الصفار: ولاؤنا للوطن أولاً وأخيراً .. ونحن متفائلون بنتائج الحوار الوطني

مكتب الشيخ حسن الصفار
الاعتراف الاسلامي بالمذاهب الثمانية يحتاج إلى تأصيل قانوني


عكاظ (جدة)

أكد الشيخ حسن الصفار انه ما زال متفائلاً بنتائج الحوار الوطني النهائية. وانه لا داعي للتشاؤم أو الاستعجال ويكفينا أن تكون الخطوة الأولى في اتجاه التقارب والالتقاء والحوار قد تمت فذلك كفيل بان يوصلنا جميعاً إلى النتيجة النهائية التي ينشدها الجميع في قيام مجتمع مدني يقوم على التعاون والتفهم والعمل من أجل الوطن وبما يعزز وحدته الوطنية.

جاء هذا في اللقاء الخاص الذي دعا إليه الاستاذ عبد المقصود خوجة بمنزله مساء أمس الأول (السبت) وحضره عدد من المشايخ والأدباء والمثقفين من المنطقة الشرقية والمدينة المنورة بالاضافة إلى بعض الشخصيات الثقافية والتربوية من جدة ومكة.

وكان الشيخ الصفار يعقب بذلك على أحد المشاركين في الحوار من القادمين من المنطقة الشرقية الذي قال في مداخلته انه ليس متفائلاً بتحقق نتائج ملموسة ينشدها الجميع وفي مقدمتنا ولاة الأمر.. وعزا عدم تفاؤله الى تصريح أدلى به أحد المسؤولين ونشرته احدى الصحف وقال فيه: «ان هذا الحوار غير ملزم لأحد» دون ان يوضح من هذا المسؤول الذي نسب إليه هذا الكلام وأي صحيفة نشرته وما هي طبيعة السياق الذي ورد فيه هذا الكلام. وأضاف الشيخ الصفار قائلا: «انه يدرك ان الارث التاريخي ضخم وانه ليس من السهل القفز على تراكمات طويلة ظل كل منا خلالها بعيداً عن الآخر..

وبالتالي فإن الحوار الآن يضعنا جميعاً في الطريق الصحيح لفهم كل منا للآخر بصورة صحيحة فنحن في النهاية بلد واحد، وننتمي إلى عقيدة واحدة ولنا جميعاً مصلحة حقيقية في أن نعمل معاً.. على قاعدة الاحترام والتفهم وعدم الاقصاء والسعي المشترك لتدارس القضايا الخلافية والتغلب عليها. وضرب الصفار مثلاً بالدول الأوروبية التي استطاعت أن توحد خطاها.. وان تتغلب على خلافاتها المذهبية العميقة حتى داخل ديانتها المسيحية الواحدة.. وان تصبح امة قوية متماسكة في الوقت الذي تتوفر في الامة الاسلامية كل مقومات القوة والتكامل والوحدة..

وقد تحدث في اللقاء آخرون من مرافقي الشيخ الصفار من حضور اللقاء وقالوا: ان خيارنا الامثل هو في اعتراف كل منا بالآخر.. فنحن في عصر تؤمن فيه الاسرة الدولية بان التعدد والتنوع الثقافي لا يعني الاختلاف كما لا يعني التناقض الحاد وانما هو يجسد واقعا ثقافيا ومعرفيا وحضاريا موجودا وإن على العقلاء واصحاب الرأي ان يستثمروا ذلك بالتركيز على القواسم المشتركة العظمى وبالعمل المخلص والواعي البناء والبناء عليه شريطة ان يسعى الجميع الى ترسيخ الوحدة الوطنية في ظل تكافؤ الفرص والحقوق وسيادة النظام والقانون.

