نحو وعي تربوي

يشغل الأولاد أكبر حيّز من الاهتمام في حياة الوالدين، بل يصبحون هم الشغل الشاغل والمحور الأساس في حياتهما، فعلى المستوى الذهني ينشغل الإنسان بالتفكير في متطلبات حياة الأولاد، وتوفير أسباب الراحة لهم، وعلى الصعيد النفسي يصبحون هم مركز الانشداد والتفاعل العاطفي، ومن الناحية العملية يأخذون القسط الأكبر من جهد الإنسان ونشاطه، بل قد يشكلون أقوى دافع له للعمل والحركة من أجل الوفاء بمستلزمات حياتهم وتسيير شؤونها.

ولكن لماذا يصرف الإنسان كل هذا الجهد والاهتمام من أجل أولاده؟

ولماذا تتلخص حياة الإنسان وتتمحور في دائرتهم؟

هناك سر إلهي حيث أودع الله تعالى في قلب الوالدين ينبوعاً من الحب والعطف يتدفق على الأولاد بشكل غريزي.

ويشير الإمام الحسين بن علي في دعاء عرفة لهذا السر الإلهي قائلاً: «وعطّفت علي قلوب الحواضن وكفلتني الأمهات الرحائم».

ومن دون هذا النبع العاطفي الفيّاض ما كان يمكن تحمّل عناء الحمل، ومخاطر الولادة، وصعوبات التنشئة والتربية.

ينقل أن نبي الله موسى رأى أماً تحتضن طفلها الرضيع بكل لهفة وشوق، فلفت نظره هذا المشهد الإنساني البليغ، فأوحى الله تعالى إليه: يا نبيي أنا أودعت هذا الحنان والمحبة في قلب الأم على طفلها أوتريد أن ترى خلاف ذلك؟ وخلال لحظة واحدة أبدت الأم انزعاجها من صراخ طفلها، وتركته على الأرض، وولت عنه غاضبة، ومع تصاعد بكائه وصراخه، واستمرار استغاثته بها، إلا أنها معرضة عنه غير مبالية به، فرقّ قلب نبي الله موسى لهذا الطفل، ودعا الله أن يعيد العطف والحنان إلى قلب أمه عليه، وفي أقل من لحظة هرعت الأم نحو طفلها وضمته إلى صدرها وغمرته بقبلاتها وحنانها، وصارت تفدّيه بنفسها وحياتها..



الأولاد امتداد للذات:


وثمة عامل آخر وراء هذا الارتباط العميق بالأولاد والاهتمام بهم، هو كونهم يمثلون الامتداد والاستمرار لذات الإنسان، فهم جزء حقيقي من الوالدين، يحملون الكثير من صفاتهما وملامحهما، وينسبون إليهما، لذلك يرى الوالدان فيهم ذاتيهما، وبقاء ذكرهما.

يقول الإمام علي مخاطباً ولده الحسن: «وجدتك بعضي بل وجدتك كلي حتى كأن شيئاً لو أصابك أصابني وكأن الموت لو أتاك أتاني فعناني من أمرك ما يعنيني من أمر نفسي»[1] .

إن رغبة البقاء والاستمرار في هذه الحياة متجذرة في أعماق الإنسان، وإذا كانت فرصته فيها محدودة على المستوى الذاتي، فإنه يسعى لتمديد وإطالة فرصة بقائه واستمراره عبر أولاده المتفرعين منه، وإذا لم يكن له ولد فكأن حياته تبتر وتقتطع، وبتعبير القرآن يكون أبتر ﴿إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ [2] .

وروي أنه «من مات بلا خلف فكأنما لم يكن في الناس، ومن مات وله خلف فكأنه لم يمت»[3] .

إن القرآن الكريم يحدثنا عن حرص ورغبة أنبياء الله العظام في أن يكون لهم أولاد وذرية، مع ما لهم عند الله تعالى من الشأن الرفيع، فنبي الله إبراهيم وهو خليل الله، كان يدعو ربه في طلب الولد، حتى استجاب الله دعاءه في سنّ متقدم: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ [4] .

