رعاية الطفل

إذا أردنا أن نقيس وعي مجتمع من المجتمعات، وأن نعرف درجة إنسانيته وتحضّره، فإن ذلك لا يكون بملاحظة مستوى التقدم والإنجاز المادي الذي حققه ذلك المجتمع، ولا بالنظر إلى وسائل الرفاهية والرخاء التي يمتلكها. بل لعل من أفضل مقاييس الوعي والتحضر، معرفة مدى الاهتمام الذي يوليه المجتمع لرعاية أطفاله، ولتربية الجيل القادم من أبنائه.

ففي طريقة التعامل مع الطفل يتجلى وعي المجتمع، وينعكس نضجه الإنساني، وتطلعاته الحضارية. لأن الطفل هو إنسان المستقبل، وإتقان إعداده وتربيته، هو في الحقيقة تخطيط للمستقبل الأفضل، وضمانة لتقدم المسيرة. بينما ضعف الاهتمام التربوي ينذر بالتخلف والتراجع، ويشير إلى الإهمال والخواء في طموحات المجتمع وتطلعاته.

كما أن تربية الطفل تعني التعاطي مع الأحاسيس والمشاعر الإنسانية، في أولى مراحلها، وأدق مستوياتها، حيث البراءة والرهافة والصدق.

فالطفل مخلوق ضعيف لا حول له ولا قوة، لا يدرك مصالحه، ولا يستطيع التعبير عن حاجاته، ولا يتمكن من الدفاع عن نفسه، وهو صفحة بيضاء نقيّة، تستقبل ما يكتب فيها، وتسجّل ما يُملى عليها.

من هنا يجب التعامل مع الطفل من منطلق إنساني، وبروحيّة مخلصة شفّافة، وبعقلية مستقبلية بنّاءة.

وقد وفق الدكتور محمد عماد الدين إسماعيل حينما اختار لكتابه القيّم عن النمو النفسي الاجتماعي للطفل في سنواته التكوينية عنوان (الأطفال مرآة المجتمع)[1]  فهم بالفعل مرآة تعكس وعي المجتمع وإنسانيته ونضجه، وترتسم فيها صورته المستقبلية.

مآسي الطفولة المعاصرة:


وإذا نظرنا إلى الحضارة المادية الغربية السائدة من خلال هذا المنظار، وحاولنا تقويمها وقياس إنسانيتها عبر واقع الطفولة في ظلها، فإننا سنكتشف جانب الخواء والفساد في هذه الحضارة رغم تقدمها العلمي والتكنولوجي.

صحيح أنّ الأمم المتحدة أصدرت إعلاناً لحقوق الطفل وأنشأت منظمة تابعة لها لرعاية الطفولة هي « اليونيسيف ». لكن ما تعانيه الطفولة اليوم من مآسي وفظائع على مستوى العالم، قد صيّر ذلك الإعلان حبراً على ورق.

لقد جاء في ديباجة إعلان حقوق الطفل ما يلي:

بما أنّ الطفل بسبب قصوره من ناحية النضج البدني والعقلي، في حاجة إلى أسباب خاصة للوقاية والرعاية تشمل الحماية الشرعية اللازمة قبل ولادته وبعدها… وبما أنّ لزاماً على الجنس البشري أن يمنح الطفل خير ما عنده، لذا فإنّ الجمعية العمومية تصدر هذا « الإعلان لحقوق الطفل » بهدف جعل الطفل ينعم بطفولة هنيئة، ويتمتع بالحقوق والحريات الواردة في الإعلان، لخيره ولمصلحة المجتمع، وتهيب بالآباء والأمهات وبالرجال والنساء، والأفراد وبالهيئات التي تعنى طواعية برعاية الطفولة، وبالسلطات المحلية والحكومات، أن تعترف بهذه الحقوق، وتعمل على مزاولتها بإجراءات تشريعية وغيرها[2] .

