمام قد تحدث عن ذلك في كلمة له يقول : «وكنت أجاوره في كل سنةٍ بحراء فأراه ولا يراه غيري». وقال سماحة الشيخ: إن الرسول كان يتلقى توجيهه من الوحي الإلهي وأمير المؤمنين بالتزامه لرسول الله كان يتلقى توجيهه أيضاً من الوحي.

ثالثاً- البيئة التي يعيش فيها الشاب.

قد يكون في بعض الأحيان أن البيئة لا تحترم الشاب، وذلك على مختلف المستويات سواءً سياسية، دينية، أو اجتماعية.

ودعا سماحة الشيخ إلى تعديل مقاييس تقويم الشباب فقد تجد شاباً مظاهر تدينه قليلة ولكن شيمته وهمته عالية، وتجد رجالاً من الطبقة المؤمنة ولكن لا تُعوّل عليها كثيراً في النهوض الاجتماعي. وضرب سماحته لذلك قصةً بين الإمام الصادق وأهم خواص أصحابه المفضل بن عمر وجماعة من رجالات الكوفة جاؤوا ليشكو على المفضل بن عمر عند الإمام الصادق لمجالسته شباباً غير معروفين بالالتزام الديني، ولكن الإمام أوضح لهم الهدف الأساس الذي دعا المفضل لمجالستهم وهو أنهم أسرع إلى فعل الخير منهم، وذلك من خلال رسالةٍ بعثها معهم للمفضل لشراء بعض الحاجيات فتكاسلوا لغلاء الثمن وتسابق الشباب لتنفيذ أوامر الإمام.

ثم توجه سماحة الشيخ للحديث عن أمير المؤمنين وكيف أنه عاش في بيئةٍ وثنية ولكنه تحمل مسؤوليته فلم يسجد لصنمٍ قط، فحريٌ بالشباب أن يتخذوا من أمير المؤمنين قدوةً لهم في حياتهم فهو المقدام الذي تزخر حياته بالإنجازات العظيمة وكلها في فترة شبابه فأمير المؤمنين في طوال حياته كان نضالاً وجهاداً في سبيل الإسلام وحماية الدين.



اللهم وصل على علي أمير المؤمنين، ووصي رسول رب العالمين، عبدك ووليك وأخي رسولك، وحجتك على خلقك، وآيتك الكبرى والنبأ العظيم.


والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمدٍ وآله الطاهرين.