وقالوا ان الوطن بحاجة الى كل ابنائه وبالتالي فإن مشاركة الكل في بنائه وتحمل اعباء المسؤولية توجب على الجميع المساهمة بفعالية وإيجابية.. فالوطن ليس لفئة دون اخرى.. واضافوا: «ان الحوار الوطني يمثل قاعدة انطلاق لمعالجة كل الاخطاء ومواجهة التحديات وتعزيز الثقة فيما بيننا. وتناولوا مقررات مؤتمر القمة الاسلامية في مكة المكرمة المنعقد في الفترة الواقعةمابين5-6/11/1426هـ وقالوا ان اعتراف قادة (57) دولة اسلامية بالمذاهب الثمانية يجسد طبيعة مرحلة مثيرة للتفاؤل في حياة الامة الاسلامية وان اعلان مكة يمثل نقطة انطلاق هامة في هذا الاتجاه لكن الاهم من ذلك هو تنفيذ ماتم الاتفاق عليه وتأصيله بتبني صيغة قانونية ملزمة لجميع الدول الاعضاء بتفعيل هذا القرار الهام الذي ان طبق فإنه سيوفر ارضية مشتركة ليس فقط للتفكير الصحيح الذي تحتاجه الامة، وانما للتطبيق والممارسة التي ستزيل الكثير من معوقات التقارب والتكامل في ظل الاستيعاب الكامل لبعضنا البعض وتمتع الجميع بكل الحقوق وتحمله كافة الواجبات والمسؤوليات التي تفرضها المواطنة الحقة.

وأشاروا إلى ان المنطقة الشرقية بطبيعتها، كمصدر للثروة ومجالات واسعة للعمل قد استقطبت اعداداً هائلة من ابناء المملكة وقد عاشوا طوال حياتهم اخوة متجانسين، لم يشعر فيهم احد بانه ينتمي لمذهب او فئة او قبيلة او عنصر معين وانما كان الجميع يعملون ويتعايشون ويتقاسمون فرص العيش والحياة كإخوة.. دون أن يشعر أي منهم بأنه غريب عن الآخر. وقد ساهم عدد من المثقفين واصحاب الرأي المشاركين في اللقاء من ابناء مدينة جدة ومكة.. وقالوا: ان اجتماعنا اليوم يؤكد رغبة المجتمع السعودي في اذابة اوجه الاختلاف بينهم.. وفي توفر الارضية الصالحة للعمل المخلص والمشترك والبناء والانتقال من حالة الاقصاء لبعضنا البعض حتى داخل ابناء المذهب الواحد الى حالة الاستيعاب الكامل لبعضنا البعض. وقالوا: ان تاريخنا الطويل يؤكد ان شعبنا يعيش في وئام تام.. وان علينا الا نتعجل الوقت للوصول بالحوار الوطني الى منتهاه.

لان المسألة لا تتعلق بجوانب اجرائية بقدر ما ترتبط بفكر تعمق واخطاء استمرت وتكرست من الجانبين.. وان الاجتماع والحوار كفيلان بتذويب اوجه الاختلاف وتوفير اسس تفكير وعمل مشتركين.

واضافوا.. ان التفاؤل مطلوب.. والعمل من اجل تطوير الحوار مطلوب ايضاً.. وان البناء على ما تقدم من شأنه ان يوصلنا الى النهاية المرجوة. فنحن في النهاية ابناء وطن واحد.. وعقيدة واحدة.. ولنا مصلحة حقيقية في ان نكون يداً واحدة بمواجهة تحديات كبيرة وخطيرة تواجهنا معاً. وعبروا عن حرصهم على تكثيف الاتصال وتبادل الرأي وتحديد المشاكل والتصدي لها بحلول واقعية وعقلانية رائدها خدمة هذا الوطن وتكريس وتعزيز وحدته وامنه وسلامته واستقراره باعتبار ان العمل خارج هذا المبادئ خيانة للوطن.

وتساءل بعض الحضور عن القضية المطروحة في الخارج حول الشكوك بخصوص ولاء الشيعة العرب لايران وتأثير ذلك على الوحدة الوطنية لبلدانهم. وقد علق الشيخ الصفار اخيراً على هذه المداخلات مركزاً على ثلاث نقاط اساسية هي:

- اهمية استمرار دفعة التفاؤل المحيطة بمشروع الحوار الوطني وقال ان التشاؤم سيدفعنا الى اليأس وهذا غير ما يتمناه ويرجوه الجميع. لان الدولة راغبة في معالجة الامور وتصويبها وعلينا ان نستثمر هذا التوجه الطيب وان نساعده على النجاح وصولا الى الهدف الذي من اجله قام هذا المشروع المبارك.

