العوائق بين الإحباط والفاعلية

ما هي خيارات الإنسان تجاه العوائق التي تنتصب أمام احتياجاته ورغباته في هذه الحياة؟

وكيف يتعامل مع الأزمات والمشاكل حينما تواجهه في أي ميدان من الميادين؟

هنالك ثلاثة خيارات تتراوح بينها مواقف الناس:

الاستسلام:


1- فالكثيرون يتراجعون أمام العوائق، ويتخلون عن تطلعاتهم واستهدافاتهم، ويستسلمون لكل تداعيات المشكلة ومضاعفاتها، ويعترفون بالعجز والفشل، وأن ذلك قدرهم الذي لا خيار لهم إلاّ قبوله.

وحينما تسيطر نفسية الاستسلام على الإنسان، فإنها تفرض عليه الانهزام والانسحاب أمام أبسط التحديات، وأقل الصعوبات، ودون أن يبذل جهداً كافياً لتجاوز ما يواجهه من عوائق.

الانفعال النفسي:


2- والبعض من الناس حينما تصطدم رغباتهم بعوائق وموانع، ويواجهون وضعاً غير مريح لهم، فإنهم يعيشون حالة من التوتر النفسي الدائم، ويصابون بالكآبة والإحساس بالقهر، وقد يؤدي بهم ذلك إلى حالة الشعور بالإحباط والقنوط.

وهذا الخيار أسوأ وأخطر من الخيار السابق، والذي يتراجع فيه الإنسان عن رغبته، ويعلن الاستسلام والقبول بالهزيمة.

إنه هنا لا يتخلى عن رغبته، بل يزداد انشداداً إليها، ويعاني الشعور بالحرمان منها، ويستحضر في نفسه وذهنه دور العوائق في عدم تحقيق تلك الرغبة بشكل دائم، مما يجعله عرضة للاضطراب النفسي، والمعاناة الشديدة.

الإحباط:


ويطلق علماء النفس على هذه الحالة مسمى (الإحباط) (furstration) وهو تعبير عن الحالة التي يمر بها الفرد حين لا يتوافر له إشباع دافع يلح عليه ويشعره بالحاجة، ويعرفونه بأنه: عملية تتضمن إدراك الفرد لعائق يعوق إشباع حاجة له، أو توقع حدوث هذا العائق في المستقبل[1] .

وتتفاوت درجات الشعور بالإحباط حسب تفاوت إلحاح الدافع، وقوة العائق، فكلما كان دافع الإنسان شديداً نحو غرض معين، وكان العائق قوياً، تصبح حالة الإحباط عنيفة بنفس الدرجة والمستوى.

وينتج الإحباط خاصة في درجاته المتقدمة، آثاراً تدميرية خطيرة على حياة الإنسان والمجتمع.

أ- فهو يمعن في تمزيق نفس الإنسان، ويجعله يعيش حالة دائمة من السخط والتوتر، ويفقده بالتالي الإحساس بالسعادة، والتمتع بمباهج الحياة، فيتناسى ويتجاهل كل ما لديه وحوله من المكاسب، ومنابع اللذة والارتياح، ويتركز نظره وتفكيره حول ما تعذّر عليه نيله والوصول إليه.

فتصبح الدنيا في عينه سوداء قاتمة، ويصبح هو كئيباً متشائماً، وقد خاطب هذه الشريحة من الناس الشاعر العربي إيليا أبو ماضي ليدعوهم إلى تجاوز حالتهم المرضية، وأن يكونوا أكثر واقعية وتكيفاً مع أوضاع الحياة، وأكثر أملاً وتفاؤلاً بالالتفات إلى الجوانب المشرقة السّارة فيها يقول:

لم تشتكي وتقول إنك معدم *** والأرض ملكك والسما والأنجم

ولك الحقول زهورها وعبيرها *** ونسيمها والبلبل المترنم

هشت لك الدنيا فمالك واجم *** وتبسمت فعلام لا تتبسم

ما بين أشجار كأن غصونها *** أيد تصفق تارة وتسلم

ب- والإحباط يشلُّ إرادة الإنسان، ويمنعه من التفكير في السعي والحركة، حيث يفقد الثقة في ذاته، وفي جدوى أي محاولة أو نشاط.



