الحوار المسؤول والمهاترات الطائفية

مكتب الشيخ حسن الصفار
في ذكرى شهادة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (سلام الله عليه) تحدث سماحة الشيخ في الليلة الثالثة من هذه الذكرى المؤلمة ليلة 21 شهر رمضان 1423هـ حول الحوار المسؤول والمهاترات الطائفية. وقد افتتح سماحة الشيخ خطابه بكلمة لأمير المؤمنين يقول فيها: «ليس أحرص على جماعة أمة محمد وأُلفتها مني، أبتغي بذلك حسن الثواب وكرم المآب.»

تحديات خطيرة تعترض الأمة


وأكد سماحة الشيخ في بداية خطابه على أن الظرف الحاضر الذي تعيشه الأمة الإسلامية اليوم هو من أشد الظروف حساسةً، إذ لم يمر على الأمة الإسلامية طوال تاريخها الطويل ظرفاً كهذا الظرف المعاش. وذلك لأن الأمة تواجه تحديات خطيرة لم تواجهها من قبل، وأهما:

أولاً- التحديات الخارجية العنيفة.

هذه التحديات تقودها القوة العظمى والوحيدة التي تسيطر على العالم وهي أمريكا، فهي تُجيّش الجيوش لحرب المسلمين. صحيح أنهم يُعلون أن الحرب التي يقودونها هي ضد الإرهاب، ولكن الواقع أنها حربٌ شعواء ضد الإسلام والمسلمين. ومن ابرز أبعاد هذه الحرب:

1- التعبئة الإعلامية الثقافية الموجهة لتشويه الإسلام والمسلمين على مستوى العالم. وذلك عبر طباعة الكتب، والتصريحات الإعلامية، وعبر البث الفضائي المباشر. وذكر سماحة الشيخ نماذج متعددة من ذلك.

2- من الملاحظ التعامل مع المسلمين قد تغير خصوصاً في أمريكا فقد وُضعت قوانين لتشديد التفتيش على المسلمين في جميع مطارات أمريكا. وأيضاً التعرض على المؤسسات الإسلامية بمصادرة أموالها أو غير ذلك.

وأضاف سماحة الشيخ أنه إلى جانب هذه الحملة والحرب ضد الإسلام والمسلمين، أمريكا تُطلق العنان لإسرائيل لتفعل ما تشاء وكيف تشاء بالفلسطينيين دون رادع أو قيد.

3- أمريكا تعتبر الدول العربية والإسلامية ساحة مفتوحة لنشاطها العسكري، فبإمكانها أن تجند الجنود في أي بقعة وأي مكان في العالم الإسلامي والعربي.

ثانياً- التحديات الداخلية العميقة.

ويتمثل هذا التحدي الخطير في التخلف الذي يُحيط بالأمة من جهة وجانب، في التنمية والتقدم العلمي والعملي والفكري الثقافي، وفي كل حقول المعرفة. وأكد سماحة الشيخ على أن هذا التحدي أهم وأخطر من سابقه بل هو بوابة إلى التحدي الأول.

وتعرض سماحة الشيخ في جانب من حديثه إلى التقرير الذي صدر مؤخراً عن مجلس التنمية للأمم المتحدة والذي يتحدث عن التنمية البشرية في العالم العربي وقال سماحة الشيخ أن هذا التقرير يحوي حقائق خطيرة تُعد جرس إنذارٍ للعالم العربي ككل. وذكر سماحة الشيخ نبذة من الإحصائيات التي يحتويها هذا التقرير.

وبعد ذلك قال سماحة الشيخ: إن هذا التخلف واضحٌ وجلي ولذا تجد أننا نحتاج إلى الآخرين في كل شيء، وتساءل سماحته: ماذا إذا بقيت الأمة الإسلامية على هذا الواقع؟ وأجاب سماحته: إن نتيجة ذلك تهميش الأمة وعدم الإلتفات إليها في أي أمرٍ من الأمور.

واجبات الأمة تجاه التحديات


ثم طرح سماحة الشيخ سؤالاً مهماً وهو: في قبال هذه التحديات ما ذا يجب على الأمة؟ وطرح لذلك عدة أمور:

1- على الأمة الإسلامية أن تهتم بمواجهة هذه التحديات سواءً الداخلية منها أو الخارجية.