- وقال في النقطة الثانية - ان مؤسسات المجتمع المدني مطالبة بالقيام بجهد مواز لاستثمار روح الحوار وتوجهاته وتفعيله عبر جميع القنوات.. كما ان المواطنين ومن خلال منتدياتهم وملتقياتهم ومناسباتهم الخاصة والعامة مطالبون بتوسيع دائرة الحوار بهدف تشكيل رؤى جديدة من شأنها أن تحقق التقارب وتوفر الفهم المشترك وتضغط بقوة لصالح بناء الفكر الايجابي والبناء.

وقال: ان الاختلاف طبيعة بشرية أقر بها الاسلام ودعا الى العمل من اجل التقريب والتأليف بين الناس.. قال تعالى: ﴿ ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة.. ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك.. ولذلك خلقهم ﴾.

وعلينا أن نتجنب تعميق أسباب الاختلاف وأن نسعى الى التركيز على الأفكار والرؤى والمواقف المشتركة.. وأن ننظر في كيفية معالجة أوجه الاختلاف بعيداً عن تبادل النقد والمواقف الحدية القاطعة فهناك مجال واسع لأن يصحح كل منا أخطاءه ومفاهيمه وأن نلتقي على الخير.

وتحدث في النقطة الثالثة حول ما اعتبره البعض ولاء الشيعة العرب لايران فقال: إن علينا أن نتفق أولاً وأخيراً أن الولاء لا يجزأ وأنه لا يجب أن يكون إلا للوطن الذي ننتمي اليه.. اصولاً.. وحياة.. وتاريخاً ومصالح وتربة.

واستطرد يقول: ان الشيعة في العراق وغيرها منخرطون كغيرهم في أحزاب وتوجهات سياسية سائدة.. لها مبادئها ومنطلقاتها وخطابها الاعلامي الذي لامس مشاعر الجماهير وتبنى قضاياهم بمواجهة الأطراف المناوئة للأمة.

وربما وجدوا في الخط الايراني ما يلتقي معهم ويتبنى مقرراتهم فبدوا وكأنهم جزء من التفكير الايراني، تماماً كما حدث في عهد عبدالناصر عندما التقت الجماهير العربية مع طروحاته القومية والوطنية حتى بدت بعض الشعوب وكأنها على خلاف مع أوطانها.. وعاد الصفار الى التأكيد.. ان حالة التجاذب هذه في جانبها السياسي لا تبرر ولا يجب ان تبرر أي شكل من اشكال الازدواجية في الولاء.. فالولاء للوطن.. والسمع والطاعة لأولياء الأمر في الوطن..

وقد أنهى الاستاذ عبدالمقصود خوجه اللقاء بالتأكيد على ان رائدنا جميعاً هو ترسيخ الوحدة الوطنية والعمل على التوفيق بين جميع التوجهات وصهر كافة الطاقات في مختلف ارجاء الوطن تحت مظلة عقيدة التوحيد التي انارت لنا طريق الهداية والنور وحثتنا على ان نكون وباستمرار أمة واحدة.. نسعى الى خير الانسانية ومن باب اولى ان تؤلف وتجمع وتوحد القلوب والآراء.. والافكار..

وعلينا أن ننطلق من الاختلاف الى الاتفاق، ومن حالة سوء الفهم الى الفهم الصحيح وفي تاريخنا الاسلامي العريق ما يؤكد على هذا.. ويحث عليه..

وإن لقاء هذه النخبة الطيبة يصب في قناة العمل المخلص والبناء ان شاء الله من اجل وطن الخير والمحبة والوئام..

وقد تحدث في هذا اللقاء الى جانب الشيخ الصفار كل من الشيخ فوزي السيف والسيد عدنان العوامي والدكتور صادق الجبران والشيخ فهد العصاري والاستاذ نجيب الخنيزي ومحمد النمر.

كما تحدث ايضاً كل من: الدكتور عاصم حمدان والاستاذ مشعل السديري والدكتور غازي مدني والدكتور عبدالله مناع والاستاذ عبدالمحسن حليت والدكتور عبدالله مصري والدكتور جميل مغربي والاستاذ محمد حمزة بوقري. الجدير بالذكر ان الشيخ حسن الصفار سيكون ضيف اثنينية الاستاذ عبدالمقصود خوجه.. حيث سيتم تكريمه والتحاور معه ايضاً.