الإحباط دافع للعدوان:


ج - وفي أسوأ مرحلة قد يصبح الإحباط دافعاً نحو العدوان، حيث يظهر المصاب بالإحباط شديد التوتر، ميّالاً إلى اقتناص أية فرصة للخلاص من ضغط التوتر لديه.

إنّنا نلاحظ مثل هذه الحالة عند بعض الأطفال، حينما يفتقدون الرعاية التي اعتادوها، أو يحال بينهم وبين بعض رغباتهم، فإنهم قد يقومون بنشاط تخريبي، فيضربون ويكسرون ما حولهم من الأواني والأثاث.

وقد يأخذ العدوان الناشئ من الإحباط شكلاً كلامياً أحياناً كالشتائم والكلام القاسي، وقد يأخذ شكلاً عاطفياً كاختزان الكراهية والحقد على الآخرين، وقد يتفجر عنفاً باتجاه الذات أو الغير.

إنّ حالات الانتحار هي في الغالب إفراز لمستوى متقدم من الإحباط، يهيمن على نفس الفرد، ويدفعه لإنهاء حياته، للخلاص من ضغط التوتر الإحباطي الذي يعانيه.

لذلك يرى علماء النفس أنّ مرض الاكتئاب قد يكون اللاعب الرئيسي وراء محاولات الانتحار، وتقدر الباحثة الأميركية الدكتورة (جانيس وتينزل) في كتابها (الاكتئاب الإكلينيكي) إلى أنّ هناك 200 ألف شخص كل عام يحاولون الانتحار والتخلص من حياتهم، إلاّ أنّ الذين ينجحون في الانتحار وقتل أنفسهم هم 25 ألف شخص من بين المئتين ألف سنوياً[2] .

ويشير تحقيق نشرته جريدة الوطن السعودية إلى أنّ نصف مليون شخص يحاولون قتل أنفسهم سنوياً، وأنّ الإقدام على الانتحار ليس رغبة في الموت، بل للهروب من الألم، وفي أميركا زاد عدد الذين ينتحرون على الذين يُقتلون عن طريق الغير. والانتحار عادة ما يكون بسبب زيادة الضغوط النفسية.

وتعرّض التقرير لوجود هذه الظاهرة وتصاعد أرقامها في المملكة، فحسب إحصاء وزارة الداخلية السعودية لعام 1420هـ تجاوزت حالات الانتحار ومحاولة الانتحار 400 حالة. ومن بين المنتحرين مواطن سعودي حاصل على درجة الدكتوراه، وضابط برتبة نقيب، ونساء غير متزوجات، الأمر الذي يعني أنّ هناك أكثر من حالة انتحار يومياً[3] .

الإحباط قنوط من رحمة الله:


عالج الإسلام حالة الإحباط تحت مسمى « القنوط » حيث وردت آيات وأحاديث عديدة، تحذر الإنسان من خطر القنوط، وتعتبره مساوقاً للكفر بالله تعالى، والضلال عن منهجه القويم.

والقنوط لغة: مصدر قولهم: قَنَطَ يَقنُطُ إذا يئس يأساً شديداً. قال ابن الأثير: القنوط هو أشد اليأس من الشيء، وقيل: القنوط: اليأس من الخير. ويبدو أنّ القنوط أبلغ من اليأس، للترقي إليه في قولـه تعالى: ﴿وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ [4] .

وعدّ علماء الإسلام القنوط من رحمة الله من الكبائر.

يقول تعالى: ﴿وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّالُّونَ [5] .

والآية وردت في سياق قصة نبي الله ابراهيم الخليل ، حيث تقدم به وزوجته العمر ولم يرزقا ولداً، فجاءت الملائكة تبشره ﴿ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلاَمٍ عَلِيمٍ لكنه لم يكن متوقعاً لحصول ذلك بسبب كبر سنّه ﴿ قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَنْ مَسَّنِي الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ ، فحذرته الملائكة من أن يقع في حالة القنوط ﴿ قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلاَ تَكُنْ مِنْ الْقَانِطِينَ ، لكنه أشار إلى إدراكه ومعرفته بسوء وخطر هذه الحالة، وأنها تصيب الضائعين التائهين ﴿ قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّالُّونَ .

