الشيخ الصفار عندما يُحاكي الواقع «رؤية وموقف»

مكتب الشيخ حسن الصفار صادق العلي
لا يزال القلم ذلك المنبع الوفير، والخيط السلس الذي يُرعش القارئ بشنار العطاء والإباء، لتنشرح بهِ النفوس العطشى، وتزدهر به القلوب اليانعة المتلهفة لنمير العلم، وحب الفكر الذي يرسم على شفاهنا معاني الحرية والتقدم، ذلك القلم الذي له مظاهر الإبداع والإقدام التي خص الله بها الإنسان في مواقف عدة، وأقسم به في كتابه الكريم في مواقف كثيره، إعلاءً لما فيهِ من أثرٍ جلي لمن أستفاد علماً ومعرفة، وأيضاً لمن قرأه ووعاه.


فقليلون هـم أولئـك الذيـن يجسـدون العلـم بالقلـم
وقليلون هم أولئك الذين يعيشون من أجل الوطن


فكلنا ندرك ما للقلم من قيمة فكرية وصياغة علمية أدبية وفيرة. القلم الذي يقوم مسيرة الشعوب، ويجسد معنى التطور والتفاعل الحثيث الذي يصب في خدمة المجتمعات والأوطان. القلم الذي يعطي الإنسان معنى الحرية والإحساس بالقيم الروحية والحياتية.

نحن نجد أن الشعوب والمجتمعات، وعبر قرون عده، سعى المصلحون والمفكرون من خلالها إلى غرس جذور أخلاقيات الحوار، ومبادى التعامل السلمي في مجتمعاتهم عبر الكتاب والقلم، ونجد نفس الإقدام عند المجتمع في تبني أراء المصلحين والعلماء التي تخدم الجميع على أختلاف أطيافهم وأنسابهم دون تمييز أو إقصاء فلا حدود زمانية أو مكانية ولا حتى مذهبية تعرقلهم عن المسير.

تلك المصلحة التي تجمعهم تحت كيان وراية واحدة، وفي إطار موحد، ذلك التعاون والتقارب الذي يميزهم عن غيرهم من الشعوب، ويضفي على حياتهم مزيداً من الألفة والمحبة، تلك الخصله التي تفتقدها الكثير من المجتمعات التي تعيش الأنفصام والتخلف بين أبنائها ومفكريها.

فكل إنسان في هذهِ الدُنيا لهُ كيانه وصفته التي تميزه عن بقية الناس، وهذهِ الصفات التي تتوفر في كل شخص تؤلف جانباً من شخصيته وجاذبيته في المجتمع. فأي قدرة أو ثقافة أو تفكير أو معتقد يتواجد في شخص ما، فإن بمقدار فاعلية هذهِ الأمور على نفس الإنسان تصنع له موقعيه ومكانة في نفوس المجتمع وأبناء الأمه، وعلى أثر ذلك تجد التفاوت والاختلاف بين الأشخاص في تحديد ثقافاتهم وارائهم، وأيضاً مدى قدرة كل منهم في تبني قناعاته والتصريح بها، سوى على نطاق من هم يعيشون بالقرب منه، أو حتى على صعيد أوسع بحيث أنها كما قلنا تتعدى الخطوط الزمانية والمكانية. وذلك انطلاقاً من الآيه الكريمة التي يقول فيها سبحانه وتعالى ﴿ الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا ﴾[1] .

الآن ونحن في زمن الصحوة «بما تحويه من معاني العولمة والديمقراطية» الزاخرة بالكثير من المضامين والأليات المتأصلة والمتجذرة التي يتبناها الكثير من العلماء والمفكرين الأبرار ممن حملوا على عاتقهم مشاعل الهداية، ودروب العلم والمعرفة، نستطيع أن نطلق عليهم وبكل فخر أنهم عماد حق، وحملة علم، وأصحاب فضيلة، وذلك لأنهم سعوا إلى تحقيق الحرية والمساواة بين الناس، إحياءً للقيم الإنسانية والإسلامية الأصيلة التي جعلها الله منهجاً ودستوراً لكل إنسان يسعى إلى تحقيق الديمقراطية بين الناس دون تمييز طائفي أو عرقي، فالتقوى هو مقياس التفاضل بين الناس «كما هو مضمون الأية الشريفه».

