المطالبة بالتجديد والاجتهاد وإعلان القناعات ليست مطالبة بتغيير العقائد

مكتب الشيخ حسن الصفار

أ.د. محمد الهرفي:

الدكتور محمد الهرفي يرد على فضيلة الشيخ محمد الصفار حول موضوعه الذي كان بعنوان: (الأفكار التصحيحية ورؤية النور)متفقاً أياه في بعض النقاط، ومعارضاً له في موارد أخرى...

وهذا نص المقال:

لم اتردد في حياتي في كتابة موضوع مثل ما ترددت في كتابة هذا الموضوع نظراً لما قد يعتري هذه الكتابة سوء فهم ليس من طرف واحد بل من اطراف عدة ونظراً -كذلك- لأن الاخوين محمد الصفار وعبدالعزيز قاسم كلاهما مقرب إلى نفسي وكلاهما اجتهد في ايصال فكرته لكن هذا الاجتهاد نتج عنه لغط شديد في مجتمعنا واتهامات من هنا وهناك وقد رأيت ان هذا الموضوع ليس ملكاً لاحد لا سيما وان عوامل الاختلاف والتباعد بدأت تتكاثر وبدأ الجميع ينظرون إلى الاحداث المؤسفة التي تجري في العراق من قتل وتدمير وانتهاك لكل المحرمات وبدأت كل طائفة تقول: اظروا كيف يعاملوننا..انهم يقتلوننا على الهوية وكل طائفة تدعي ان الاخرى هي المجرمة وهي البادئة فالسنة يتهمون الشيعة العراقيين ومناصريهم في ايران والشيعة يتهمون سنة العراق ومناصريهم القادمون من خارج الحدود..

وامام هذا المشهد المؤسف والذي يتكرر كل يوم بدأت كثير من التساؤلات تدور في مجتمعنا اذا كان هذا واقع العراقيين مع قوة العلاقة بين السنة والشيعة هناك وتزاوجهم وتقاربهم في النسب فكيف ستكون العلاقة بين السنة والشيعة في السعودية وهل الحديث عن التقارب له نصيب من الحقيقة ام انه حديث للاستهلاك لا قيمته له في الواقع؟؟ اشياء كثيرة تدور في المجالس وكلها كانت تتطلب حديثاً له بداية وقد تكون نهايته طويلة..

اقول: من اجل ذلك كله وجدت ان المداخلة في هذه المسألة قد يكون لها ما يبررها على ساحتنا الداخلية خاصة وان دعاة التقريب تقع عليهم مسؤولية اكثر من سواهم وكل من كتب يرى انه منهم..

اتفق مع الاخ محمد الصفار في حديثه عن الصعاب التي تواجه كل مصلح خاصة اذا كان يسير عكس التيار الجماهيري وخاصة من عامة الناس الذين لا يقدرون حجم الحل الذي يقوم به واعرف ان هذه المهام اصابت الشيخ حسن الصفار كما اصابت غيره من التيار الآخر لكنني اعرف في الوقت نفسه ان الذي يريد ان يتصدى للاصلاح يعرف هذا كله ويجب ان يوطن نفسه على تحمله.. واعرف كذلك ان هذه المهام لا تنطلق من جهة واحدة بل من جهات متعددة واعرف كذلك ان الظروف تسير ببطء السلحفاة ولكن الذي يعزينا جميعاً انها تسير وان كانت ببطء السلحفاة.. عندما تحدث الاخ عبدالعزيز عن تذرع الشيخ بالنضج والزمن لم يكن يقصد نضج الشيخ ولا زمنه ولكنه كان يعني نضج عامة الناس في مجتمعه الشيعي وكلك تحسن الاوضاع العامة لكي يكون الحديث عن الاصلاح بكل انواعه مقبولاً من عامة الناس.. وهذا القول اعتقد انه ينطبق على المجتمعين - السني والشيعي - وما دام ان الاخ محمد اشار إلى تحسن الوضع بصورة واضحة عندما قال(انها الصفاء والنقاء لدى الشريحة الكبرى من ابناء المجتمع والوعي الذي تزداد رقعته يوماً بعد آخر والمناصرة التي يعجز الشكر عن مكافآتها وهناك الاقلام المثقفة والواعية وهي للحق اغلب مثقفي مجتمعنا والسواد الاعظم من اقلامه فان هذا الواقع يعطي الشيخ حسن مساحة اوسع للحراك في مجتمع معظم افراده بدأوا يتقبلون فكرة الاصلاح والتغيير.

مرة ثانية اتفق مع الاخ محمد بأن الشيخ حسن يتحرك من واقع قناعاته وانه لا يبحث عن كلمات الاعجاب وان ما قاله عن بعض ممارسات عاشوراء كان من واقع قناعاته - وبالمناسبة فانا اعرف ان عددا من علماء الشيعة خارج بلادنا قالوا الشيء نفسه - وعندما اثنى الاخ عبدالعزيز على تبني الشيخ لهذه الفكرة واعلانه عنها وان المهتمين بفكرة التقارب رحبوا فيها كثيراً لم يكن يدغدغ في مشاعر الشيخ وانما كان يعبر عن سعادته وسعادة آخرين في المجتمع السني لأن مثل هذا الطرح يساعدهم في مسعاهم التقريبي الذي يتفق معهم عليه الشيخ حسن.. ولست افهم هنا سر غضب الاخ محمد من هذه العبارة وكيف فهم منها ان عبدالعزيز يدعو الشيخ إلى مزيد من (التنازلات) على صعيد عقيدته وفقهه.. المسألة - يا اخي - بكل بساطة ليست تنازلات لا من الشيخ حسن ولا من سواه من اتباع المذهب الآخر وانما هي قناعاته راسخة فان كان اصحابها يؤمنون بهذه القناعات فعليهم اعلانها فالمسألة باختصار ليست دغدغة مباشرة ولا مطالبة بالمزيد مما لا يؤمن به الشيخ فقهاً وعقيدة...