ثم يذكر الإعلان عشرة مبادئ تنظم حقوق الطفل وتكفل مصلحته. لكنها تبقى مجرد توصيات، ومبادئ نظرية، أمّا الواقع الفعلي للطفولة في عالم اليوم، فيعج بالآلام والمآسي والعذابات، لسبب واضح يكمن في طبيعة النزعة المادية الشهوانية لهذه الحضارة، حيث يعيش الإنسان حالة دائمة من الاستثارة والتحريض لشهواته ورغباته المصلحية، مما يجعله لاهثاً خلف تحقيقها، غير ملتفت ولا مبال بأي قيمة أخلاقية، أو مشاعر إنسانية.

هذه الأجواء المادية المحمومة لا تبقي في حياة الإنسان متسعاً للعواطف، ولا مجالاً للمبادئ، فالمصلحة الذاتية حاكمة، والشهوات والملذات هي الغاية.

لذلك تبدو معاناة الطفولة إفرازاً طبيعياً، ونتيجة متوقعة، لهذه الحضارة المادية الجارفة.

أرقام وحقائق مذهلة:


قبل سنتين انعقد في مدينة نيقوسيا مؤتمر عن أطفال العالم، لمناسبة مرور عشر سنوات على صدور اتفاقية حقوق الطفل عن الأمم المتحدة، وعالج المؤتمر قضايا الطفولة ومشاكلها، وما تواجهه من أخطاء تهدد حياة الأطفال ومستقبلهم، وقد نظمه مركز الحوار العالمي بالاشتراك مع منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) تحت شعار « الأطفال حقوق وحرمان ».

وهيمنت إحصاءات ومعلومات وثائقية مذهلة عن أوضاع الأطفال في العالم، على أجواء المؤتمر، فقد تأكد وجود 130 مليون طفل لم يحصلوا على أي نوع من التعليم، و100 مليون طفل يعملون في ظروف سيئة وخطيرة، وهناك 100 مليون طفل لا مأوى لهم يعيشون في الشوارع، ومليون آخر يجبرون على الدعارة.

وقال مدير مركز الحوار العالمي الديبلوماسي والصحافي المخضرم « أريك رولو »: إن التطورات الحاصلة اليوم وفي ظل سياسة الاقتصاد الحر وسهولة استعمال التقنيات ووسائل التقدم والاتصال، وانتشار مفاهيم العولمة، عملت على عدم تحقيق فائدة من شأنها تخفيف وطأة مشاكل الطفولة، وسوء استخدام وتشغيل الأطفال في الصناعات الكبرى، من قبل شركات متعددة الجنسيات في بلدان العالم النامي، حيث يعمل الأطفال ويستغلون لتحقيق النمو المالي السريع على حساب معاناتهم.

وتخللت وقائع المؤتمر شهادات مؤثرة ومؤلمة، قدمها الأطفال من ضحايا الكوارث الاجتماعية، كالحرمان من التعليم، والعيش في الشوارع، وتجرع مرارة التّشرد والعمالة الرخيصة، وقدموا أيضاً شهادات عن رفاقهم من ضحايا الإعتداء الجنسي، وعُرِضت أفلام ومقابلات ومشاهد حيّة، عن مختلف الخروقات والاعتداءات بحق العديد من الأطفال، وفي مناطق مختلفة من العالم.

وذُكر إحصاء عن 2000 صبي يعملون في الدّعارة في مدينة برلين وحدها، وتعذّر إحصاء عدد الصبايا!! ويوجد أكثر من 600 موقع على الإنترنت لترويج دعارة الأطفال!![3] 

