السخرية من الآخرين.. لماذا؟

مكتب الشيخ حسن الصفار
كتب: عبدالباري الدخيل

لماذا يسخر قومٌ من قوم؟
هل تستطيع أن تقطع بأنك أفضل من الآخر؟
على أي أساس أنت تنظر للناس بنظرة دونية؟

بحثا عن إجابة لهذه الأسئلة كان الحديث القرآني سماحة الشيخ حسن الصفار الذي ألقاه اليوم الأربعاء ليلة الخميس (4/5/1427هـ) والذي بدأه بالآية الكريمة:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلاَ نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلاَ تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلاَ تَنَابَزُوا بِالألْقَابِ بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (11)

متحدثا سماحته عن علاقة الإنسان بالآخرين والتي تبدأ من نظرته – أي الإنسان – لهم وانطباعه عنهم، فإذا كانت سوية وسليمة فإن العلاقة ستأخذ منحى إيجابيا، وأما إن كانت سيئة سلبية فإنها أيضا ستتأثر بذلك.
ويتضح ذلك من خلال استقبال الإنسان لشخص آخر فإن كان يحترمه فسيلاقيه ببشاشة واحترام وإما إن كان يحتقره فسيكون اللقاء جافا وسيئا.
ولأن الإسلام يريد أن تكون العلاقات الاجتماعية صالحة من الأصل لذلك توجه لإصلاحها من الجذور واهتم بتوجيه المشاعر والأحاسيس تجاه الآخرين باعتبارها بداية العلاقة.

ثم تسائل سماحته: ما معنى السخرية؟
وأجاب: السخرية هي حالة نفسية تنعكس على حالة تعامل الإنسان مع الآخرين بحيث يراهم أقل منه فتنعكس هذه النظرة إلى تعامل بتعالي وسخرية.

ثم تسائل سماحته: لماذا ينظر الإنسان إلى الآخرين بنظرة الاستهزاء؟
وأجاب أن لذلك معنيين:
1/ أنه يرى نفسه أعلى وأفضل من الآخرين، وقد عالج القرآن الكريم هذه الصفة في الإنسان، فهذه الآية وغيرها من آيات القرآن الكريم تؤكد على أن الإنسان لا يمتلك دليلاً على أنه أفضل من غيره وإن لم يكن اليوم فربما في المستقبل، فهذا الإنسان الذي تسخر منه اليوم لكونك أفضل منه ربما يكون عند الله سبحانه وتعالى أفضل منك من جهة ومن جهة أخرى لعله يتطور ويتجاوز هذا الضعف أو هذه النقيصة، وذلك يعني أنك لا تستطيع أن تقطع بأنك أفضل منه لا اليوم ولا غدا.

2/ السبب الثاني أن الإنسان الساخر من الآخرين تتضخم عنده نقاط ضعف الآخرين.
هذه الصفة التي يتعالى بها الإنسان على الآخرين وهو لا يعلم أو يغض الطرف عما فيه من نقاط ضعف وربما هي أكبر وأكثر سلبية من ذاك الآخر.
لعل الإنسان الذي سخر منه معذور في هذه النقطة ولعل له مبرر فلماذا يجعلها منقصة فيه ويسخر منه؟

ثم عاد سماحته للآية الكريمة وتسائل لماذا ﴿ وَلاَ نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ لماذا أفردت الآية ﴿قوم و ﴿نساء؟
فأوضح سماحته أنه: لعل كلمة (قوم) عند العرب تطلق على جماعة الرجال فقط فأراد الله سبحانه أن يشتمل هذا الحكم الأخلاقي وهذا التوجيه الرباني النساء أيضا.
ولعل المفردة (قوم) تشمل الرجال والنساء لكن هنا كان لذكر النساء توجيه خاص وذلك لوجود هذه الصفة أكثر عند النساء وذلك لوجود ظرف اجتماعي خاص يعشنه النساء من فراغ وعدم توجه فيشتغلن بالحديث عن بعضهن ولعله تحدث السخرية أكثر في كلامهن، ولعل لسبب النزول جانب من ذلك.

ثم انتقل سماحته إلى ما هو أشمل ولعله التوجيه الواضح في الآية وهو أن السخرية هنا جاءت بلفظ (قوم) وهذا يعني أن السخرية أحيانا تكون بين الجماعات والأقوام حيث تعتقد جماعة أو عائلة أو أهل منطقة أنها أفضل من غيرها.
والأسوأ أن تكون هذه السخرية في الوسط الديني فتعتقد جماعة دينية أو يعتقد منتمون إلى جهة دينية أنهم الأفضل من غيرهم وأنهم الحق المطلق وغيره خارج هذه الدائرة.
وقد أكد سماحته أن التاريخ أثبت أن هذه الجماعات التي تسخر من الآخرين وتنظر لهم بدونية أن هؤلاء يعيشون على حرير نرجسيتهم ولا يوجد لهم فعل في الواقع ولا فاعلية ولا عطاء أو تأثير.

هذا وقد ختم سماحته حديثه بذكر بعض أسباب النزول وبعض الروايات الواردة عن رسول الله ص أو أهل بيته التي تعالج هذه الخصلة السيئة وتوجه لمكارم الأخلاق، ثم فتح الباب لمن لديه سؤال حول الموضوع.