وحتى بالنسبة لمن يتورطون في معاصي الله ويرتكبون الذنوب والآثام، فإن الله تعالى يفتح أمامهم أبواب الأمل والرجاء، ويحثهم على التوبة والإنابة، حتى لا يصابوا بحالة قنوط وإحباط تدفعهم أكثر إلى أحضان الجريمة والانحراف. يقول تعالى: ﴿ قُلْ يَاعِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [6] .

وفي حديث شريف مروي عن رسول الله عن ابن مسعود (رضي اللَّه عنه) أنه قال : « الفاجر الراجي لرحمة الله تعالى أقرب منها من العابد المقنط » [7] .

ويشير الإمام علي إلى ما يسببه القنوط لصاحبه من الحرمان وضياع الفرص والمكاسب بقولـه: « وفي القنوط التفريط »[8] .

الفاعلية:


3- الخيار الثالث تجاه العوائق والعقبات، هو الفاعلية والسعي، ذلك أن قسماً كبيراً من العوائق ليس مستعصياً على التجاوز والاختراق، لكنه يحتاج إلى بذل مزيد من الجهد، واستخدام ألوان من الوسائل والأساليب، فالبعض من الناس إذا ما استوقفهم في طريق تحقيق رغباتهم واحتياجاتهم عائق أو حاجز، يهرعون سريعاً إلى التراجع والانسحاب، ويسيرون ضمن أحد الخيارين السابقين.

بينما أثبتت التجارب ووقائع الحياة، أن الاجتهاد في السعي، وتكرار المحاولات، وتجديد الأساليب والوسائل، كفيل بمساعدة الإنسان على تحقيق مآربه، والوصول إلى أهدافه غالباً.

إن الطفل الصغير قد لا يستجيب له والداه في تنفيذ رغبته من أول إشارة أو طلب، ومن وحي فطرته وطبيعته يبقى مصراً على ما يريد مستخدماً سلاح البكاء والصراخ، حتى يتم له تحقيق رغبته.

وكم من طالب تعثر في طريق الدراسة وطلب العلم، لكنه مع المواصلة والإصرار نال رفيع الدرجات.

ويدرك كل مراجع للمؤسسات العامة والخاصة أنه قد تُرفض معاملته وطلبه في بادئ الأمر، لكنه إذا تابع المعاملة، وأكمل نواقصها، أو رفعها إلى الجهات العليا في تلك المؤسسة، فإنه قد يحظى بالنجاح والقبول.

الالتفاف على العائق:


قد يواجه الإنسان عائقاً قاهراً يصعب اقتلاعه وتجاوزه، إما لطبيعة ذلك العائق، كالعاهات والإعاقات الجسدية، وإما لاستلزامه ظرفاً وقدرة لا يمتلكها الإنسان بالفعل.

وهنا يجب أن يتحلى الإنسان بالواقعية، فلا يصبح أسيراً لتلك المشكلة التي لا يمتلك حلها بالفعل، بل يخرج عن سيطرتها على نفسه ومشاعره، ويلتفت إلى سائر نقاط قوته، وإلى الامكانيات المتوفرة لديه، والفرص الأخرى المتاحة أمامه، وبذلك يستطيع أن يحقق لنفسه تقدماً ونمواً يعوّض عليه ما فقده من تطلع ورغبة بسبب تلك العوائق، وقد يجد نفسه في موقع أفضل ومستوى أعلى.

إن من يعيش في مقتبل عمره حالة يُتْم بفقد والديه أو أحدهما، فيعاني حرماناً عاطفياً، ويفتقد الرعاية التي يرى غيره يتمتع بها، هذا الإنسان إذا سيطرت على نفسه معاناة اليتم، وخضع لها، فسيعيش الألم والتمزق النفسي، والذي قد ينعكس عليه اكتئاباً واحباطاً، وقد يدفعه لتوجهات سلبية خاطئة. وستكون حياته متخلفة، ومستقبله سيئاً.. بينما لو تكيّف مع حالة اليتم كأمر واقع، لا يستطيع تغييره ولا تبديله، واتجه لاكتشاف قدراته، وتنمية طاقاته، فإنه سيصبح في وضع جيد، ومستوى متقدم، يتفوق به على آخرين عاشوا في كنف آبائهم وأمهاتهم، لكنهم لم يمتلكوا مؤهلاته ومستواه.