وحتى المراكز والمؤسسات الاجتماعية التي تنشأ بغرض الرعاية والحماية للأطفال، فإنها أصبحت في بعض المجتمعات المادية مرتعاً للفساد، والاعتداء على الأطفال واستغلالهم، كما تحدث تقرير رسمي عن تحقيق حول أفظع عملية استغلال جنسي للأطفال تكشف في بريطانيا، إذ أنّ حوالي 650 طفلاً تعرضوا للاستغلال الجنسي بصورة منهجية على مدى عشرين عاماً في مراكز اجتماعية في مقاطعة ويلز. وكانت محكمة تشكلت خصيصاً في قرية أولو الواقعة في منطقة ويلز، قد تلت أو استمعت لشهادات أكثر من خمسمائة شخص خلال 203 أيام من الجلسات المؤلمة، في تحقيق كلف حوالي 12 مليون جنيه إسترليني، ووصف الشهود - ومعظمهم أصبح اليوم من الراشدين المحبطين كليا ً- فظائع عن سوء المعاملة التي تعرّض لها حوالي 650 طفلاً لا يبلغ بعضهم السبع سنوات في أربعين مركزاً اجتماعياً موزعة في المنطقة. وكشفت الوثيقة أنّ ما لا يقل عن 12 ضحية انتحروا في السنوات التي تلت رحيلهم من المراكز. ولفت التقرير إلى مأساة أطفال لم يجدوا شخصاً جديراً بالثقة يروون له معاناتهم، خصوصاً وأنّ مسؤولي هذه المؤسسات والعاملين الاجتماعيين المكلفين حمايتهم كانوا أحياناً من جلاّديهم[4] .

لكن صحيفة « دايلي ميل » كشفت ما هو أفظع وأكثر هولاً: أنّ شبكة كبيرة تنظم الاعتداء على الأطفال الذين يخضعون للرعاية يعتقد بأنّ عدد ضحاياها يزيد على 11 ألف طفل خلال أكثر من عشرين عاماً[5] .

من ناحية أخرى تحدثت الصحافة الألمانية عن قيام رجال العصابات بشراء الأطفال الرضع في ألمانيا، واستخدام جثثهم في عمليات تهريب المخدرات.. واعترف رئيس إحدى العصابات بأنهم يشترون الأطفال من عاهرات هامبورج وباريس الحوامل قبل ولادتهن، يتمّ بعد ذلك تهريب حديثي الولادة إلى الدنمارك حيث يجري قتلهم وحشو جثثهم بأكياس الهيروين. وتتولى نساء عاملات في إطار العصابات المنظمة السفر بالرضيع باستخدام جوازات سفر مزورة تحمل اسم الطفل إضافة إلى اسم المرأة الأم. وتدعي النساء عادة أنّ الطفل نائم أو مريض إذا لاحظت شرطة الحدود سكونه غير الاعتيادي[6] .

هكذا يضرب الفساد بجرانه في أعماق مجتمعات الحضارة المادية، وحتى العائلة لم تعد ملاذاً آمناً للأطفال في تلك المجتمعات، فقد نشرت إحدى الجمعيات الخيرية البريطانية التي تعني بشؤون الطفل أرقاماً عن عدد الأطفال الفارّين من بيوتهم والتي وصلت هذا العام (1999م) إلى مائة ألف طفل!! ووجدت الجمعية أن أسباب الفرار تتمحور حول الأمور العاطفية والعلاقات العائلية وليس الفقر. وهناك أسباب أخرى مثل المخدرات والكآبة والمشاكل مع الشرطة. وتقول الدراسة أن نسبة الفارّين تتساوى في المناطق الغنية والمناطق الفقيرة، لكن نسبة الفارّين من الأطفال البيض كانت أعلى من الأطفال الأسيويين الفارّين[7] .

الطفل ريحانة وأمانة:


حينما يشرع الإسلام أحكاماً لرعاية الطفل وحسن تربيته، فإنه يؤسس لذلك بتعليمات وتوجيهات تؤكد البعد الإنساني، والمسؤولية الدينية، في التعامل مع الطفل. وأساساً فحب الأطفال والشفقة عليهم نزعة وجدانية فطرية، لكنها قد تضعف أو تختفي لعوامل سلبية طارئة.