نعم هو سماحة الشيخ حسن الصفار «حفظهُ الله»، ذلك المنبع الذي طالما نهلنا من علمه وقلمه حتى الإرتواء، وطالما عزز فينا حب التسامح وحرية التعبير ووحدة الكلمة، فليس هو الوحيد الذي له هذا الحس، وهذا الشعور الوقاد، ولكن أستطيع أن أقول أن ما يميزهُ عن الكثير ممن هم على شاكلته من المفكرين والعلماء. هو ذلك الأمل الذي نراه يختلج فكره ويدقدق مشاعرهُ الوضائه، الهدف الذي طالما سعى بكل جهد للوصول إليه، يراوده في كل حين وعند كل حديث، يجسدهُ في كل موقف، وعند كل لقاء، يدرك الفوارق، ويحلل الموانع، يُشعل الأمل في نفوس الواعين، يعشق القلم، ويحب الوطن، تراهُ كالفراش يتنقل في كل مكان، يرفرف بجناحية ليسطر للناس معنى التعددية وروح الإنسانية، فلهُ وحدة القلم، وطيب المقام. لهُ بصمتاً في كل مكان، وعلى كل الشفاه يرسم الحب والإخاء.

كان ومايزال ذلك الفرد المميز، والرجل المقاوم الذي لم ولن ينساه العالم الإسلامي بجميع شرائحه ومختلف أطيافه. لأنه سعى وبكل جهد إلى تعميق روح المحبة وبناء العلاقات داخل المجتمع وربط أواسر الاخوه بينهم، وتعزيز الوحدة الإسلامية التي يعتبرها البعض خيار الأمة في معركة الوجود، فقد تبنى الشيخ الصفار هذا البند وعتبرهُ عنصراً أساسياً، ومن سلم الأولويات، في بناء شبكة العلاقات الاجتماعية السليمة والصحيحة، وفي إعادة اللحمة الوطنية إلى منظومة العلاقات الإسلامية الحقه. لأن حالات القطيعة والعداوات التي كانت سابقاً جليه في المجتمع والوطن إما لأسباب طائفية أو سياسية أو حتى عرقية أياً كان وزنها، ولتي يمكن لنا الفصل بينها، وبين الحاضر والمستقبل بالدراسة الموضوعية والاستدلالية، بدت الآن وبكل وضوح تتلاشى تدريجياً، وبدت تمتلك مفاتيح الأمن والأمان للناس والمجتمع، وبدت تعطي حساً ثقافياً يجذب الجميع لبعضهم البعض، ناهيك عن البعد الذي يختزل نفوس المجتمع للنهوض بمستقبل وطني عريق.

من هذا لمنطلق أقول أن أي صحوة إصلاحية أو قفزه نوعية، لا يمكنها بمكان أن تغفل شأن العلاقات الاجتماعية، لأنها الأرضية الخصبة التي تنطلق منها وتترعرع عليها، وأيضاً تعد محفزاً واسعاً للإنتاجية والتقدم.

فها أنت الآن يا سماحة الشيخ ترى نتاج أتعابك تلوح في سماء الأفق، وترسم على شفاهنا وحنايانا بسمة الحياة، وحب المحاباة، فهذا التحول الفريد والكبير الذي تشهده المنطقة والعالم الأسلامي بشكلٍ عام إنما جاء بفضل جهودكم وجهود أمثالكم المتضافرة، ومدى رؤيتكم الثاقبة لنهج الإصلاح والحرية العقلية.

فلك منا أصدق عبارات الشكر والثناء، وسدد الله على الدرب خطاك، وجعلك ذخراً لنا وعزاً لمجتمعنا...

حفظك الله يا سماحة الشيخ ولا حُرمنا من عطاياكم.

ابنكم الصغير.

صادق العلي