وكذلك من يبتلي بإعاقة جسدية كفقد البصر، أو تشوّه الخلقة، أو حالة كساح أو شلل.. فإنه إذا وقع في أسر معاناته، واستجاب نفسياً لحالة النقص التي عنده، فسيحكم على نفسه بالإنزواء والانهيار، أما إذا تجاوز تلك الإعاقة نفسياً، وفتش عن ما لديه من نقاط قوة أخرى، وفعّلها ونماها، فسيكون مرشحاً للعب دور مؤثر في الحياة، قد يتفوق من خلاله على الأصحّاء العاديين.

وكم من معوّق أصبح في مصافّ العظماء، وحقق تقدماً وانجازاً في تاريخ البشرية.. ونقرأ في تاريخنا العربي عن شخصية رائدة في الفلسفة والأدب هو أبو العلاء المعرّي (363-449هـ،973-1057م) والذي فقد بصره وهو في الرابعة من عمره على إثر اصابته بالجدري، لكنه أقبل على العلم والأدب، ونمّى في نفسه القدرة على الحفظ، فكان يبحث عن الكتب والمكتبات، ويجتهد في حفظ ما يقرأ عليه منها، حيث توجه من بلدته حلب إلى انطاكية واستفاد من مكتبة عامرة فيها، تشتمل على نفائس الكتب، فحفظ منها ما شاء الله أن يحفظ، وذهب إلى اللاذقية فدرس اليهودية والنصرانية، وزار طرابلس قاصداً مكتبة كبيرة فيها، ثم تردد في طور لاحق على مكتبات بغداد ودور العلم بها، فأصبح أديباً نابغا، روى الثعالبي عن أبي الحسن المصيصي الشاعر قوله: لقيت بمعرة النعمان عجباً من العجب، رأيت أعمى شاعراً ظريفاً يدخل في كل فن من الجد والهزل يكنى أبا العلاء، وسمعته يقول: أنا أحمد الله على العمى، كما يحمده غيري على البصر، فقد صنع لي وأحسن بي إذ كفاني رؤية الثقلاء البغضاء.

وأشار ابن العديم إلى قوة حفظ أبي العلاء برواية حكاية عن ابن منقذ ذكر فيها أنه يقرأ عليه الكراسة والكراستين مرة واحدة فيحفظهما، ولم يعلم له من شيوخ بعد سن العشرين، وذكر هو أنه لم يحتج إليهم بعدها[9] .

إن فقد البصر لم يقعد به عن طريق المجد والتقدم، بل اكتشف موهبته في الحفظ ونماها، واستفاد من عشقه للعلم والمعرفة فنهل منها. وأصبح شخصية علمية أدبية عالمية.

ومن الأمثلة المعاصرة لأشخاص تجاوزوا إعاقتهم، وحلقوا في سماء العظمة والعبقرية، العالم البريطاني المعروف (استيفن هاوكنج) والذي يعد أبرز العلماء في الفيزياء والرياضيات، في النصف الثاني من القرن العشرين.. لقد أصيب بمرض وهو في السابعة من عمره، وصارع المرض حتى أصبح كسيحاً يتحرك على مقعد ذي عجلات، ولا يستطيع التكلم بشكل طلق ومفهوم، فلا تفهم له إلا سكرتيرته أو تلامذته القريبون، لكنه صار أستاذ الرياضيات العليا في جامعة (كامبردج) الشهيرة، وعيّن وعمره 32 سنة في الجمعية العلمية الملكية البريطانية، وشغل فيها كرسي نيوتن، سنة 1974م.

وقدم نظريات علمية عظيمة وجديدة حول الكون، وفي الفيزياء والرياضيات، وله أبحاث كثيرة مطبوعة، ترجم منها إلى اللغة العربية كتابه (تاريخ موجز الزمان).

مجتمعات تتحدى العوائق:


وعلى صعيد المجتمعات، قد يواجه مجتمع ما ظرفاً قاهراً، تعاق فيه حركته، ويقع تحت سيطرة مناوئة، فإذا ما استسلم وخنع فسيعيش التخلف والذل، وإذا ما سيطرت على أبنائه حالة الاحباط والقنوط فسينكفئون على أنفسهم، وتظهر في أوساطهم تيارات العنف والتطرف، أما إذا شمرّوا عن سواعد الجد والنشاط، واهتموا ببناء كفاءاتهم، وصقل مواهبهم، واستغلال الفرص المتاحة أمامهم، فسيفرضون أنفسهم على ساحة الحياة، ويصنعون لمجتمعهم معادلة جديدة من القوة والتقدم.