ونبي الله زكريا كان يسأل الله بإلحاح أن يرزقه الولد ﴿كهيعص. ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا. إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا. قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا. وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتْ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا. يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا [5] .

ونبينا الأعظم محمد حينما كان الكفار يشمتون به ويعيرونه أنه لا عقب له، فإن الله تعالى طمنّه وبشره بكثرة الذرية والنسل، كما ورد حول تفسير سورة الكوثر، وأن الله أعطى نبيه كثرة الذرية، بينما أعداؤه الذين عابوه بأنه أبتر لا نسل له قد انقطع نسلهم.

وإذا كان عدد من الناس يعانون في الماضي من الحرمان من الذرية والنسل، فإن تقدم علوم الطب في هذا العصر، قلّص من رقعة ذلك الحرمان، وأتاح فرصة التمتع بالإنجاب للكثيرين ممن كانوا يعانون من بعض العوائق، وذلك عبر التلقيح الصناعي والذي لا ترى الشريعة فيه بأساً، بل هو مستحب ومرغوب فيه ما دام داخلاً تحت عنوان التناسل المندوب إليه شرعاً.



الرعاية الشاملة:


الاهتمام الكبير الذي يوليه الوالدان للأولاد، والحرص الشديد منهما على رعايتهم، غالباً ما ينحصر في العناية بالجانب الجسمي المادي من شخصية الأولاد، كتوفير الغذاء والدواء واللباس وما يرتبط بذلك، إن الوالدين يعلنان حالة الاستنفار حينما يصاب الطفل بأذى أو مرض في جسمه، ويفتشان له عن العلاج والدواء بأسرع ما يمكن، كما يحرصان على إشباع حاجته من الغذاء، ولا يتحملان بكاءه من جوع أو عطش ولو لحظة واحدة، ويهيئان له ما يناسبه من كسوة ولباس..

لكن هناك جوانب أخرى في شخصية الطفل تحتاج إلى توجه ورعاية أكبر، إنه ليس جسماً فقط، بل هو كائن إنساني متعدد الجوانب والأبعاد، ومسئولية الوالدين هي الرعاية الشاملة، والاهتمام الكامل بتلك الجوانب المختلفة.

إن الإنسان مخلوق مميز، يختلف عن بقية الكائنات، بتنوع أبعاده، فلديه نفس مليئة بالمشاعر والأحاسيس المتصارعة، والميول والرغبات المتناقضة، ولديه قدرات عقلية هائلة، ولأنه مدني بطبعه، له بعد اجتماعي، كما أنه مهيئ ومؤهل للعب دور كبير على مستوى الحياة والكون، باعتباره مستخلفاً لله في الأرض.. لكن ما لديه من كفاءات وقدرات وميول ورغبات، حينما يأتي إلى الدنيا، إنما هي على شكل مواد خام، وبذور واستعدادات، فيحتاج إلى فترة من الرعاية والتربية، لتنمو طاقاته، وتتطور قدراته، ويتدرب على قضايا الحياة، وتتشذب غرائزه وميوله، وتترشد مساراته وسلوكه.

بينما بقية الحيوانات تعيش ضمن بعد محدود، تسير فيه بغريزة وتقدير إلهي، لذلك لا تحتاج إلا لقدر ضئيل من التنشئة والإعداد، ثم تنطلق لأداء دورها المحدد المرسوم، ففترة الطفولة عند الحيوانات قصيرة تقاس بالأيام أو بالأسابيع أو بالشهور في أقصى التقديرات، ولا تكاد تجد نوعاً من الحيوانات يحتاج إلى رعاية أمه لأكثر من سنة.. وبعض الحيوانات كالحشرات والأسماك قد لا تحتاج إلى تربية ورعاية أصلاً، فأنثى السمك تلقي بيضها في الماء قبل الفقس، فيفقس في الماء وبعض الأنواع منها يفقس البيض داخل السمكة ثم تضع اليرقات في الماء، وبمجرد أن تفقس السمكة من بيضها، أو تلقى يرقتها في الماء، تمارس حياتها بشكل مستقل دون حاجة لرعاية أو تدخل من قبل الأم.. وتوجد أنواع قليلة من السمك ترعى نسلها للحظات بسيطة جداً.. علماً بأن هناك اثنين وعشرين ألف نوع من السمك، وبعض الأسماك مثل سمكة القِد في كل موسم للتناسل تلقي تسعة ملايين بيضة، يفقس قسم منها والباقي لا تساعده الأجواء على الفقس..[6] 