2- يجب أن تتكاتف القوى وتتوحد إرادة ألأمة، حتى تتمكن من مواجهة هذه التحديات الخطيرة.

واقع الأمة المخجل


وتساءل سماحة الشيخ مستنكراً: ماذا نجد في واقع الأمة وساحتها اليوم؟ هل الأمة منشغلة بهذه التحديات؟ وهل هناك سعي لتوحيد الجهود والطاقات?.

وقال سماحة الشيخ: للإجابة على هذه الأسئلة علينا أن نتأمل فيما يُبث اليوم في القنوات الفضائية من مناظراتٍ مذهبيةٍ طائفية. وقال سماحته: والمشكلة فوق هذا أن أبنا مجتمعاتنا سريعو الاستجابة لمثل هذه البرامج، بيد أن هذه البرامج تُعيد الأمة للوراء.

وأضاف سماحة الشيخ إن هذه البرامج وهذا التصعيد الطائفي توافق مع الهجمات الأمريكية ضد الإسلام والمسلمين مما يكشف عن وجود أرضية منبسطة للأمريكيين لتنفيذ مخططاتهم وما هؤلاء الطائفيون إلا أدوات لتنفيذ المخططات الأمريكية.

وأكد سماحة الشيخ بعد ذلك على أن هذا الطرح لا يعني عدم القبول بالحوار، وإنما الرفض جاء للطريقة التي يُمارس فيها الحوار. وطرح سماحته الطريقة المثلى لقبول الحوار ضمن شرطين، هما:

الشرط الأول: أن يكون هناك توقيتاً مناسباً للحوار.

الشرط الثاني: أن يكون الحوار على أساسٍ علمي منطقي خالٍ من السباب والشتم والتكفير وإلا أصبح مهاترات وليس حواراً.

قادة الأمة والدور المطلوب


وبعد ذلك قال سماحة الشيخ: دعنا من هذه القنوات وما يُبث فيها. وانتقل للحديث عن أصل المشكلة المذهبية الطائفية التي تعيشها جملة من الدول الإسلامية. وأكد في حديثه على ما ينبغي أن تقوم به قادة الأمة (الحكومات، العلماء، والواعون)، تجاه هذه الحالة المذهبية، وقال سماحته: على قادة الأمة أن يُفكروا بجد في تجاوز هذه الحالة، وذلك عبر:

أولاً- ينبغي ألا يؤثر الاختلاف المذهبي على حقوق المواطنة، وحقوق الإنسان في بلده.

ثانياً- يجب أن تُربى الأبناء وأن تُهذب أنفسهم على احترام الآخر، كما ينبغي أن تُنشر ثقافة التسامح، وثقافة القبول بالرأي الآخر.

ثالثاً- في البلاد التي يكثر فيها الاختلاف المذهبي خصوصاً، على قادة الأمة أن يفتحوا برامج للدمج الواقي لتجاوز أي حالة من حالة النزاع والقطيعة.

وأضاف سماحة الشيخ أن الأيام حبلى بالأحداث ولا يُدرى ماذا سيأتي، ولذا يبغي أن تُعمّق حالة الوحدة في الأمة، وعلى الحكومات أن تتقي الله في أوطانها، كما على العلماء والقادة الاجتماعيين أن يتقوا الله وأن يؤدوا واجبهم المفروض عليهم القيام به.

أمير المؤمنين الأحرص على وحدة وألفة الأمة


واختتم سماحة الشيخ حديثه باستعراض نماذج من حرص الإمام علي على وحدة وألفة الأمة بادئاً كلامه بالكلمة التي تصدّرت البحث إذ يؤكد الإمام فيها على أنه لا يوجد أحدٌ أحرص منه على وحدة وألفة الأمة، والإمام هنا لا ينطلق من منطلق سياسي وإنما من منطلق ديني، فيقول: «أبتغي بذلك حسن الصواب، وكرم المآب»

اللهم وصل على علي أمير المؤمنين، ووصي رسول رب العالمين، عبدك ووليك وأخي رسولك، وحجتك على خلقك، وآيتك الكبرى والنبأ العظيم.

والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمدٍ وآله الطاهرين.