والتوجيهات الإسلامية في هذا المجال تشكل استثارة لتلك النزعة الوجدانية، وتحصيناً لها من التأثيرات المصلحية، ولإزالة ما قد يتراكم على فطرة الإنسان النقية من غبار الشهوات والأهواء.

من هنا نجد في النصوص الإسلامية عدداً كبيراً من الأحاديث التي تعطي لرعاية الأطفال بعدها الإنساني، وتضفي عليها صبغة العمل العبادي المقرّب إلى الله تعالى. وتجعلها من أهم مسؤوليات الإنسان في هذه الحياة.

وفيما يلي عيّنات من تلك النصوص الشريفة.

1- عنه : « أولادنا أكبادنا »[8] .

2- عنه : « من قبّل ولده كتب الله عز وجل له حسنة، ومن فرّحه فرّحه الله يوم القيامة »[9] .

3- عنه : « احبوا الصِبيان وارحموهم وإذا وعدتموهم شيئاً ففوا لهم فإنهم لا يدرون إلا أنكم ترزقونهم »[10] .

4- عنه : « الولد للوالد ريحانة من اللَّه » [11] .

5- عنه : « نظر الوالد إلى ولده حباً له عبادة »[12] .

6- عن الإمام جعفر الصادق قال:« قال موسى بن عمران: يا رب أيّ الأعمال أفضل عندك؟ فقال: حبُّ الأطفال فإني فطرتهم على توحيدي فإن أمتّهم أدخلتهم جنتي برحمتي ».[13] 

7- عن الإمام جعفر الصادق :« إن الله ليرحم العبد لشدة حبه لولده »[14] .

8- عن كليب الصيداوي قال: قال لي أبو الحسن : « إن الله عز وجل ليس يغضب لشيء كغضبه للنساء والصبيان »[15] .


رضاع الطفل:


من أهم احتياجات الطفل وأوائل حقوقه، توفير الغذاء الذي يقوّم جسمه، ويسيّر حياته، والطريق الوحيد لتغذيته في الفترة الأولى من حياته هو الإرضاع، حيث يمتص اللبن من ثدي أمه أو أي امرأة أخرى، أو عبر الرضاعة الصناعية.

والرضاعة حق طبيعي للطفل أوجبه الشارع، فإذا كان للطفل مالٌ جاءه عن إرث أو أي طريق آخر، وكان رضاعه يتطلب نفقة، فيمكن أن تؤخذ من ماله، وإن لم يكن للطفل مال وجب على أبيه تحمّل نفقات إرضاعه، فإن لم يكن الأب قادراً، أو كان متوفى، انتقلت المسؤولية إلى جده، ومع عدمه أو عدم قدرته، تكون أمه مكلفة بذلك.

وأجمع فقهاء الشيعة على عدم وجوب الإرضاع مبدئياً على الأم، وأنها تستحق الأجرة على إرضاع طفلها من قبل أبيه أو جده (وينبغي أن لا تأخذ أجرة لإرضاع طفلها من زوجها، ويستحب لزوجها أن يعطيها أجرة على ذلك)[16] .

ووافقهم على ذلك الحنابلة والشافعية، وقال الحنفية إن كانت الأم في عصمة الأب أو في عدته، فليس لها طلب الأجرة، أمّا المالكية فذهبوا إلى وجوب الرضاع على الأم بلا أجرة، إن كانت ممن يرضع مثلها، وكانت في عصمة الأب ولو حكماً كالرجعية، أمّا البائن من الأب، والشريفة التي لا يرضع مثلها فلا يجب عليها الرضاع، إلا إذا تعينت الأم لذلك بأن لم يوجد غيرها[17] .

ولا شيء أفضل من رضاع الأم لطفلها. فعن أبي عبد الله الصادق قال: «قال أمير المؤمنين : ( ما من لبن يرضع به الصبي أعظم بركة عليه من لبن أمه » [18] .