ولتميز الإنسان في مكانته ودوره وكفاءاته وقدراته، شاءت حكمة الله تعالى أن يمر بفترة طويلة من الحاجة لرعاية الأبوين وتربيتهما، لتتبلور شخصيته، وتنمو مواهبه وطاقاته، إلى جانب تكامله وتطوره الجسمي.



الوعي التربوي:


وإذا كانت التربية تعني تنشئة الطفل ورعاية نموه في الأبعاد المختلفة جسدياً ونفسياً وعقلياً وسلوكياً، فإنها بحاجة إلى وعي وتخطيط ومعرفة، إن تصنيع أي جهاز من الأجهزة يستلزم معرفة وخبرة سابقة، وكلما كان الجهاز أكثر دقة وتعقيداً تطلب مستوى أعلى من المهارة عند صانعه.

والتربية هي صناعة الشخصية الإنسانية، بما تحمل من مؤهلات وكفاءات، وتتطلع إليه من دور وإنجاز. ومما يلفت النظر أن الله تعالى قد عبر عن التربية بالصناعة والتصنيع، في الحديث عن نشأة نبي الله موسى وإعداده لدور الرسالة والقيادة، يقول تعالى: ﴿وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي [7] .

لكن ما نلحظه من واقع حياة الناس، أن الأكثرية يتعاطون مع تربية أطفالهم كعمل عفوي، ينطلق من العادات الموروثة، ويحكمه المزاج الشخصي الآني.

إن نسبة الإنجاب والمواليد في مجتمعاتنا تعتبر من أعلى المعدلات في العالم، فعندنا في المملكة مولود جديد كل دقيقة، وحسب إعلان لوزارة الصحة: أنه في شهر رمضان الفائت 1420هـ كان عدد المواليد في المملكة (45.000) مولوداً أي بمعدل كل أربعين ثانية مولود جديد.

والسؤال المطروح هو مدى توفر الجدارة والتأهل التربوي عند العوائل التي تستقبل هذا العدد الكبير من المواليد.

إن أغلب الشباب والفتيات حينما يبدأون حياتهم الزوجية، ويصبحون على أعتاب مرحلة الوالدية، لا يهتمون بالاستعداد لهذه المرحلة، بالتعرف على عالم الطفل الذي ينتظرونه بلهفة وشوق، وبتحصيل معرفة مناسبة عن برامج التربية وأساليبها ووسائلها، ليكونوا قادرين على إنجاز هذه المهمة بنجاح.

إن مناهج الدراسة والتعليم للشباب والفتيات وخاصة في المراحل المتقدمة كالثانوية والجامعة ينبغي أن تولي هذا الجانب اهتماماً مناسباً، لأن رواد هذه المراحل يقتربون من الدخول في فئة الآباء والأمهات.

والمؤسسات الدينية والاجتماعية والثقافية في المجتمع يجب أن تضع برامج للإعداد والتوعية التربوية، فذلك يوفّر عليها الكثير من الجهود المستقبلية، ويساعدها على تحقيق أهدافها في إصلاح وارشاد المجتمع.

لأننا إذا علمنا العوائل كيف تربي أبناءها تربية سليمة، فسنكسب جيلاً أقرب إلى الصلاح، وأسرع استجابة إلى الخير.

إن وجود دورات مركزة ولو لعدة ساعات يمكن أن تفتح آفاق ذهن المقبل على مرحلة الوالدية، ليكون أكثر تفهماً وإدراكاً لمتطلبات العملية التربوية.

