الشيخ الصفار يتساءل: لماذا لا يهتم الإنسان بداخل نفسه كما يهتم بالعناية بجسمه؟

مكتب الشيخ حسن الصفار

 

قال سماحة الشيخ حسن الصفار إن النفس هي التي تقود الجسم وتحركه، وهي التي ترسم مسار حياة الانسان، وتشكل شخصيته، وتحدد سلوكه.

وتابع: إن الإنسان غالبًا ما يغفل عن الاهتمام بالبعد الآخر من ذاته وشخصيته، وهو البعد الداخلي النفسي. وهو البعد الأهم والأكثر تأثيرًا على حياته ومستقبله.

جاء ذلك ضمن خطبة الجمعة 19 صفر ١٤٤٦هـ الموافق 23 أغسطس ٢٠٢٤م في مسجد الرسالة بالقطيف شرقي السعودية بعنوان: الاهتمام بداخل الذات.

وأوضح سماحته أن مهمة الدين، ووظيفة القيادات الدينية، إثارة اهتمام الإنسان بداخل ذاته وعدم الغفلة عنه.

وتابع: إن من يهتم بداخل ذاته، فينمي فيها النزعات الخيرة، ويكبح جماح الاهواء والشهوات، ويقوّم تصوراته وانطباعاته، ويحاكم سلوكه وتصرفاته، ويستحضر الله في قلبه، ويفكر في وقوفه بين يديه، فسيكون رابحًا في حياته وفائزًا في آخرته.

وأضاف: أما من يغفل عن نفسه، ويطلق العنان لشهواته واهوائه، فسيخسر دنياه وآخرته.

وقال: إن الاهتمام بداخل الذات يجب ان يكون هو الشغل الشاغل للإنسان طوال حياته، ومهما كانت منزلته ومقامه.

وتابع: لذلك نجد ان الأنبياء والائمة والاولياء الذين يوجهون الناس للاهتمام بدواخل ذواتهم، هم أنفسهم الأكثر اهتمامًا بذلك.

وأضاف: إنهم يواظبون على العبادة والتهجد وذكر الله سبحانه، ومحاسبته أنفسهم أمام الله تعالى، كما نقرأ في سيرتهم وأدعيتهم ومناجاتهم.

واستشهد بما ورد عن النبي الذي كان أقرب الخلق الى الله واحبهم اليه، فإنه يستغفر الله مائة مرة كل يوم، ويتوب إليه سبعين مرة من غير ذنب.

وأبان سماحته أن للإنسان بعدين في هذه الحياة، بعدًا ظاهريًا ماديًا يتمثل في جسمه، بصورته وحواسه واعضائه، وبعدًا داخليًا نفسيًا يتمثل في رؤاه وتصوراته ومشاعره واحاسيسه.

وتابع: عادة ما يفرض الاهتمام بالبعد الظاهري (وهو الجسم) نفسه على الانسان، فالحاجات البيولوجية شديدة الالحاح على الانسان، كالحاجة الى الطعام والشراب والملبس والمأوى، والرعاية الصحية، وتحقيق الرغبات العاطفية.

وأضاف: وينشغل بتلبية هذه الحاجات، ويهتم بالعناية بجسمه، بتحصينه من العلل والامراض، والحفاظ على صحته، وجمال واناقة مظهره، وتوفير الرغبات ومتطلبات الراحة.

وتابع: لو توفرت للإنسان كل مقومات الصحة الجسمية والاناقة الجمالية، وحاز مختلف الإمكانات المادية، لكنه كان مريض النفس، فأنه سيعيش القلق والاضطرابات، ويفقد الطمأنينة والتوازن في حياته وسلوكه.

ومضى يقول: إن كثيرًا ممن يعانون الازمات النفسية، ويصيبهم القلق والاكتئاب، لا تنقصهم القدرات الجسمية ولا الامكانات المادية، لكن ازماتهم النفسية تكدر صفو حياتهم، وتمنعهم من التمتع بها، وقد يلجأ بعضهم إلى الانتحار، أو الانكفاء والعزلة والانطواء.

وتابع: حسب تقارير منظمة الصحة العالمية، فان نسبة من حالات الانتحار تحدث في بلدان مرتفعة الدخل، وهناك تزايد في اقبال النجوم والمشاهير على الانتحار.

وأضاف: كذلك هو حال من يقع في براثن الإدمان على المخدرات، او يتورط في ممارسات الاجرام، فيدفع حياته وراحته ثمنًا لانحرافه واجرامه.

وبمناسبة مرور ذكرى وفاة الإمام علي بن موسى الرضا قال سماحته: إن في سيرة الامام الرضا نموذجًا مشرقًا للاهتمام بداخل الذات، يتجلى ذلك من خلال برامجه العبادية ومكارم اخلاقه.

وذكر أن أحد مرافقي الإمام إلى مرو وصف حالته قائلا: مَا رَأَيْتُ رَجُلاً كَانَ أَتْقَى لِلَّهِ تَعَالَى مِنْهُ وَلاَ أَكْثَرَ ذِكْراً لِلَّهِ فِي جَمِيعِ أَوْقَاتِهِ مِنْهُ وَلاَ أَشَدَّ خَوْفاً لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْهُ.

وتابع: إن أهم ما نستفيده من احياء ذكرى الامام الرضا ، هو استحضار سيرته العطرة، لنسعى للاقتداء به، وان نهتدي بتعاليمه وتوجيهاته.