فمن لطف الله تعالى على الإنسان أن يهيء له الغذاء المناسب منذ اللحظة الأولى لولادته، عبر ثدي أمه، حيث تبلغ كمية اللبن الذي تفرزه الأم نحو كيلو غرام يومياً، يتغير تركيبه تدريجياً مع نمو الطفل بصورة تتوافق مع حاجة جسم الطفل في مراحل نموه المختلفة، فقد وجد مثلاً أن ثديي الأم يفرزان في الأيام الأولى بعد الولادة لبناً كثيفاً يسمى اللبأ (colostrum) وهو غني جداً بعناصر المناعة التي يحتاجها جسم الطفل، في فترة الطفولة الأولى، حيث يكون جسمه ضعيفاً لا يقوى على مواجهة المرض، حتى أن الشافعية نصوا على وجوب إرضاع الأم لطفلها اللبأ وإن وجد غيرها، لأن الطفل لا يستغني عنه غالباً[19] .

والرضاع من الأم له بعد آخر غير الأهمية الغذائية، هو ما تفيضه على الطفل من حنان الأمومة وعطفها، لذلك اعتبر الإسلام أن (الأم أحق بإرضاع ولدها من غيرها، فليس للأب تعيين غيرها لإرضاع الولد إلا إذا طالبت بأجرة وكانت غيرها تقبل الإرضاع بأجرة أقل أو بدون أجرة فإن للأب حينئذٍ أن يسترضع له أخرى)[20]  يقول تعالى: ﴿ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى [21] .

ولأهمية مسألة رضاعة الطفل فقد تحدثت النصوص الإسلامية حتى عن حدودها الزمنية فالحد الأقصى للرضاعة سنتان كاملتان، يقول تعالى: ﴿ وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ [22]  ويمكن تخفيض هذه المدة حسب مقتضيات صحة الطفل وسلامته، وبعد درسة الوالدين وتقويمهما لوضعه، فلا يستبد أحدهما بقرار إنهاء رضاعه قبل إكمال السنتين يقول تعالى: ﴿ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا [23] .

لكن روايات وردت عن أئمة أهل البيت تنهى عن إنقاص الرضاع عن واحد وعشرين شهراً، وتعتبر ذلك نوعاً من التعدي على حق الطفل، كما في الحديث عن الإمام جعفر الصادق أنه قال: « الرضاع واحد وعشرون شهراً فما نقص فهو جور على الصبي» [24] .

ومن المناسب أن نشير إلى أهمية الرضاعة الطبيعية، وضرورة اجتناب الرضاعة الصناعية عبر القارورة من الألبان المصنّعة، لأنه يحرم الطفل من حنان أمه الذي يعايشه وهو يرضع من ثديها، كما أن لبن الأم يحتوي على كمية كافية من البروتين والسكر بنسب تناسب الطفل يوماً بيوم، ولا يتوفر مثل ذلك في الألبان المحضّرة من لبن الأبقار أوالأغنام أو الجواميس، إضافة إلى ما قد يحصل من انتقال الجراثيم والميكروبات وعدوى الأمراض نتيجة للخلل في تعقيم الرضّاعة (القارورة) والماء، والأضرار المحتملة من المادة المطاطية التي تصنع منها الحلمات الصناعية، وقد حذرت دراسات نشرت مؤخراً من احتمال إصابة الطفل بالسرطان من جراء ارتضاعه بالحلمات المطاطية.


حضانة الطفل:


الحضانة بفتح الحاء، ويصح بالكسر وأصلها من حضن الطير بيضه، أي ضمه تحت جناحه، والغاية منها المحافظة على الطفل، وتربيته ورعاية مصلحته. ومن حق الولد أن يعيش في كنف والديه وتحت رعايتهما، لذلك كانت الحضانة وظيفة مشتركة بين الوالدين في السنتين الأوليتين من حياته. فلا يجوز للأب أن يفصله عن أمه خلال هذه المدة، وإن افترق عنها بفسخ أو طلاق، إلا إذا تزوجت شخصاً آخر فإنه يسقط حقها في حضانة الطفل وينحصر في الأب.