ولوسائل الإعلام والتثقيف دور هام يمكن أن تؤديه في هذا المجال، عبر البرامج المختلفة، ونشر الكتب التوجيهية والمتخصصة في الحقل التربوي، وقد لفت نظري عنوان كتاب صادر عن معهد جيزيل لنمو الطفل، ترجمه الدكتور فاخر عاقل إلى اللغة العربية، بعنوان (التهيؤ للوالدية) وهو يتحدث كما يشير عنوانه عن تحضير الوالدين لصناعة الوالدية، ويحدثهم عن المشكلات المختلفة التي تصادف الوالدين والحلول العملية لها.

وفي تراثنا الإسلامي مخزون عظيم من المفاهيم والمعارف والتعاليم التربوية، التي لو قدر لها أن تنشر وتتداول في أوساط المجتمع، لأنتجت وعياً عاماً باتجاه أفضل الأساليب التربوية. وهنا تأتي مسؤولية علماء الدين وخطباء المنبر، ليولوا هذا الجانب اهتماماً أكبر في أحاديثهم وخطاباتهم.

وتجب الإشادة هنا بمبادرة الواعظ الديني الخطيب الشيخ محمد تقي فلسفي رحمه الله ، وهو من ابرز خطباء إيران المعاصرين، حينما تناول موضوع (الطفل بين الوراثة والتربية) في محاضراته لشهر رمضان المبارك سنة 1381هـ وانتشرت في أوساط المجتمع الإيراني ثم ترجمت إلى اللغة العربية وطبعت في مجلدين، واصبحت من افضل المصادر في هذا الحقل.



كيف نفهم أطفالنا؟:


ربما ينظر الكثيرون لأطفالهم نظرة بسيطة ساذجة، فالطفل عندهم مساوق للجهل وعدم الفهم والإدراك والشعور، وفي مجتمعنا يعبر عن الأطفال بـ(الجهال) فضمن التحية يسأل الواحد منا الآخر: كيف حال الجهال؟ أي الأولاد والأطفال! ويتحدث رب العائلة قائلاً: سافرت مع الجهال!

وربما تستمر هذه النظرة عند بعض العوائل لأبنائها حتى حينما يتجاوزون مرحلة الطفولة، ويصبحون شباباً، لكنهم يبقون في نظر أهاليهم أطفالاً وجهالاً.

إنها نظرة خاطئة فالطفل ليس عديم الإدراك والفهم والشعور كما يتصور الكثيرون، إنه يتحسس ما حوله، وتستيقظ مداركه في وقت مبكر، ويسجّل الانطباعات ويلتقط الصور، وتبدأ عملية التكوّن والتشكل لشخصيته المستقبلية وللدعامات التي ترتكز عليها، منذ السنوات الخمس أو الست الأولى، والتي يطلق عليها علماء التربية السنوات التكوينية.

(فقد أثبتت الدراسات الإكلينيكية وكذلك الملاحظات التجريبية التتبعية أن السمات الأساسية للشخصية عند الكبير ما هي إلا امتداد لتأثير الخبرات الطفلية المبكرة التي سبق أن مر بها فمنذ الأسابيع الأولى في عمر الطفل تبدأ قابليته للتعلم، والمقصود بالتعلم هنا، إما اكتساب مثيرات شرطية - عن طريق الاشراط الاستجابي أو الكلاسيكي - وإما تعديل في السلوك الإجرائي - عن طريق التدعيم أو مبدأ الاشراط الإجرائي - وأفادت تجارب كثيرة أن الطفل يمكنه في وقت مبكر جداً، أن يكتسب مثيرات شرطية مثل صوت شوكة رنانة مثلاً، أو إضاءة ضوء، وذلك بالنسبة لأفعال منعكسة مثل رمش العين، أو حركة الرضاعة عندما تقترن تلك المثيرات بالمثيرات الطبيعية لهذه الأفعال المنعكسة)[8] .

وعندما يصل الوليد إلى سن الثالثة يكون قد حقق نمواً حركياً ومعرفياً سريعاً، نمواً يتضمن أكثر من مجرد زيادة في الوزن والحجم، فمع تقدم السن يتقدم الطفل بشكل واضح في النمو الحركي، ونمو التآزر والنمو المعرفي بالبيئة المحيطة به, من عالم البشر وعالم الأشياء.

