أيام ومشاهد «جداوية».. معوقات الاندماج الوطني

مكتب الشيخ حسن الصفار
أ. نجيب الخنيزي
عكاظ:27/4/1427هـ

المحاضرة القيمة التي قدمها الشيخ حسن الصفار في أثنينية الأستاذ عبد المقصود خوجة والتي حضرها حشد كبير من المثقفين وعلماء الدين والإعلاميين والمهتمين بالشأن العام تمحورت حول «حوار المذاهب» الذي دعا إليه بعض علماء السلفية في المملكة، وفي ظني أن ذلك يمثل تطورا مهما في فهم واستيعاب الواقع التعددي (بما في ذلك التعدد المذهبي) للمجتمع السعودي، ونبذ الإلغاء والإقصاء واعتماد أسلوب الحوار الموضوعي والهادئ للوصول إلى المشتركات بين كافة الأطراف المعنية وقبل كل شيء بين المؤسسة الدينية الرسمية وممثلي المذاهب والطوائف المختلفة،

وهو يأتي متسقا مع قرار مؤتمر القمة الإسلامي الأخير الذي اقر بوجود 8 مذاهب إسلامية معترف بها، وفي هذا الإطار أنا أتفهم وأتعاطف مع من شعر بخيبة أمل لعدم إدراجه (وقد يكون غير مقصود) وآمل أن يجري تصحيح ذلك مستقبلا باعتباره حقا لا يجوز إهماله لأي اعتبار فضلا عن كونه أمرا واقعا وقائما لايمكن تجاهله و القفز عليه.

فحوى محاضرة الشيخ حسن الصفار (غير المكتوبة) تمحورت حول أهمية الحوار الوطني باعتباره ضرورة الراهن و دعا إلى توسيعه ودفعه نحو آفاق جديدة وفي كافة المجالات ، والى تفعيل مقرراته وتوصياته على ارض الواقع، وأشار إلى «حوار المذاهب» المقترح باعتباره إحدى الخيارات والأدوات الملموسة لتوسيع الفهم والقبول المتبادل ،والتأكيد على القواسم الدينية والمشتركات الوطنية والمجتمعية خصوصا في ظل الظروف والمتطلبات والاستحقاقات الداخلية التي تواجهها بلادنا وفي مقدمتها التنمية المستدامة ومستلزمات التغيير والإصلاح الشامل، والتصدي لجماعات التطرف والتكفير والإرهاب من جهة، والمستجدات والمتغيرات والتطورات في البيئة الإقليمية والدولية من جهة أخرى.

وقد ركز المحاضر على مستلزمات إنجاح الحوار فرض شروط ذات طابع مذهبي ستدفع
ممثلي كل فئة إلى انتهاج موقف متشدد ومنها الابتعاد عن فرض شروط أو معايير ذات طابع مذهبي – فكري أو إثارتها لأنها ستكون مضرة وستدفع ممثلي كل مذهب إلى انتهاج موقف سجال متشدد حول ما يعتبره من الثوابت والمكونات المقدسة لمذهبه، فالقضايا المذهبية شائكة ولها أبعادها التاريخية والسياسية والاجتماعية والفكرية والفقهية العميقة، لا يملك المتحاورون – حتى لو أرادوا –تغييرها وتجاوزها، والحوار المذهبي – العقدي سيعيد إنتاج الفوارق والاختلاف على نحو قد يكون اشد، وقد يجوز ذلك في لقاءات متخصصة لكنه لا يستقيم مع حوار يتضمن ويتطلب احترام الأنا الخصوصية الآخر والعكس (وليس التنازل للآخر لتحقيق متطلبات الآخر فيك )والوصول معه إلى تظهير القواسم والثوابت العقدية والدينية القطعية الدلالة والمجمع عليها من جهة، والتركيز على المشتركات الوطنية وسبل تعزيزها وتطويرها وبما لا يتعارض مع ثوابت الدين والوطن، والالتفاف حول القيادة باعتبارها رمزا وممثلا لوحدة الوطن والشعب.

ضرورة الحوار ومقوماته تنشأ من الحاجة إلى معرفة الآخر المختلف والوصول معه إلى اتفاق وحلول وسط، وبما يحافظ على السلم الأهلي والتماسك الاجتماعي، فالاختلافات والتناقضات بين الأديان والمذاهب والمكونات الاجتماعية هي في الجوهر سياسي واقتصادي واجتماعي وثقافي أما الصراع والتنافس الديني و المذهبي فهو مظهرها وتكشفها العلني هكذا كان الأمر في كافة الصراعات والحروب الأهلية الدينية وغير الدينية التي شهدتها المجتمعات العربية (منذ الفتنة الكبرى وحتى اليوم المتمثل في ما يشهده العراق الجريح من مآس )وكافة المجتمعات البشرية ونذكر هنا الحروب الدينية المريعة والعبثية التي اندلعت بين الدول وفي داخل المجتمعات الغربية.المشكلة لا تتحدد في وجود الطوائف والمذاهب والقوميات والقبائل والعشائر فهي ظاهرة تاريخية موضوعية شهدتها كافة المجتمعات الإنسانية ومن بينها المجتمعات العربية، غير أن المشكلة تكمن في الطائفية والمذهبية والقومية الشوفينية والقبلية والعشائرية كوعي ورؤيا أيدلوجية وتصرف وسلوك يمارسه الغالبية (أو البعض في المجتمعات والدول المدنية) على صعيد الأنا إزاء الأخر والعكس،

ومافاقم خطورة المسألة هو لجوء احد المكونات المذكورة سابقا إلى انتهاج سياسة الإلغاء للآخر عن طريق التصفية والإبادة أو الازدراء والتميز والسيطرة مستغلة في ذلك ما في حوزتها من قوة وتسلط وسلطان والأمثلة على ذلك أكثر من أن تعد فالنظم الديكتاتورية والشمولية التي مثلتها نازية هتلر في ألمانيا وفاشية موسيليني في ايطاليا والعسكراتاريا في اليابان والمستندة إلى ايدلوجية - قومية شوفينية كانت السبب المباشر لاندلاع الحرب العالمية الثانية والتسبب في مقتل أكثر من 50 مليون إنسان حتى ساعة نهايتهم على يد قوات الحلفاء،

علما أن تلك النظم أو بعضها حظي بتأييد والتفاف شعبي واسع في البداية مثل الحزب النازي الذي فاز في انتخابات ديمقراطية ثم انقض على الديمقراطية ودمر الحريات العامة ، وعلى الصعيد العربي هناك نموذج دال مثله نظام صدام حسين التسلطي الديكتاتوري كفاشية «رثة» ومتخلفة تغلفت بالشعارات القومية الكبرى ولكنها في مضمونها عبرت عن تسلط حكم الفرد المستند إلى حيز الطائفة والقبيلة والعشيرة والذي ابتلع وصادر الدولة والمجتمع المدني، وفي ظل الفراغ الناشئ بعد سقوط النظام العراقي سارعت كافة التكوينات الاثنية والطائفية والقبلية التقليدية لملء الفراغ ومحاولة فرض أجندتها ومصالحها الخاصة،

هذه الأمثلة وغيرها تنطبق على كافة الايدلوجيا (القومية والمذهبية والاشتراكية والوطنية) الشمولية التي وصلت وستصل إلى طريق مسدود وستفشل حتما كما فشلت الجماعات الأصولية ما لم تلتزم بمبادئ الحرية والتعددية والقبول بالآخر المختلف.