وترتفع وتيرة الغضب عند الاخ محمد وهو يطالب عبدالعزيز بالحديث من الاجندة الاصلاحية التي يقدمها مع الشيخ ليقوم باصلاحها داخل فقه الشيعة وعقائدهم... وكأنه يقول له:لا علاقة لك بمثل هذا الحديث وليس من شأنك التدخل فيه لانك من خارج المذهب والاصلاح يكون من داخل المذهب - ان كان هناك حاجة للاصلاح - فعليك يا عبدالعزيز ان تصمت لأننا لسنا بحاجة إلى دعوات تأتي من الخارج.. وتنقلب وتيرة الغضب إلى سخرية شديدة عند اخي محمد وهو يقول:(ما الذي يرضيك يا استاذ عبدالعزيز ويرضي من سميتهم بالاحبة وهم احبة بالفعل هل عليه ان يخطو خطوات اكثر حتى يتطابق فهمه العقدي والفقهي مع فعله وعمله في كلا المسلكين مع عملك)..احسن الظن بالاخ محمد فلا اعتقد انه فهم ان عبدالعزيز يبحث عن هذا التطابق ولا اعتقد ان سواه يتحدث عن تطابق بين المذهبين ولكنني أيضاً اعجب من هذا القول من شخص مثل (محمد) والذي افهم منه انه لا يرى اي داع للتقارب ولا امل فيه بل ولا حتى حديث عنه..

التقارب لا يعني التطابق والاجتهاد والمراجعة داخل المذهب ليست كفراً والمطالبة بها ليست جريمة واذا كان عبدالعزيز - وسواه - يطالبون الشيخ وسواه من المراجع الشيعية فان عبدالعزيز - وسواه - يطالبون المراجع السنية بنفس المطلب بل ان هؤلاء يتحدثون ويضغطون لازالة كل ما يسئ للمذهب الشيعي واتباعه سواء في المناهج وسواها.. اذن ما الذي اغضبك واخرجك عن طورك يا سيد محمد من هذه الدعوة التي تهدف إلى مزيد من التقارب الذي يتحدث عنه الشيخ واخرون..

قد يكون مقبولاً ان تقول ان الشيخ ليس من صلاحياته ان يقوم بهذا الفعل فهناك مراجع آخرون هذا شأنهم وقد يكون مقبولاً ان تقول ان الشيخ ليس مقتنعاً باي شيء آخر ولا يمكن ان يغير قناعاته.. لكن لا افهم سر غضبك من دعوة تقولها لكل من يطالب بالاصلاح والتقارب سواءً اكان سنياً ام شيعياً.. ويمضي الاخ محمد وفي مواضع عديدة من رده على الاخ عبدالعزيز في لومه وتقريعه على مطالبات التي يرى انها تغرد خارج السرب فمن هو عبدالعزيز الذي يطالب باصلاح الفقه الجعفري؟ ومن الذي اباح له الدخول في الفضاء الشيعي وهو ليس من ابناء هذا الفضاء؟ ولماذا لا يترك الامر لاهله وهم الاقدر والاجدر منه على الخوض في غمار هذه المسائل؟ ثم من قال لهذا العبدالعزيز ان الشيخ يوافقه في رؤيته في التجديد والتغيير؟؟

يا اخي محمد من حق الشيخ ان يوافق عبدالعزيز وسواه او لا يوافقهم ولكن ايضا من حق الآخرين مطالبته - وهم يحسنون الظن به - ان يفعل ما يرونه تحققاً للتقارب بين اصحاب المذهبين لا سيما وهم يعيشون في وطن واحد ولهم هموم واحدة.. ان من حق الشيخ - وسواه -ان يطالبوا اصحاب المذهب الاخر بفعل ما يحقق التلاحم والوحدة بين ابناء المجتمع الواحد..

وفي آخر مقاله يرى الاخ محمد ان على كل طرف ان يقبل الطرف الآخر كما هو ولا يطالب طرف طرفاً آخر ان يركض وراءه لكي يكسب وده.. وقد يكون هذا مقبولاً ولكنه حتما ليس الافضل وليس الابقى وحتما سيكون مرفوضاً من الغالبية العظمى من الطرفين قد تقبله النخبة من هنا وهناك ولكننا - فيما اظن - لا نبحث عن هذه النخبة وانما نخاطب عامة الناس وهؤلاء لا يقبلون طرح الشيخ محمد وانما هم بحاجة إلى الحديث عن اشياء اخرى تقربهم من بعضهم البعض..

واخيراً لعلي اهمس في اذن اخي محمد ان المطالبة بالتجديد والاجتهاد واعلان القناعات ليست مطالبة بتغيير العقائد والمسلمات ولكنها مطالبة بالاعلان عن قناعات كان الاعلان عنها في الماضي لا يحقق مصلحة لاحد.. وما دمنا نعيش في وطن واحد ومصالحنا مشتركة فمن حق كل منا ان يطالب الاخر بكل ما يحقق وحدة الوطن والقضاء على الخلافات كل منا يقول انها مصطنعة وانها ليست في عقيدته او منظومته الفقهية والله الهادي..

(الرسالة ملحق جريدة المدينة، العدد 15766، الجمعة 27/5/1427هـ)