وتؤكد دراسات علمية أن الوليد يستطيع ابتداء من الشهر الرابع أن يميز الانفعالات التي تظهرها تغيرات الوجه البشري. فهو في هذا الشهر يطيل النظر إلى الوجوه المعبرة بالفرح، أكثر مما يفعل بالنسبة للوجوه الغاضبة أو المحايدة.

وملحوظ أن الطفل بعد سن الثانية تنمو لديه المفردات الكلامية بسرعة كبيرة، فعندما يصل السنة الثانية تكون حصيلته في حدود الخمسين مفردة لكنه في الثانية والنصف يصل متوسط عدد المفردات لديه إلى 400 كلمة تقريباً، وببلوغه الثالثة يمتلك ما يقارب الألف كلمة في المتوسط، ويبدأ في تركيب الكلمات على شكل جمل مفيدة، ويصبح 80% من كلامه مفهوماً للسامع، وفي السنة الرابعة يتقن اللغة تماماً.

وما الأسئلة الكثيرة التي يمطر بها الطفل والديه عن كل شيء يستوقفه إلا مؤشر على تيقظ مداركه، ونشاط أحاسيسه ومشاعره.

ويركز الأطفال ملاحظتهم على سلوك وتصرفات من حولهم، ويكتسبون من تلك الملاحظة، في بناء قناعات وتصورات داخل نفوسهم تبقى آثارها على أفكارهم وتوجهاتهم المستقبلية، كما يندفعون لمحاكاة ما يشاهدون ويلاحظون.

هذه العينات من مظاهر النشاط الذهني والنفسي والسلوكي عند الطفل تفرض علينا إعادة النظر في رؤيتنا وفهمنا لعالم الطفولة، فالطفل ليس ذلك الكائن الجاهل الذي لا يمتلك أي مستوى من الإدراك والشعور، بل هو مشروع شخصية تأخذ في النمو والتكامل، وتنطوي على قدر من الفهم الإحساس يتزايد ويتصاعد يوماً بعد آخر.



الأطفال نعمة وأمانة:


الأطفال ليسوا ممتلكات يتصرف فيها الوالدان كما يحلو لهما، بل هم نعمة وأمانة من قبل الله تعالى، نعمة تستوجب الشكر، وشكرها القيام بواجب الرعاية والتربية، وأمانة تترتب عليها المسؤولية والالتزام.

والوالدان مسؤولان أمام الله عز وجل عن تعاملهما مع أولادهما الصغار، إضافة إلى تحملهما لنتائج التربية في حياتهما.

يقول الإمام زين العابدين في رسالة الحقوق:«وأما حق ولدك فتعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره، وأنك مسؤول عما وليته من حسن الأدب، والدلالة على ربه، والمعونة على طاعته فمثاب على ذلك ومعاقب».

وإذا كان الطفل لا يملك قوة تردع الإساءة، فهو تحت تصرف أبويه، لكن الله تعالى هو الجهة التي تقف خلفه، وترصد أي إساءة تتوجه إليه، جاء في الحديث عن الإمام الكاظم : «إن الله ليس يغضب لشيء كغضبه للنساء والصبيان»[9] .

 

 

* كلمة الجمعة بتاريخ 30 رجب 1421هـ
[1]  الموسوي: الشريف الرضي/ نهج البلاغة- كتاب رقم31.
[2]  سورة الكوثر الآية3.
[3]  الحر العاملي: محمد بن الحسن/ وسائل الشيعة ج21 ص357 حديث رقم 27290.
[4]  سورة إبراهيم الآية39.
[5]  سورة مريم الآية1-6.
[6]  الموسوعة العربية العالمية/ ج2 ص111/ الطبعة الثانية 1999م- الرياض.
[7]  سورة طه الآية39.
[8]  إسماعيل: در محمد عماد الدين/ الأطفال مرآة المجتمع ص8-52 سلسلة عالم المعرفة 99.
[9]  الكليني: محمد بن يعقوب/ فروع الكافي ج6 ص50.