في مذكرات الأستاذ الأديب علي الدميني

كان سجن وزارة الداخلية في بداية اعتقالي يجمع كل ألوان الطيف الحزبي السياسي من اليمين إلى اليسار، فزنزانتي تقع بين زنزانتين يقبع فيهما شخصان من جماعة جهيمان، أحدهما شامي والآخر زهراني. وكان دعاء الزهراني بعد كل صلاة يكاد أن يقطع أوتار القلب، أما الشامي العنيد فلم أسمع له أنة أو ألماً، ورغم أنه مقعد ومصاب بجراح كثيرة، كان الممرض يعاينها يومياً. وكان في الصف المقابل أشخاص ينتمون إلى حزب الله الشيعي، وبجوارهم أعضاء من حزب العمل الاشتراكي، ومنهم صديقي أحمد بابتسامته الغامضة والدائمة، أما أعضاء الحزب الشيوعي فقد ملأوا الزنازن الباقية في هذا العنبر والعنبر المجاور.

قلت أن العنبر مكون من صفين من الزنازن، يقع في نهايته غرفة واسعة تطل على الممر، ولها مدخل خاص مجاور للحمامات المشتركة الثلاثة الأخرى، وكانت لحيتي الطويلة قد نفّرت أصدقائي مني، بيد أنها قد جعلتني مثار جدل بين الأطراف الأخرى، فإلى أي تيار ينتمي هذا المطوع؟
وذات مساء كنت في الحمام المجاور للحمام الخاص بالغرفة الكبيرة، وسمعت صوت سجينها يأتي هامساً: أبشّرك أن حسن الصفار في (قم).. حسن الصفار في (قم)!

قلت له: الله يبشرك بالخير، ولكن ماذا جاء بك إلى هنا!
فأجاب بهمس: كنت أعمل في جوازات الرقعي، وتعرف الأمور، فاعتقلوني.

لم أكن قد تعرفت على الشيخ حسن الصفار، ولكنني سمعت عن علمه وامتلاكه ( لكاريزما ) الشيخ القائد. وكنت أعرف أنه ميال إلى العنف، وقد شارك حزبه ( الثورة الإسلامية ) مع الحزب الشيوعي في إصدار بيانات سياسية في الخارج حول قضايا الوطن والمنطقة العربية ونسقا بعض الأنشطة الإعلامية والنقابية معاً، ومن خلال لجان حقوق الإنسان، واتحاد النقابات العمالية العالمية.

وقد ظل الشيخ الصفار وقيادات حزبه في الخارج حتى احتل صدام الكويت فاتخذ الصفار موقفاً وطنياً شجاعاً _ مهما كانت أسبابه _ بإعلانه وقوف الشارع الشيعي مع القيادة السعودية ضد تهديدات صدام، لأن الوطن أصبح مستهدفاً، وينبغي أن يكون الجميع في خندق واحد ضد أعدائه.
وقد عاد مع قيادات حزبه إلى البلاد في عام 1993م، بعد تفاهمات مع الحكومة، ووعود بإزالة أشكال التمييز الطائفي ضد الشيعة، ولكن الحكومة لم تنفذ منها شيئاً، فناله الكثير من غضب الشارع الشيعي، ومسّه ألم الخذلان ،لكنه بقي ثابتاً على موقفه.

وقد عرفته فيما بعد عن قرب، فاكتشفت فيه نزاهة العالم، وصدق الوطني، وخلق التسامح الرفيع، وعرفت فيه المجدد الديني الذي يقبض بفهم وعمق على مقاصد الشريعة الكلية، وقدرتها على بناء دولة إسلامية حديثة، تأخذ بمبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان، وتضمن حقوقه في المشاركة السياسية في اتخاذ القرار. وبذلك أزلت من الصورة التي احتفظت بها له، كل توهمات الحدة والعنف، ووضعته حيث هو، مثالاً للخلق الفاضل والرجولة الحقة.