الجهاد للقضاء على العشوائيات

مكتب الشيخ حسن الصفار
قبل عدة أيام وصلتني دعوة كريمة من الأستاذ عبد المقصود خوجة لحضور لقاء مع الشيخ السعودي الشيعي حسن الصفار، وحيث انه سبق لي أن شاهدت الشيخ يتحدث في إحدى مقابلاته التلفزيونية، وحيث انه راقني حديثه ووقاره ومرونته، فلم أفوت الفرصة للاستماع إلى منطقه أكثر، وفعلاً ذهبت ووجدت (لفيفا) ـ أي جمعاً ـ من الدكاترة والأساتذة المثقفين طبعاً، أو هكذا يفترض، وكانت الأحاديث والمداخلات ذات شجون متباينة.

كان محور الأحاديث باختصار يدور حول (التآخي) بين المذاهب الإسلامية، ومما قاله الشيخ في هذا الصدد: إن القرآن الكريم والسنة الشريفة يدعوان ويحثان على التفاف المسلمين حول حبل واحد وعدم التفرق، لكي لا تذهب ريحهم، وكيف أن الغرب بكل تناقضاته استطاع أن يتوحد بمصالحه، ويحيد تناقضات مذاهبه، ويفتح المجال والحرية للممارسات والاجتهادات التي ترسخ التعايش في مجتمعاته، وقد قطع أشواطاً بعيدة من النجاح في هذا المجال.. في حين أن المسلمين لا هم لهم إلا النيل من بعضهم البعض، ومحاولة التحكم والسيطرة ببعضهم البعض، والبعض يسفه الآخر، أو يحقره، أو يجهله، بل انه وصل إلى الحد أن بعضهم اخرج الآخر من الملة ـ والعياذ بالله.

وبادرت بالإمساك بزمام الحديث، بعد أن سمعت ذلك، وطرحت سؤالاً كله دهشة وتعجب وذهول، لم يستغرق سؤالي أكثر من دقيقة واحدة، وكنت بالفعل (مستصيباً) وقلت: كيف لم يستطع القرآن الكريم والسنة الشريفة خلال أكثر من أربعة عشر قرناً أن يقضيا على تلك (العشوائيات) المعششة في عقول وصدور أجيال المسلمين؟! أي منطق جهادي يدعو له المسلمون لمحاربة الكفرة، وبينهم هم ما صنع الحداد، إن لم يكن بالسيف فهو بالحقد والضغينة، وأولى بالمسلمين أنفسهم أن يدعوا للجهاد بهدف القضاء قبل ذلك على (العشوائيات) التي ذكرتها، والتي جعلت من حياتهم فوضى وتخلفا وانحدارا.

اعتقد أن ثقافة (المحبة) عند المسلمين ليست موجودة، وان كانت موجودة فهي مريضة، أو في أحسن الاحتمالات فيها (خلل) لا بد من إصلاحه. (التسامح) لديهم (كفرق ونحل) يبدأ وينتهي عند نهاية خشم الواحد منهم فقط، ولا يشمل حياة أخيه الآخر المختلف معه في المذهب، بل انه يضيق عليه ولا يوجد له أي عذر.

والآن وبعد أن وصلت إلى هذه المرحلة الدنيا من (الإحباط) لا بد ان أفيق على حالي، وها انذا ولله الحمد قد أفقت تقريباً بعد أن تناولت قرصين من (البنادول).. أقول وبالله التوفيق: علينا إذا كنا جادين بالتآلف والتفاهم والتوافق والتوحيد، علينا أن نرمي بالأجيال السابقة بمن فيهم جيلي أنا المفترض، علينا أن نرمي بهم خلف ظهورنا، بدون أي شفقة أو أسف، وان نغرس المحبة (الصحية) في قلوب صغارنا من الآن، ونعلمهم روعة العدل والعدالة، وجمال الحياة، ومتعة اللعب، وحتمية الاختلاف، ولا ننسى، بل ونشدد على الاحترام، والاحترام، والاحترام.

مع الأسف أحسست أنني بدأت أتقمص شخصية المدرس، ومع تقديري لكل مدرس، فإنه لم يخطر على بالي في أي يوم من الأيام أن أكون كذلك، بل إنني افر منها مثلما افر من (أبو حصين).

واختم بكل فخر وأقول: انه يوجد لي إخوان أصدقاء من الشيعة لا أساوم عليهم، ولدي أصدقاء من الإخوان العرب المسيحيين اعتز بهم، بل إن لي أصدقاء من أيام الدراسة لم اكتشف أنهم من اليهود إلا بالصدفة، وما زالوا أصدقائي، فلم أسأل يوماً أحداً قابلته عن مذهبه أو دينه، واكره ما أكره أن يسألني احد عن مذهبي، لأنني بالفعل سوف احتار وأتلعثم، فكل ما ادريه أنني (مسلم) ولله الحمد، وهذا بالنسبة لي يكفي.

وقد قال الرسول الكريم: خياركم في الجاهلية، خياركم في الإسلام.

(الشرق الأوسط، الأربعاء 12/4/1427هـ)