ولعل الشعب الياباني أفضل مثل يقدم في التاريخ المعاصر، فقد خرج هذا الشعب من الحرب العالمية الثانية سنة 1945م، منهزماً محطم القوى، بعد إصابته بالقنبلة الذرية في هيروشيما ونكازاكي.

وكانت خسائرهم البشرية تقدر بمليونين وثمانين ألف إنسان، وخسائرهم الاقتصادية تزيد على 562 مليار دولار.

وحينما قرر الامبراطور الياباني وحكومته الاستسلام انتحر آلاف الضباط تألماً واحتجاجاً. وفرضت عليهم شروط وجود قواعد أمريكية، وعدم عسكرة اليابان، وأن يكون جيشهم بحجم حاجتهم الداخلية.

لقد كان هذا الظرف قاهراً ومفروضاً عليهم، ولا يستطيعون مواجهته بالقوة، لكنهم لم يستسلموا لليأس والقنوط، ولم تسيطر عليهم حالة الاحباط، ولم ينشغلوا باجترار الغبن، والبكاء الدائم على مصائبهم، بل سارعوا بعد تسعة أشهر من انتهاء الحرب إلى تشكيل مجلس أعلى قرر البدء بالإصلاح الشامل، واتجهوا صوب التعليم، ونحو التصنيع التكنولوجي، وحفزوا الهمم في أنفسهم، واجتهدوا في تفجير كفاءاتهم ومواهبهم، وأسسوا مجالس منتخبة لتطوير المدارس واستيعاب أكبر قدر من الطلاب فكان من نتائج ذلك ما يلي:

أصبح الطفل الياباني في الرابعة عشر من عمره، يتلقى تعليماً لا يتلقاه الأمريكي إلا في الثامنة عشر من عمره.

وتبلغ أيام الدراسة في اليابان 220 يوماً، بينما هي في أمريكا 180 يوماً.

وبينما يحقق الطالب الأمريكي والأوروبي 100 نقطة في اختبارات الذكاء فإن الطالب الياباني يحقق 117 نقطة.

أما على الصعيد الاقتصادي فإن الدخل القومي لليابان سنة 1951م كان يعادل ثلث الدخل القومي لبريطانيا، ونصف دخل أمريكا، لكنه في سنة 1990م أصبح بمقدار ثلثي دخل أمريكا وثلاثة أضعاف دخل بريطانيا!!

وأصبحت اليابان أغنى دولة في أصولها المالية والعقارية، حيث وصلت ثروتها في هذا المجال إلى 43 تريليون دولار، بينما تقدر ثروة أمريكا في ذات المجال 36 تريليون دولار.

وتعبيراً عن هذا التقدم الاقتصادي أصدر رئيس شركة سوني اليابانية كتاباً سنة 1988م بعنوان (اليابان يمكن أن تقول لا للولايات المتحدة الأمريكية).

ومعروف أن معدل الأعمار في اليابان هو الأعلى عالمياً، حيث يصل إلى 82 عاماً للنساء، و76 عاماً للرجال، وفيها أكثر من 4000 شخصاً أعمارهم تزيد على 100 عام.

هكذا تكون الفاعلية أفضل طريق وأحسن خيار للالتفاف على العوائق، ولتحقيق تطلعات التقدم والرقي، على صعيد الفرد والمجتمع.

 

 

* كلمة الجمعة بتاريخ 8 ذو القعدة 1421هـ
[1]  الرفاعي: نعيم/ الصحة النفسية ص169 الطبعة السابعة 1987م- جامعة دمشق.
[2]  الاقتصادية: جريدة يومية 30 يناير 2001م ص5.
[3]  الوطن: يومية سعودية 7ديسمبر 2000م ص17.
[4]  سورة فصلت الآية49.
[5]  سورة الحجر الآية56.
[6]  سورة الزمر الآية53.
[7]  المجلسي: محمد باقر/ بحار الأنوار ج74 ص211.
[8]  الهندي: علي المتقي/ كنز العمال ج3 ص140 حديث رقم 5869.
[9]  الموسوعة العربية العالمية ج23 ص480/ الطبعة الثانية 1999/ الرياض.