وبعد إكمال السنتين هناك نصوص وروايات مختلفة حول أحقية الحضانة مع عدم زواج الأم طبعاً. والمشهور عند فقهاء الشيعة أن الأب أولى بولده الذكر بعد السنتين، والأم أولى بالبنت إلى سبع سنين ثم تعود رعايتها إلى الأب.

ويميل بعض الفقهاء إلى أن الحضانة للأب بعد السنتين سواء كان الولد ذكراً أو أنثى لكن الأفضل أن لا يفصله عن أمه حتى يبلغ سبع سنين[25] .

وذهب الحنفية إلى أن حضانة الأم للصبي تمتد حتى يستغني عن رعاية النساء له، وقدروه بسبع سنين، أما حضانة البنت فتظل حتى تبلغ. وقد ذهب المالكية إلى أن حضانة الأم للصبي تستمر حتى البلوغ وللبنت حتى زواجها. وعند الحنابلة يظل الطفل الذكر عند حاضنته حتى يبلغ سبع سنين، فإن اتفق أبواه بعد ذلك أن يكون عند أحدهما جاز، وإلا خيّر هو فكان مع من اختار منهما، أما الأنثى فإذا بلغت سبعاً فحضانتها لأبيها. وعند الشافعية تستمر حتى سنّ التمييز سبع أو ثماني سنين ذكراً كان أو أنثى، ثمّ يخيّر بين أبويه[26] .

وتظهر هذه التشريعات اهتمام الإسلام بتفاصيل شؤون رعاية الطفل.

 

 

 

* كلمة الجمعة بتاريخ 15 ذو القعدة 1421هـ
[1]  إسماعيل: محمد عماد الدين/ الأطفال مرآة المجتمع/ سلسلة عالم المعرفة (99)-الكويت 1986م.
[2]  شازال: جان/ حقوق الطفل/ ترجمة: ميشال أبي فاضل/ سلسلة زدني علماّ (169) الطبعة الأولى 1983م منشورات عويدات- بيروت/ باريس.
[3]  الحياة: جريدة يومية- لندن 12/12/1998م.
[4]  الحياة: جريدة يومية- لندن 17 فبراير 2000م.
[5]  الحياة: جريدة يومية_ لندن 19 فبراير2000م.
[6]  الشرق الأوسط: جريدة يومية/ لند 4/7/1419هـ.
[7]  الشرق الأوسط: جريدة يومية/ لندن 13 نوفمبر 1999م.
[8]  المجلسي: محمد باقر/ بحار الأنوار ج101 ص105.
[9]  المصدر السابق ص105.
[10]  المصدر السابق.
[11]  المجلسي: محمد باقر/ بحار الأنوار ج101 ص98.
[12]  النوري الطبرسي: ميرزا حسين/ مستدرك الوسائل ج15 ص170 حديث17894.
[13]  المجلسي: محمد باقر/ بحار الأنوار ج101 ص97.
[14]  المصدر السابق ص50.
[15]  المصدر السابق.
[16]  الشيرازي: السيد محمد/ المسائل الإسلامية –مسألة2666.
[17]  وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية_ الكويت/ الموسوعة الفقهية ج22 ص240.
[18]  الكليني: محمد بن يعقوب/ الكافي ج6 ص40.
[19]  كنعان: الدكتور أحمد محمد/ الموسوعة الطبية الفقهية ص483.
[20]  السيستاني: السيد علي/ منهاج الصالحين –المعاملات/ القسم الثاني ص120 مسألة 397.
[21]  سورة الطلاق الآية6.
[22]  سورة البقرة الآية233.
[23]  سورة البقرة الآية233.
[24]  الحر العاملي: محمد بن الحسن/ وسائل الشيعة ج21 ص455 حديث 27567.
[25]  السيستاني: السيد علي/ منهاج الصالحين- المعاملات ج2 ص120 مسألة 401.
[26]  كنعان: الدكتور أحمد محمد/ الموسوعة الطبية الفقهية ص364.